أورد الأستاذ جاسم المطير في " كلام الناس" ليوم 14 من الشهر الجاري، معلومات إفتقر بعضها الى الدقة، حيث إعتبر يوم 14/ 6 هو اليوم العالمي ضد التدخين، بينما الصحيح هو يوم 31/5، وسماه " يوم التبغ العالمي" كما ورد في العنوان، في حين هو " اليوم العالمي ضد التدخين"،والفرق هنا كبير.وقال أن هيئة الأمم المتحدة هي من من قرره، بينما الذي قرره هو منظمة الصحة العالمية WHO- إحدى المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، في عام 1987. ومنذ ذلك العام تعمل جاهدة، مع الدول الاعضاء فيها، لمكافحة "طاعون" التدخين، الذي يقضي على الناس بصمت، وتدق ناقوس الخطر بشدة في هذا اليوم، حيث تقوم بعملية توعية مكثفة بأخطاره، وتقدم معلومات لعامة الناس عن الأخطار الناجمة عن التدخين، وما يمكن ان يفعلوه في كل مكان من العالم للمطالبة بحقهم في التمتع بالصحة وحماية الاجيال المقبلة،الى جانب الجهد الذي تبذله المنظمة في مجال محاربة هذا "الوباء"، وتعرية الممارسات التي تقوم بها الشركات القيمة على صناعة التبغ لخداع الناس.
ويذكر ان شركات التبغ الكبرى قد أفلحت بشراء ضمائر العديد من العلماء، الذين خانوا الأمانة العلمية وداسوا على حرمة مهنتهم، لقاء مبالغ طائلة دفعتها لهم الشركات المذكورة، فأصدروا " فتاوي علمية" تقلل من مخاطر دخان السجائر على صحة الإنسان، بل وزعموا وجود " فوائد" للتبغ( في " علاج " السرطان مثلاً )، وهذه الممارسات حدت بالمجلة الطبية البريطانية المرموقة The Lancet أن تخصص إحدى إفتتاحياتها لهذه الفضيحة، ودعت نظيراتها الى الحذر والإمتناع عن نشر مقالات لمثل أولئل العلماء المزيفين.
الى هذا أظهرت الوثائق السرية لشركات التبغ انها " تعمد الى تضليل المدخنين كي يعتقدوا انهم يدخنون سجائر تحتوي كميات من القطران والنيكوتين أقل مما يدخنونه فعلياً "- بحسب مجلة " العالم الجديد" البريطانية. فعلى سبيل المثال فرض قرار صادر عام 1990 من الإتحاد الأوربي بان لا تتعدى كمية القطران في السيجارة الواحدة 15 مليغراماً، وحدد كمية النيكوتين أيضاً، ولكن بدلاً من الإلتزام بهذا القرار وتغيير السجائر، كشفت وثائق إحدى شركات التبغ أنها كي توحي بـ"إلتزامها" بقرار تحديد كمية القطران والنيكوتين، عمدت الى التلاعب بالمعايير، عبر تغيير طريقة قياس هاتين المادتين في سجائرها.وأوضحت مجلة "العالم الجديد" كيفية فعل ذلك من دون محاسبة، من خلال سيطرة الشركات على لجنة التبغ التي تأمر بإجراء الفحوصات المطلوبة وتراقبها. وقالت ستيلا بيالوس- من منظمة الصحة العالمية:" إن ذلك يظهر مدى فشل القوانين في حماية الناس"..
هذا وقد درجت منظمة الصحة العالمية على إختيار، في كل سنة، عنواناً لحملتها الهادفة الى تشجيع الاقلاع عن التدخين، ولجذب الانتباه العالمي الى "وباء" التبغ وما ينجم عنه من وفيات وأمراض يمكن تجنبها. فكانت حملة عام 2001 حول " التدخين السلبي ومساوئه"، الذي تصل خطورته الى الموت، فرفعت المنظمة شعار: "التدخين القسري يقتل، فلنعمل على تنقية الهواء منه !". وفي هذا العام إكتسبت الحرب على التبغ مغزى اَخر، حيث تزامنت مع انطلاق العاب بطولة كأس العالم لكرة القدم، بعد ان اتفق المعنيون على ان المزج بين الرياضة والتبغ امر مستحيل. فتبنى الإتحاد الدولي لكرة القدم " فيفا" سياسة جديدة، شرع بتنفيذها،إبتداءً من العام الجاري، وتقضي بتحرير الاحداث الرياضية التابعة له، او تلك التي له علاقة بها، من التبغ نهائياً. ومن هنا جاء عنوان اليوم العالمي لمكافحة التدخين هذه السنة متفقاً مع هذا المضمون، وشعاره: " رياضة متحررة من التبغ" ! TOBACCO FREE SPORTS.
على أنه برغم جهود منظمة الصحة العالمية، والمنظمات الأقليمية والوطنية المعنية، في التنبيه لمخاطر استهلاك الدخان، إلا ان الطريق لا يزال طويلا أمام عالم نظيف من الدخان، وبرغم كل الدعوات الحثيثة الموجهة للمدخنين الى الامتناع عن تناولهم لسموم الدخان، لتجنب أضراره ( ومنها تلف الدماغ،وشرايين القلب، والإصابة بسرطان الرئة والقصبات الهوائية،وغيرها، وقد ثبت ان تدخين الوالدين يسبب نقص الذكاء لدى فلذات أكبادهم) الا ان الغالبية العظمى من المدخنين يصمون اذانهم عن سماع الحقيقة.ولذا ما يزال يموت نحو 4 ملايين شخص سنويا في العالم بسببه، والرقم لا يتوقف عند هذا الحد، بل هو في ازدياد مضطرد، ومن المتوقع أن يبلغ عام 2030 أكثر من 10 ملايين شخصاً.علماً بأن عدد المدخنين اليوم- بحسب تقدير منظمة الصحة العالمية- يزيد على مليار وربع المليار شخص، من بينهم 200 مليون امرأة، وتشير الإحصاءات الى أن نصف عدد الاحياء، الذين سيقتلهم التبغ، سيكونون بأعمار منتجة، وستسجل 70 % من تلك الوفيات في البلدان النامية، حيث تؤكد الارقام انه في كل يوم يشعل عدد يتراوح بين 82- 100 الف من المراهقين سجاراتهم الاولى..
وتدل الدراسات الى ان معظم المدخنين الجدد هم من الشبيبة، وان نحو ثلثي المدخنين الحاليين بدأوا التدخين قبل بلوغهم العشرين، فيما ظهر ان ثلث المدخنين الشباب شرعوا في التدخين قبل بلوغهم سن العاشرة، اما غالبية المدخنين البالغين فبدأوا يدخنون قبل بلوغهم سن الرشد، ومن يبدأ التدخين في عمر مبكر يصبح مدمناً للنيكوتين في وقت مبكر جداً. وأظهرت دراسات اجريت في الصين ان ثلث الرجال الصينيين الذين لم يتجاوزوا الـ29 سيموتون في سن مبكرة نتيجة الاصابة بأمراض ذات صلة بالتدخين.
ولا تخفى هذه الحقائق على شركات التبغ التي بيّن بعض وثائقها السرية التي نشرت عام 1998 ان صناعتها استهدفت، في شكل منتظم وعلى مدى عشرات الاعوام، الاطفال سوقاً مهمة من خلال دراسة عاداتهم في التدخين، وتصنيع المنتجات وتنظيم الحملات التسويقية التي تستهدفهم. ومن اوضح الامثلة على ذلك، وفق مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين في وزارة الصحة الإماراتية ومنظمة الصحة العالمية الدكتور جورج سعادة، ما تقوم به شركات التبغ من رعاية للرياضات الشعبية، كسباق السيارات ولعبتي الكريكيت وكرة القدم، اذ انها، برعايتها هذه الاحداث او فرقها الرياضية، تؤسس علاقة لا شعورية بين منتجات هذه الشركات وبين البراعة الرياضية.
وتبين البحوث التي اجريت في مناطق تشكل فيها لعبة الكريكيت رياضة شعبية، ان حضور المباريات التي ترعاها شركات التبغ تهيئ ادراكا خاطئاً في عقول الاطفال بين 13 و16 عاماً هو ان التدخين يعطي مزيداً من القوة، ويحسن مهارات اللاعب في ضرب الكرة والتقاطها، ومن ثم يزيد من فرص الفوز. ويبين ان لاعبي الكريكيت يروّجون للسجائر. وهكذا يصبح الرياضيون مروجين للتبغ من حيث لا يدرون، رغم ان الرياضة ترمز الى الصحة والحيوية، فيما يتسبب التبغ بالمرض والموت.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية الى ان الاطفال في مختلف انحاء العالم محاطون باعلانات تصور التبغ بأنه احدى وسائل التسلية، ويصور جزء من هذه الاعلانات ان التدخين " امر حميد وطبيعي"، وحين يبلغ هؤلاء الصغار سن الاختيار يكون الادمان قد قوّض حريتهم في الاختيار. وبعد وقوعهم في شركه يدركون متأخرين جداً الحقيقة المرة. وينبه المختصون بالشأن الى أن للوالدين، وتحديداً مثالهما الحسن،أي عدم التدخين، الى جانب دورهما الإيجابي الفعال، مراقبة وإرشاداً،لأطفالهما،أهميته في منعهم من الوقوع في محنة وباء التدخين اللعين.