|
خامئني في خطبة الجمعة
أحمد أبو مطر
الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 10:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خامئني في خطبة الجمعة : تكريس لديكتاتورية ولي الفقيه وتهديد للقوى الديمقراطية الخطبة التي ألقاها علي خامئني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من يونيو 2009 ، من أخطر أدبيات النظام الشمولي الإيراني في السنوات الأخيرة ، لأنه كان فيها شديد الوضوح والصراحة معبرا عن أغلب توجهات نظامه داخليا وخارجيا ، وأهمية ذلك أنه لا يأتي من مسؤول إيراني عادي أو عالي المستوى ، ولكنه من فم المرشد الأعلى أي ( ولي الفقيه ) الذي يتحكم ويسيطر على كافة مقاليد الحياة الإيرانية ، ويضع الخطط والتوجهات لكل صغيرة وكبيرة دون أن ينازعه السلطة أو يخطئه أحد ، ف ( ولي الفقيه ) منزّه عن الخطأ وهو بمثابة وكيل الله تعالى في الأرض . لذلك من شاهد البث الحي للخطبة ربما هاله أن يتحول المسجد الذي أقيم في جامعة طهران إلى صالة لخطاب سياسي وليس دعوي ديني كعادة خطب الجمعة ، وهذه مسألة مهمة وخطيرة لأنه لا يجوز لأحد مقاطعة خطيب الجمعة أو الطلب للتعليق على ما قاله، بعكس لو كان الخطاب في يوم عادي وليس في المسجد ، وهذا يعني أن المسجد والحسينية تحولا في العديد من الأيام والمناسبات أماكن لاستعراض العضلات السياسي ، وعلي خامئني ليس الوحيد في هذا المسار ، إذ أن أشهر من مارس وما زال يمارس ذلك هو إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال ، إذ أصبحت عادة أو موضة أن يلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد مدينة غزة منذ تشكيله الحكومة المقالة في يناير 2007 ، وهذا يذكرنا بصرخة المفكر الليبي المرحوم الصادق النيهوم ( من سرق الجامع ؟ ).
أين تكمن خطورة الخطبة التهديدية؟
لم يترك المرشد الأعلى شاردة أو واردة إلا وتعرض لها في خطبته مباشرة أو بشكل غير مباشر ، ويمكن تحديد مكامن هذه الخطورة فيما يلي :
أولا: الإصرار على نزاهة الانتخابات ورفض إعادتها
تناقض واضح في موقف خامئني من نتائج الانتخابات الرئاسية ، فقد دافع بشدة عن فوز أحمدي نجاد ، فكيف ينسجم هذا التأييد مع إعلانه يوم الثلاثاء الماضي أنه ( طلب من مجلس صيانة الدستور إعادة فرز جزئية للأصوات بحضور ممثلين عن المرشحين لكي يتأكد الجميع من النتائج ) ؟. وفي نفس السياق كيف ستغير إعادة فرز جزئية للنتيجة التي باركها خامئني ، وما هي نسبة ( الجزئية ) هذه من ادعاء أن 24 مليونا صوتوا لأحمدي نجاد ؟.
هذا رغم أن العديد من الشخصيات الإيرانية المعروفة طالبت بإلغاء نتائج الانتخابات ، فالمرشح الشيخ مهدي كروبي جدّد يوم الجمعة مطالبته بإلغاء الانتخابات رغم تأييد خامئني لنتائجها في خطبته . وكذلك دعت السيدة شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام إلى إلغائها وتنظيم انتخابات جديدة ، وقالت عبادي صراحة ( إنّ هذه الانتخابات شابتها مخالفات ) ، وأكدت أنه في العديد من مكاتب الاقتراع لم يسمح لممثلي مير حسين موسوي ومهدي كروبي بالدخول مما سمح بالتلاعب بالصناديق . وكما أوضحت شيرين عبادي فهناك مفارقة صارخة تدلّ على التزوير ، إذ أشارت إلى أن أحمدي نجاد كما أعلنت السلطات الرسمية قد حاز في الانتخابات السابقة قبل خمس سنوات على 14 مليون ، بينما حصل في هذه الانتخابات على 24 مليون ، مما يعني زيادة شعبيته رغم كل الانتقادات الشعبية والمسؤولين الرسميين لسياساته طوال السنوات الخمس الماضية ، وهذا يؤكد أن الذين قاموا بالتزوير لم يراعوا العدد كي لا تنكشف ألاعيبهم الانتخابية . وكذلك فإن أكثر عمليات التزوير أعطت الشيخ مهدي كروبي عددا من الأصوات أقل من عدد أعضاء حزبه الذين أكدّ العديد منهم ، أنه من المستحيل أن يكون عضو في الحزب قد صوّت لأحمدي نجاد ، ورغم كل هذه الإدانات يعلن خامئني تأييده لنتائج الانتخابات ولأحمدي نجاد شخصيا .
ثانيا: استغلال الدين للهيمنة السياسية
هذه المسألة من أخطر ما ورد في الخطاب ، وهي ليست جديدة لأنها من لوازم نظرية ( ولي الفقيه ) الأساسية ، كونه وكيل الله في الأرض أي لا ينطق عن هوى وغير قابل للخطأ ، لذلك قال حرفيا : (الانتخابات أثبتت الديمقراطية الدينية وحاكمية الشعب الدينية ) ، رغم أنه في كافة العلوم السياسية والاجتماعية لم يرد ما يمكن تسميته ديمقراطية دينية أو ديمقراطية غير دينية ، وإذا حاولت البحث عن توصيف ( الديمقراطية الدينية ) لن تجد لها أي تعريف ، واستعمالها فقط للتدليس على الجماهير بأن ما حصل كان باسم الدين وتبعا لتعاليمه ، لذلك لم ينس خامئني التأكيد على الدعم الإلهي لهذه الانتخابات ، إذ ادّعى أن ( نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 85 % وهذا يدل على الدعم الإلهي ) ، وأعتقد أن هذا (الدعم الإلهي ) هو الشقيق الشرعي ل ( النصر الإلهي )!!. ولم ينس خامئني أن يعطي أحمدي نجاد مسحة من بركاته كولي الفقيه المبارك إلهيا ، فعند ذكره للمعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية قال: (بين رفسنجاني ورئيس الجمهورية ( أحمدي نجاد ) اختلافات حول إدارة القضايا الخارجية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ورأي رئيس الجمهورية هو أقرب لرأيي من رفسنجاني ) ، وهذا دعم ديني من ولي الفقيه لممثله في رئاسة الجمهورية ، وكون رئيس الجمهورية هو الأقرب لأراء ولي الفقيه فهذا يعني أنه أيضا منزه عن الخطأ بهذه الصبغة الإلهية.
ثالثا: الاعتراف بالفساد ونفي التزوير
اعترف خامئني بالفساد في نظامه بصيغة ملتبسة تحمل التناقض في طياتها ، فقد قال حرفيا: ( نعم يوجد فساد ، ولكن نظام الجمهورية الإسلامية هو من أكثر الأنظمة الحكومية في العالم سلامة وصحة . اتهام الفساد ليس صحيحا ). فمن يفهم هذا التناقض ؟ ( نعم يوجد فساد ) ثم ( اتهام الفساد ليس صحيحا ) ثم (يجب مكافحة الفساد على كافة الأصعدة ). أما بالنسبة لتزوير الانتخابات فيقول ( بلدنا لا يسمح بالتزوير ) ، هكذا بصيغة إلهية حاسمة مما يعني أن المرشد الأعلى ( ولي الفقيه ) هو الوحيد في مكان الحقيقة ، أما المليون ونصف الذين تظاهروا في شوارع العاصمة طهران فهم ( أعداء الشعب الإيراني ) حسب وصفه .
رابعا : الادعاء بأن نظامه حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان
وهذه تكاد تكون كذبة القرن الحادي والعشرين والقرن القادم أيضا ، إذ يكفي العودة لتقارير المنظمات والشخصيات الإيرانية لنعرف أن نظام الملالي لا يعرف أي قيمة للإنسان حتى لو كان طفلا يتم إعدامه شنقا أو رجما بالحجارة ، وهذه الكذبة لا تحتاج لمزيد من التفصيل لدحضها فهي ثابتة ثبوت شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب .
خامسا : التمسح بقضية فلسطين
ولم يجد المرشد الأعلى من دليل على أن نظام الملالي ( حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم ) سوى أنه نظام يدعم الشعب الفلسطيني ، دون ذكر أي وجه من وجوه الدعم سوى خطابات نجادي العنترية التي باعتراف الإسرائيليين حشدت تأييدا عالميا لدولة إسرائيل لم تكن تحلم به . والدليل على كذب نجادي القاضي بمحو إسرائيل هو إعلانه مؤخرا أنه يوافق على حل الدولتين إن وافق عليه الفلسطينيون، وهو يعرف أن هذا مطلب الشعب الفلسطيني ، فهل نصدقه في هذا التصريح أم في تصريحاته الخاصة بمحو إسرائيل من الخارطة .
سادسا: التهديد والوعيد للمتظاهرين
وكيف ينسجم نظام حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان مع التهديد الواضح لخامئني بوقف الاحتجاجات والمظاهرات رغم أنها سلمية ويحرص قادتها على أن تكون سلمية ، وكافة انتهاكات القتل والاعتقال من رجال أمن ومخابرات النظام ، وكما أكدت السيدة شيرين عبادي بأنه في مظاهرة واحدة تم قتل سبعة أشخاص ، وفي هجوم قوات الباسيج على جامعة طهران ثم قتل خمسة طلاب من بينهم طالبتان وإصابة الكثيرين بجروح ، ورفض تسليم الجثث لذوي الضحايا ، وتم اعتقال المحامي عبد الفتاح سلطاني مساعد السيدة شيرين عبادي الذي يعمل معها في مركز الدفاع عن حقوق الإنسان ، كما تم اعتقال الصحفي رضا طاجيك مسؤول الانترنت وسبعة من العاملين في المركز، كما أكدت أن عدد المعتقلين خلال المظاهرات تجاوز 500 شخص ، وكل ذلك يجري ويحدث في نظام الملالي ( حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم )!!.
ونتيجة هذا التهديد ،
أعلن المرشح الرئاسي مير حسين موسوي أنه لن يدعو مؤيديه لتنظيم احتجاجات جديدة يوم السبت كما كان مقررا سابقا ، خاصة بعد أن رفضت وزارة الداخلية طلبا بتنظيم تلك المسيرات السلمية . وقد لخص الرئيس الإيراني السابق المقيم في المنفى في باريس الوضع بقوله : ( إن موجة الاحتجاجات التي أثارتها الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها أصبحت تهدد الحكومة بأكملها ) و ( إن هذا التحرك يثبت أن الناس يريدون الديمقراطية وأن النظام ليس ديمقراطيا ، لذا فإن التحرك لن يتوقف ) و ( إن قوة الدفع أصبحت تهدد الآن بالإطاحة بحكم رجال الدين في إيران برمته ).
ويظل السؤال مطروحا :
من أصدق في التعبير عن مطالب الشعب الإيراني ؟ هذه المظاهرات والاحتجاجات المليونية الإيرانية ، وكل هذه الشخصيات الإيرانية المعارضة علانية وصراحة ، أم المصفقين من العرب لنظام الديكتاتور ولي الفقيه كما أطلق عليه المتظاهرون الإيرانيون في هتافاتهم ؟. ألا نقول في الأمثال العربية ( أهل مكة أدرى بشعابها ) و بالتالي ف ( أهل طهران أدرى بفسادها وقمع ديكتاتورها )!!!. [email protected] www.dr-abumatar.com
#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهرات الشعب الإيراني: رسالة للعرب الإيرانيين
-
دويلة نتنياهو الفلسطينية : مجرد محمية إسرائيلية
-
الوضع اللبناني بعد الانتخابات
-
الحوار الفلسطيني: عظّم الله أجركم
-
خطاب أوباما : وقائع جديدة أم مجرد علاقات عامة
-
أنا والنظام الإيراني والسوري في الاتجاه المعاكس
-
الحراك السياسي الأردني وتخوفات المستقبل
-
إخوان سوريا: جرائم متبادلة وانتهازية استراتيجدية
-
دعوة عامة لتشييع جثمان الحوار الفلسطيني
-
زيارة البابا الأردنية
-
البعد الإسرائيلي ليس غائبا ، لكنه شماعة تخلفنا وهزائمنا
-
لماذا المزايدة على الجبهة المصرية دون باقي الجبهات؟
-
قرارات حزبية سورية لم تجرؤ إسرائيل على التفكير فيها
-
خلية تجسس حزب الله في داخل مصر
-
تضامنا مع الشعب العربي الأحوازي
-
حوار الطرشان وجنايات حماس
-
القذافي: نرجسية مرضية تستعصي على العلاج
-
أنا وحذاء الزيدي في الاتجاه المعاكس
-
هشام خضر وكتابه عبد الناصر وعلاقاته الخفية
-
متخصصون في الإساءة للإسلام والمسلمين
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|