|
العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 822 - 2004 / 5 / 2 - 10:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اعترف بان شعورا مركبا انتابني عند رؤية التصميم المختار للعلم العراقي الجديد ؛ شعور يمكن وصفة بمزيج من المفاجأة والحيرة .. والاحباط . المفاجأة لاسلوب " سلق " عملية تنظيم المسابقة بهذه السرعة وبمثل هذا الغموض ؛ والحيرة – لنوعية المعايير الفنية التى اعتمدت اساسا للتصميم وفي ضوءها تمت اجراءات لجنة التحكيم ؛ والاحباط : للنتيجة التى تمخضت عنها تلك العملية ا لتى تفوح منها روائح " عدم الشرعية " من اولها الى اخرها ! لا اعتراض مطلقا بضرورة ووجوبية تغيير العلم الحالي ، الذي ارتبط ظهوره مع ظهور فترة زمنية قاسية ومظلمة وظالمة في حياة الشعب العراقي والدولة العراقية . كما ليس ثمة جدال لجهة وجوب تسريع اختيار بديل له وضمن المعايير التنظيمية والفنية المعروفة في مثل هذه الاحوال ، كون ان العلم المستقبلي سيكون "راية " العراق الجديد ورمزه المميّز ضمن اعلام الدول الاخرى ؛ الامر الذي يحتم اتباع اسلوب تنظيمي وفني مرموقين بغية الوصول الى نتيجة تتسم على قدر كبير من المصداقية والموضوعية والجمالية العاكسة لحضارة الوطن وتاريخة العريق . واتساءل هنا ، هل جرى مثل هذا ؟ اعني هل نشر اعلان ما ، حول النية لتنظيم مسابقة لاختيار علم عراقي جديد ، في الاوساط الاعلامية المختلفة من صحف وراديو وتلفزيزن وانترنيت ؟ هل تمّ هذا ؟ اشك ، في ذلك ، كما اشك بان العملية اتبعت مسارا تعاقبيا ومرحليا افضى الى تلك النتيجة . وهذا التعاقب التسلسلي لاجراء المسابقات الفنية ، يعتبرامرا معروفا ربما للجميع ، ومعروف قطعا لدى المختصيين والمهتمين ، كما انه امرمألوف و متبع بشكل عادي في العراق . فما الذي حصل ، حتى " تطبخ " العملية بهذه السرعة لتفضي الى تلك النتيجة المفجعة، التى عارضها كثير من المثقفيين العراقيين وابدوا امتعاضهم ومعارضتهم للتصميم ؟ ان الامر السوي يقتضي في مثل هذه الاحوال ، نشر اعلان المسابقة وشروطها الفنية ،في اوساط اعلامية مختلفة ، مع تحديد فترة كافية للمشاركين لاعداد مساهماتهم ، واعلان اسماء لجنة التحكيم توخيا للشفافية وتعزيزا للمهنية ، ثم يصار الى تأليف لجنة اعتماد مهمتها استلام المساهمات وتنظيمها وعرضها على لجنة التحكيم مع حجب اسماء المصمميين والمساهميين ، ثم تصطفي لجنة التحكيم التصاميم الفائزة وتسعى الى تنظيم تسلسلها بدءاً من المرتبة الاولى ولغاية اخر مساهم ، وتوثق ذلك بتقرير فني ترفعه كتوصية الى لجنة الاعتماد ، وهذه الاخيرة تنقله الى الجهة المسؤولة ، وهي هنا " مجلس الحكم " الذي يقررالاخذ برأي لجنة التحكيم واعتماد نتائج الجنة كما هي، او لا يأخذ برأيها ، عندذاك ، يصار الى اعادة المسابقة والسير بالاجراءات ذاتها حتى يحصل التوافق والوفاق بين لجنة التحكيم ورب العمل ، وربما يطلب من الجمهور المعني احياناً المشاركة في ابداء الرأي ، وفي هذه الحالة فان رأي الجمهور يأخذ بكونه رأيا استشاريا وليس ملزماً . وليس ثمة حاجة هنا ، التأكيد بان اجراء اختيار علم ، هو اجراء ذي اهمية استثنائية ، عدا كونه نادر الحدوث ، فليس كل يوم يتاح اختيار " راية " للبلاد ! ، ولهذا فان اعضاء لجنة التحكيم ينبغي ان يتمتعوا على قدر كبير من المهنية والاحترافية والشفافية . في ضوء ما تقدم ، لا ارى ثمة شيئاً مماثلا حصل في عملية اختيار العلم العراقي الجديد ، كما ان ردود الافعال الغاضبة والرافضة لنتيجة الاختيار تشير الى حرص العراقيين واهتمامهم العالي بشؤون بلدهم ، وهو حرص واهتمام مفهومان ومرحب بهما ، يعكسان توق ورغبة الكثيرين في المساهمة الجادة والحقيقية في تقدم ونهضة وطنهم . وتأسيسا على ذلك ساسجل ملاحظات على التصميم اوجزها بعجالة بما يلي : اولا- لم يكن التصميم موفقا في اعتماده على عنصرين اساسين هما بالاساس عنصران مستقلان ، لا يقبلا المشاطرة او المشاركة مع عتاصر اخرى ؛ الامر الذي ادى الى تنافر ونشاز تكويني . فالهلال بصيغته المختارة في التصميم وحجمه ونوعية ارضيته يعمل كعنصر مستقل يرفض الانقياد لعنصر اخر . كما ان كتلة الخطوط الثلاثة الملونة الموقعة في اسفل العلم هي الاخرى تشتغل كونها عنصرا قويا ومهيمناً . وفي النتيجة فان اصرار المصمم على اعتماد هذين العنصرين المستقليين اوجد نوعا من الارتباك والتعارض وعدم التناغم ، وهى امورينبغي ان تنأى بعيدا عن التصميم توخبا للاتساق والهرمونية المطلوبتين . ثانياً - لم يوفق المصمم في اختياراته لنوعية الالوان الحيادية المستخدمة < الابيض بنوعيته الطاغية والازرق السماوي >، ولم يراع الاجواء العراقية المنطوية على الوهج الكبير والحرارة العالية وشدة الابهار والضياء التى بامكانها ان "تأكل " وتزيل بسرعة مثل تلك اللوان وتبقي على العلم بصفته " راية بيضاء " رمزا لمن هبّ ودب ّ. ثالثا - كان الاجدر استخدام الوان براقة وصافية تضيف الى البيئة الفقيرة " معلما " ملونا جديدا ومفرحا ، وان يشعر العراقيون في النهاية بان علمهم يمثل حدثا مفرحا وزاهيا وجميلا ، بدلا من الالوان " المائعة " غير المعبرة المستخدمة في التصميم . رابعاً- كلما كانت الرموز المستخدمة في العلم قليلة ومختصرة ، كانت النتيجة مرضية ومقبولة ، بيد ان هذه الرموز ينبغي ان تكون على قدر كبير من التكاملية والعمومية ، واستخدام المصمم رموزا انتقائية وغير شاملة لحضارة البلد وتاريخه اضعف التصميم وابعده عن كونه علما يعكس طموحات وامال جميع المواطنيين الذي يفترض ان يمثلهم هذا العلم . خامسا –والملاحظة الاخيرة ، وهوماقيل بان شكل العلم المختار يستحضر في الذاكرة شكل العلم الاسرائيلي ،بحيث سارع المتحدث الرسمي باسم مجلس الحكم السيد حميد الكفائي في القول بان " لا وجه تشابه بين العلمين العراقي الاسرائيلي " ، وتحتم الموضوعية هنا ، التصريح بان شكل العلم العراقي الجديد لا يشبه العلم الاسرائيلي ، كما لايشبه اي علم اخر ، بيد ان الامر الموضوعي الاخر وهو ان " اجواء " العلم الجديد النابعة من قرار اختيار نوعية الالوان ، واصطفاء اللون الابيض كخلفية طاغية واسلوب رسم خطوط الشرائط الملونة ، ربما ساهمت في حضور ذلك التصادي ، والسؤال ما فتأ قائما لماذا الركون لمقاربة تصميمية يفهم منها ، بانها قد تكون تنويعا لثيمة علم آخر ؟ هل نضبت قريحة العراقيين عن الابتكار ولم يتبقٍ لنا سوى مثل تلك المقاربة ؟ هل ثمة قدرية في الامر بان يكون اجواء العلم العراقي مستمدة من مرجعية تصميمية مشتركة مع اعلام دول اخرى ؟ هل هذا امر ضروري؟ امر مقبول سياسياً وثقافياً؟
وفي الختام فان طريقة الاختيار، ونتيجة الاختيار، و نوعية الاختيار ذاتها ، كلها امور افتقرت الى الموضوعية ، و كأنها " دبرت بليل "- وهو تعبير شائع تستعمله العرب لتفسير الاحداث المتسمة بعدم المصداقية والمفتقرة الى الشفافية . فهل بالامكان التخلص ، اولا ، من ثقافة سلوكية ذلك الاسلوب ؛ وهل بالامكان ، ثانيا ً ، اعادة المسابقة بشكل يراعي المتطلبات المألوفة في مثل هذه الاحوال ، الاحوال التى ذكرناها تواً ؟ وفسح المجال مجددا لاشتراك اكبر قدر ممكن من المساهمين بغية الحصول على افكار اصيلة وطازجة ومعبرة ، مع التأكيد بان الفكرة المقدمة هي المعيار الاساسى والنهائي المعول عليها في عملية الاختيار ، وليس .. صاحب الفكرة . □□
------------------------------------- د.خالد السلطاني
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منجز العمارة الاسلامية (3 ) عمارة - مسجد امام - في اصفهان
-
صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة
...
-
بمناسبة فوزها بجائزة - بريتزكير- العالمية عمـارة - زهـاء حدي
...
-
عام على احداث جسام في حياة الشعب العراقي
-
مبنى - السفارة الامريكية - ببغداد : تـناص معماري .. لمفاهيم
...
-
منجز -اوسكار نيماير- التصميمي : مفرد .. بصيغة الجمع
-
افرازات الحكم الشمولي -الصدامي- :العمارة .. انموذجـاً
-
يورن اوتزن-... والعمارة الاسلامية
-
صديقي : حسب الشيخ جعفر
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|