عمر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 10:22
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
بعد ثلاث سنوات على انطلاقتها الجديدة، ما زالت الحركة العمالية المصرية تؤكّد على موقعها في طليعة الحركة الاجتماعية التي تضمّ ألوف البشر ممن يتعرّضون يوميّاً لأبشع أشكال الاستغلال والنهب المنظَّم من قبل الطبقة الحاكمة. آلاف من البشر سقطت الصخور على بيوتهم، وحَرَمتهم الدولة من المياه بغرَض توفيرها للمنتجعات السياحية.
المحلّة.. أول الغيث
اكتسبت الحركة العمالية في مصر عدّة نقلات نوعية في السنوات الأخيرة. سواء على
مستوى الزيادة الكمية في وتيرة الحركة، أو على مستوى التطوّر في نوعيّة المطالب. وكانت البداية الحقيقية لهذه المرحلة يوم إضراب عمال شركة غزل المحلة في 6 كانون الأول عام 2006.
لمدّة عام ونصف أثبتت شركة غزل المحلة أنّها القائد الحقيقي للحركة العماليّة ككلّ، فحركة عمّال المحلّة كانت في كلّ مرّة تشتعل بسبب انخفاض الأجور، ووصلت لأوجها في شباط 2007 عندما أطلق عمّال المحلّة تظاهرة خرجت من الشركة إلى كلّ شوارع مدينة المحلّة يطالبون فيها برفع أجور كافّة العاملين بأجر إلى 1200 جنيه شهرياً، هذا ما مثّل انتقال صريح من المطالب الفئوية المباشرة إلى المطالبة بمطالب وحقوق طبقية تخصّ الطبقة العاملة بأسرها.
أجهزة الدولة حاولت أن تجعل مدينة المحلّة عبرةً لأي تحركات تحاول المساس بالنظام السياسي في مصر، فكان يوم 6 نيسان من العام الماضي عندما منعت الأجهزة الأمنية قيام إضراب عمال المحلة، واصطدمت بمظاهرات الأهالي، ودخلت في اشتباكات مع عشرات الآلاف من المتظاهرين، وكانت المحصِّلة أربعة قتلى و500 جريح و300 معتقل، حكم على 22 منهم بالسجن المشدد لمدة تراوحت بين 3 و5 سنوات.
واستمرّت الأجهزة الأمنية في توجيه الضربات للمحلّة، باعتقال ثلاثة من عمال غزل المحلة لمدّة ثلاثة أشهر، ونقل بعضهم لفروعٍ أخرى خارج محافظتهم، وحرمانهم من بعض مستحقاتهم المالية. لستة أشهر كاملة دخلت شركة غزل المحلة في صمت تام حتى قاموا في تشرين الماضي بمظاهرة ضمّت عدّة آلاف من الشركة تضامنا مع العمال المنقولين والمحرومين من مستحقاتهم المالية.
الحركة الاحتجاجية في شركة غزل المحلّة، استطاعت فرز المنظمات والأحزاب السياسية المصرية، وتحديد توجهاتها من تحركات الطبقة العاملة كلها، فالقوى و"النخب" السياسية المصرية التي كانت تعتبر ذاتها قائدة وموجهه لكافّة التحرّكات الاحتجاجية، وفي القلب منها العمال الذين يتوجب عليهم سرعة تنفيذ توجيهات هذه النخب السياسية "المطلعة"، لهثت وراء عمّال المحلّة عندما دعوا لإضراب عن العمل في شركتهم يوم 6 نيسان، وأُلصِقت دعوة العمال بدعوتهم للإضراب العام.
لقد تصوّرت هذه القوى، وهي منعزلة تماماً عن أيّة قواعد جماهيرية أنّها قادرة على قيادة إضراب عام دون تغيير رؤيتهم للجماهير، ودون أيّ عمل نضالي قاعدي. بالطبع لم تنجح دعوة السياسيين الذين اكتفوا بالدعاية للإضراب والتواصل مع الجماهير عبر وسط افتراضي– فيسبوك- وبالطبع النخب التي نَسَبَتْ أحداث المحلّة لنفسها، لم تشترك حتّى مع النشاطات التضامنية مع قتلى وجرحى ومعتقلي المحلّة.
النقابة المستقلّة مسمار في نعش النظام
في سياق مشابه، انطلقت حركة موظفي الضرائب العقارية. موظفو الضرائب بدأوا في أيلول 2007 إضراباً مفتوحاً عن العمل، انتهى يوم 13 كانون الأول بعد اعتصام استمرّ أحد عشرة يوماً أمام مقرّ رئاسة مجلس الوزراء المصري. استمدّ قطاع الضرائب العقارية أهميته من استمرار عمل قيادات الإضراب بعد انتزاع مطالبهم وزيادة أجورهم بنسبة 325%. على مدار فترة الإضراب، اكتشف موظفو الضرائب موقع اتحاد النقابات الرسمي منهم، كان موقفه على طول الخط ملتصقاً بأجهزة الدولة، كان يجلس بجوار رجال مباحث أمن الدولة، على الجهة الأخرى من قيادات الموظفين أثناء المفاوضات.
ومن هذه النقطة، انطلقت حركة جديدة لموظفي الضرائب العقارية، لا تطالب فقط برفع أجر أو تحسين ظروف العمل، إنّما كانت حركة لانتزاع حقّ العمال والموظفين في تنظيم أنفسهم داخل النقابات العمالية.وفي كانون الأول الماضي، أعلن موظفو الضرائب العقارية تأسيس نقابة مستقلّة لهم. كانت ضربة صادمة للتنظيم النقابي، سواء على مستوى إظهار مدى ضعفه، أو على مستوى تهديد وضعيته السياسية الحرجة عند الطبقة الحاكمة. فالمؤسسة التي تضم عدة ملايين من البشر، تجبرهم كلّ عدّة سنوات على انتخاب مبارك في الانتخابات الرئاسية أو انتخاب مرشحي الحزب الوطني الحاكم في الانتخابات النيابية. وكانت الضربة الحقيقية عندما أعلن قياديو النقابة المستقلة عن تأسيس لجان فرعية مستقلّة في كافّة محافظات مصر، بينما يتواجد التنظيم الرسمي في تسع محافظات فقط، أي 30% من قوّة التنظيم المستقل.
المطلب العام الذي توصّل إليه عمّال المحلّة وموظفو الضرائب العقارية، استطاع بالفعل التأثير في عدة قطاعات أخرى، مما يبشر بتعميم هذه المطالب على الحركة العمالية كطبقة اجتماعية. كانت هذه المطالب على الرغم من عموميتها، كرفع أجور كافة العاملين بأجر، أو انتزاع حقّ العمال والموظفين في تأسيس نقاباتهم المستقلة، إلا أنها تُعتبر امتداداً لأصغر التفاصيل الخاصة بكل معركة. فلمّا كانت مطالب عمّال المحلّة تتعلّق بالأجور، وصلت حركتهم للمطالبة برفع الحدّ الأدنى لأجور الطبقة العاملة. ولما انتهى موظفو الضرائب العقارية من معركتهم، وحققوا زيادة كبيرة في أجورهم، وظهر الموقف التابع للتنظيم النقابي الرسمي، وصلت حركتهم لتأسيس نقابتهم المستقلة. هذا التطوّر الطبيعي يؤكّد أنّ المعارك العماليّة التي تبدأ ببعض المطالب الاقتصادوية والفئوية، حتماً ستنتهي بوعي طبقي كبير يتجاوز مطالب فئة أو شريحة.
وهذا ما أكّد عليه عمّال المحلّة وموظفو الضرائب العقارية وعمّال الأسمنت وعمّال المطاحن عندما اشتبكوا مع حملات التضامن مع أهالي قطاع غزة وقت كسر الحدود بين القطاع ومصر، وأيضا وقت القصف الصهيوني للقطاع. بل وصل التضامن العمالي لحالات أخرى عفوية، لم ترتبط يوماً بالنشطاء العماليين واليساريين، كإضراب عمال شركة السويس للأسمدة عن العمل في شباط الماضي لمنع تصدير صفقة أسمدة للكيان الصهيوني.
#عمر_سعيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟