محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 09:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في سياق الجهد الذي قامت به بعض العناصر اليسارية وبتمويل من مؤسسة روزا لكسمبرج عقد مؤتمراً لليسار في كل من الضفة والقطاع بواسطة الفيديو كنفرنس تناول اليوم الأول تجارب عالمية والثاني معيقات وحدة اليسار الفلسطيني وعليه فأرغب تسجيل بعض الملاحظات حتى يتم الاستفادة من هذا الجهد والمراكمة عليه .
حتى لا تتكرر التجارب التي لم تنجح في سياق وحدة القوى اليسارية أو القوى الديمقراطية وفق صيغ مشتركة فيجب استخلاص العبر والاستفادة من التجارب ، لكي تساعد في انجاح الفكرة والسير قدماً على طريق شق وبناء تيار يساري ديمقراطي داخل المجتمع الفلسطيني .
هناك حاجة موضوعية لبناء مثل هذا التيار ، ولكن يجب أن يتم بناؤه على أسس ومرتكزات واضحة ، فلا يمكن ان يتحقق هذا البناء بدون نواة صلبه له تتكون من القوى والشخصيات والفاعليات المؤمنة بالنهج المادي الجدلي المنحاز لصالح الفقراء والمهمشين وإلى قيم ومفاهيم وآليات الديمقراطية في سياق مناهضة العولمة الرأسمالية المتوحشة وإفرازاتها المختلفة .
لقد أثبتت التجربة ان النظام الرأسمالي الذي يعتمد على آليات السوق ويتجاوز دور الدولة هو المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية كما أنه هو المسؤول عن مضاعفة الفقر بالعالم وخاصة في بلدان العالم الثالث واتساع الهوة بين الأغنياء القائمين في بلدان المركز " أميركا ، أوروبا ، اليابان " وبين المحيط في بلدان العالم الثالث حيث يستند بلدان المركز إلى المؤسسات الرأسمالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق التجارة العالمي وصندوق النقد الدولي ، حيث يرتكزون إلى تلك المنظومة في إطلاق يد الاستغلال ونهب موارد بلدان العالم الثالث بواسطة الشركات العابرة للقوميات وبالارتكاز لشرائح البرجوازية الكمبرادورية في تلك البلدان .
إن الحسم باتجاه مقاومة الرأسمالية العالمية وما ينتج عنها من نظريات كالليبرالية الجديدة والتي تدعم القطاع الخاص وآليات السوق على حساب دور الدولة ومصالح الفقراء والمهمشين ، وتقديم برامج الربح على الرفاه الاجتماعي ومصالح الضعفاء يشكل شرطاً رئيسياً وضرورياً في إطار المرتكزات الأساسية لأي تيار يساري بالعالم بما في ذلك في فلسطين .
إن التحليل الوارد أعلاه والذي يستند إلى المنهج العلمي الجدلي والتحليل الطبقي على المستوى الكوني يجب أن يسحب نفسه على فهم طبيعة الصراع الوطني وفي إطار الخارطة السياسية والحزبية الفلسطينية .
فلا يمكن فهم إسرائيل إلا في سياق ارتباطها مع المشروع الرأسمالي العالمي الذي يهدف إلى السيطرة على الموارد والثروات العربية والذي تسعى به إسرائيل لان تصبح قوة رأسمالية نافذة لديها اليد العليا المقررة في شؤون المنطقة ، وذلك عبر شعارات مختلفة مثل الشرق الأوسط الجديد أو مكافحة الخطر الإيراني أو غيره .
إن المشروع الصهيوني لا يهدف إلى السيطرة على فلسطين فقط إنما يهدف للسيطرة على المقدرات والثروات والموارد العربية وتبديد الهوية العربية القومية الواحدة في إطار سياسية التجزئة والتفتيت .
إن هذا الفهم يعنى أننا يجب أن نعمق أواصر العلاقة مع البعد العربي ، وخاصة مع القوى اليسارية القومية والتقدمية في تلك البلدان في مواجهة الخطر الصهيوني والرأسمالي العالمي.
كما أن هذا الفهم يجب ان يقود إلى ضرورة إعادة النظر في التحالفات الناتجة في داخل بنية السلطة وعبر منظمة التحرير الفلسطينية ، خاصة إذا أدركنا أن تلك الشريحة البيروقراطية ، لم تعد قادرة على استكمال مهمات التحرر الوطني وهي تراهن فقط على مسار المفاوضات الثنائية وعلى دعم موهوم من المجتمع الدولي وخاصة من الإدارة الأمريكية ، وقد أصبحت رهينة للاشتراطات التي تضمن وجودها المادي كالتنسيق الأمني مقابل استمرار ضخ المساعدات المالية والتسهيلات الخاصة بكبار القادة المتنفذين ، ومن الواضح أن هناك تداخل كبير بين تلك الشريحة النافذة بالسلطة بالضفة الغربية و بين شريحة الليبرالية الجديد ة التي يقودها القطاع الخاص ايضاً والذين لديهم مصلحة بالتطبيع والاستقرار والتبادل التجاري والسير وفق مشاريع اقتصادية مشتركة رغم استمرار الاحتلال ، في إطار تعظيم الربح وعدم التفكير بآليات العدالة الخاصة بمصالح الفقراء ومن أجل مكافحة ظاهرة البطالة .
كما أن هذا الفهم يقود إلى أدراك طبيعة قوى الإسلام السياسي التي استحوذت على الحكم في قطاع غزة والتي نمت من خلالها نخب وشرائح اجتماعية ومهنية متنفذة ومستفيدة على حساب السواد الأعظم من الفقراء الذين أصبحوا يعتمدوا على الكبونة والاغاثة بدلاً من الإنتاجية والتنمية ، كما ان قوى الإسلام السياسي ، أصبحت تتقاطع مع الشريحة القيادية المتنفذة في سلطة الضفة الغربية في محاولة الاندماج بالنظام الرأسمالي العالمي عبر فتح علاقات مع الإدارة الأمريكية بما يترتب على ذلك من الوصول إلى قواسم سياسية مشتركة تضمن الاستقرار بالمنطقة .
هذا إضافة إلى الأسئلة والتي بحاجة إلى اختيار الواقع تجاه موقف حركة حماس من الديمقراطية وثقافة الاختلاف وتقبل الآخر والاستعداد لقبول آليات الرقابة والمسائلة الشعبية من خلال الإعلان عن الموازنة العامة وآلية توزيعها وكيفية التوظيف داخل الوظيفة العمومية وهل يتم الاستناد إلى العلاقات السياسية أم للأسس المهنية .
إن ظاهرة الزبائنية أصبحت تتعزز في كل من الضفة والقطاع وهذا يتطلب من قوى اليسار خوض المعارك الاجتماعية والحقوقية لصالح الشباب والمرأة والعمال والمزارعين وغيرهم ، حيث أصبح من غير الكافي ترديد الشعارات المنحازة نظرياً لتلك الفئات بل يجب خوص الصراعات الحقوقية والاجتماعية لتأكيد مبدأ الانحياز للفقراء والمهمشين .
لقد أثار الرفيق بسام الصالحي في مداخلته موضوعة حيوية تعتبر احد الأسباب الجوهرية في إعاقة وحدة القوى اليسارية ، وهي مسألة العلاقة مع القيادة المنتنفذة بالسلطة والمنظمة ، وما إذا كان هناك ثمناً تحسب أن تدفعه القوى اليسارية إذا اتخذت مواقف مستقلة ، حيث سيترتب على ذلك خسائر في استحقاقات مالية ونفوذية محددة ، أعتقد أن الرفيق بسام وضع يده على الجرح .
لقد بات من الملح قيام اليسار بحسم نفسه ، من خلال الإجابة على هذا السؤال ، حيث أن الاستقلالية المالية تعزز من الاستقلالية باتخاذ القرار دون ان يعنى ذلك القطع التحالفي مع شرائح وطنية في إطار البنية القيادية في النظام السياسي الفلسطيني .
ولكنني لا أجد أي مسوغ لأياً من العناصر أو القوى اليسارية للاندماج في حكومة تسيير الأعمال التي يرئسها فياض بالضفة والتي أخفقت بالسابق في تحقيق برنامجها القاضي بالوحدة مع قطاع غزة كما أنها لم تحقق تقدم في برامج مكافحة الفقر والتنمية ، إضافة إلى استمرارية سياسة المعازل والحواجز المفروضة من قبل الاحتلال بالضفة ، خاصة إذا أدركنا أن التشكيلة الحكومية الأخيرة لم تحظ بإجماع وطني وكان هناك اعتراضاً من العديد من القوى عليها بما في ذلك الكتلة البرلمانية التابعة لحركة فتح حيث فلسفة الحكومة تستند إلى شريحة القطاع الخاص وبالتالي إلى منهج الليبرالية الجديدة .
إن تعزيز الاستقلالية لدى قوى اليسار يشكل ضرورة ملحة من أجل اشتقاق منهج قادر على منافسة القوتين السائدتين وحالة الاستقطاب الراسخة بالمجمع الفلسطيني .
وهذا من الممكن أن يتأتى من خلال الضغط على صناع القرار السياسي والقانوني باعتماد قانون مدني للأحزاب المراد أن تنخرط بالعملية الانتخابية وخاصة بالانتخابات التشريعية ، وكذلك من خلال اعتماد آليات ومعايير في ما يتعلق بعضوية الأحزاب في إطار منظمة التحرير الفلسطينية في سياق الجهد الرامي إلى أعادة بناء وتطوير وتحديث منظمة التحرير الفلسطينية على أسس من الديمقراطية والمشاركة .
كما يتأتى ذلك من خلال توثيق العلاقة مع القوى الأممية اليسارية بالعالم لتعزيز مفهوم التمويل التضامني بدلاً من ذلك المستند لأجندات خاصة .
يبقى ان نشير إلى أهمية الانتباه إلى مشروع وحدة اليسار الفلسطيني بوصفه مشروعاً تاريخياً وليس انتخابياً لهذا المجلس البلدي أو لمجلس الطلبة في أحدى الجامعات أو حتى لانتخابات المجلس التشريعي .
حيث يجب التركيز على بناء هذا التيار على أسس صلبة راسخة لكي يستطيع أن يخط نفسه في إطار بنية وتركيبة المجتمع الفلسطيني في مواجهة كل من التيارين الرئيسيين وبالأساس من أجل تحقيق قيم اليسار المرتكزة إلى مفاهيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقوقية المستندة إلى فلسفة المواطنة .
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟