|
إنها لم تنقرض يا...أدونيس
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2692 - 2009 / 6 / 29 - 09:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة لا بد منها: أحجمت، بداية، عن الدخول في هذا السجال، نظراً لتحفظات جوهرية من الأصل على وجود ما يسمى بالثقافة العربية، فالصحراء لم تنتج عبر التاريخ أية ثقافات ومن هنا لا يمكن تأسيس أي حوار أو سجال والبناء على محض وهم غير موجود وليس فيه أي قابلية للحياة، وحين فكر "العرب" الغزاة بتأسيس دولة انطلقوا إلى بلاد الرافدين والشام ومصر حيث القابلية الحضارية كانت متوفرة على الدوام. وحين قدّمت الصحراء "ثقافة"، كانت كارثة حقيقية على شعوب وأمم الأرض ما زات تعيش تداعياتها حتى الآن، فالدول التي تبنت هذه الثقافة وأخذت بها و"تتدسترت" من خلالها، هي في القاع، والحضيض سياسياً، وثقافياً، واقتصادياً ومجتمعياً، وعلمياً....إلخ، وما رأيناه من إفرازات عبر التاريخ الصحراوي، هو أي شيء آخر باستثناء الثقافة كما نعرف مفهومها والتي أنتجتها شعوب عظيمة أخرى ترفل بنعيمها، بينما تصطلي أمة المليار بسعير ما يسمى الثقافة العربية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، حين انطلق الغزاة الأعاريب ليدمروا الحضارات المجاورة ويستولوا عليها، لم يكن يتوفر لديهم أي فكر يمكن أن يعول عليه أو بإمكانه بناء حضارة عظيمة، بل أشعلوا أوار وفتائل حروب شرسة لم تزل تنهش ببنيان هذه المجتمعات، وبدأت تأخذ من هنا وهناك، من فلسفات الإغريق والرومان والفرس والأديان والأساطير الأخرى التي كانت موجودة قبل ولادة ما يسمى بالحضارة العربية، أي إنها "توليفة" ثقافية نشأت على أنقاض ومخلفات وإرث حضارات وثقافات أخرى، ولا حاجة بنا للغوص في علوم الأديان والأفكار المقارنة المرهق، للإتيان بحجج وبراهين دامغة على "مزاعمنا"، ما يدلل على "اتكاء" ما يسمى بالثقافة العربية، وفي قسمها الأكبر، على معارف وإنجازات وإبداعات الآخرين، ولم تكن نابعة من ذاتها ولاسيما في بعدها السردي والأسطوري الملحمي الضارب عمقه معرفياً في جذور التاريخ، وأبسطه على سبيل الذكر قصة الخلق والتكوين، التي تداولتها الثقافات الشرقية، وبوقت طويل جداً، قبل بزوغ ما يسمى بالحضارة العربية.
إن المركـّب والبنية الإيديولوجية لما يسمى بالثقافة العربية قائم وبشكل أساسي على احتكار المطلق والحق والحقيقة، وازدراء ما عداها من ثقافات وأفكار وفلسفات، ورفضها الاعتراف بهم. وتفصح كثير من أدبيات هذه الثقافة عن مكنونات فوقية، ونزعات عنصرية، ومركبات استئصالية، وأوامر تقريعية بالتزام جانب هذه الثقافة وعدم الاعتراف بأية أنماط سلوكية، وثقافية، وفكرية، وإيديولوجية أخرى غيرها. وأدت هذه العصبوية الإيديولوجية الأحادية التي بلغت مرحلة من الألوهي والمقدس، إلى صدامات مع الآخرين عبر رفضها لهم وإقصائهم ومحاولة النيل منهم، كما ظهرت نزعات تمرد وخروج عن هذه الإيديولوجية العصبوية الضيقة وتناقضها الصريح مع فطرة العقل البشري، من داخلها، تجلت في حركات وتيارات فلسفية وشخوص نعتت في نفس هذه الثقافة بـ" الكفر والمروق والضلال"، أي تلك التي خرجت عن التفكير العام أو التيار الرئيسي الـ Mainstream . ولأن تلك الثقافة تفتقر إلى أي بعد حضاري أو إنساني أو حواري متمدن، فقد أدت المعالجات الإقصائية والاستئصالية إلى انفجار أطول حروب التاريخ بين التيارات المتباينة في هذه الثقافة، ما زالت تتخبط به حتى يومنا هذا، ما يبعد عنها أي بعد حضاري وإنساني. (يقوم اليوم رهط من ممن يسمون بالمثقفين العرب بالهزء والسخرية مما يسمى بالحزب الإلهي، والنصر الإلهي، رغم أنه نابع من صلب وجوهر هذه الثقافة، وهم بذلك يوجهون سهام النقد لنفس تلك الثقافة التي ينهلون منها، ويمجدون، ويؤلهون، ومن حيث لا يشعرون).
واليوم، ما إن يحاول أي كاتب ومفكر أصيل ومبدع كأدونيس أن ينال، ولو مواربة، من أطراف هذه الثقافة، حتى تنطلق الحملات التكفيرية عليه من كل حدب وصوب، متهمة إياه بالمروق والضلال والانتماء للعقائد "الباطنية المريبة"، التي رفضت مسخ العقل، وتنمطيه في ثقافة بدوية ضحلة وقاحلة وفاقدة الصلاحية، وتشييئها الإنسان والحط من قدره وعدم الاعتراف به إلا كرقم في قطيع. وقد كانت الحملة من القوة كونها تعكس زخماًو قوة شوارعية عرمرمية لا تدل على أنها منقرضة بحال أو في سبيلها إلأى الانقراض القريب، وترفض، في الآن ذاته، أن توضع تحت مبضع التشريح والنقد، وهذا ما يدل على أنها في أوج عطائها وديناميكيتها، رغم أنها لم تضف أي شيء للإرث الإنساني العظيم، وهنا المفارقة الكبيرة، إذ أنها تعتمد في بقائها فقد على التقديس الأسطوري التي يتمحور حوله فكرها بالكامل.
وأعتقد أنه من الغريب، تماماً، أن يطلق مثقف كبير كأدونيس مثل تلك الأحكام القيمية البعيدة كلياً عن الواقع، والتي لا تمت إليه بصلة. وبصدق، ومن موقع وموقف شخصي، أتمنى فعلاً، أن تكون قد انقرضت تلك الثقافة منذ زمن بعيد، أو أنها لم تكن موجودة من الأصل. غير أن الواقع، يقول لنا شيئاً آخراً، يدحض كل آمالنا، وينسف كل أمنياتنا وتوقعاتنا، فهذه الثقافة ما زالت تفعل فعلها بالجميع. وقوانين الأحوال الشخصية التي طرحت وتطرح، هنا وهناك، ويعمل بها في غير مكان، لا تنبئ، البتة، وبكل أسف، بأي زوال أو انقراض وشيك لحضارة الأعاريب.
إن حجم الردود التي تجسد الانفعالية الإشكالية الصدامية الحربجية الفوقية الاستعلائية التكفيرية المكابرة تعكس كنه وجوهر تلك الثقافة التي لم تنقرض من هذه الأرض بعد، وتؤكد أنها ما تزال في أوج تألقها. وهي من القوة والثبات بحيث أنها تعيش أزهى أيامها، ولا يمكن وصفها، وفي ظل معطياتها الحالية، وقوة الزخم التي تتمتع بها، بأنها انقرضت، أو تآكلت، أو في طريقها إلى الزوال في أي يوم من الأيام.
ويمكن فقط أن نعتبرها منقرضة، وعذراًَ أستاذنا الكبير، أدونيس، حين لا تلاقي كلمات مثل كلماتك النيـّرة، أي قدر من الاحتجاج وصيحات الاستنكار والتكفير والارتياب والاستهجان التي لاقتها، ليس من العامة، كلا وألف حاشى لله، بل من علية القوم، ومن مثقفين كبار، وممن يسمـون حملة فكر وأقلام، يفترض بهم على الأقل، وتعزيزاً وترسيخاً لأدنى قدر من الحضارية يقولون بأنها تتوفر في ثقافتهم، إياها، تقبل أي نوع من النقد والاختلاف.
وحين تكون منقرضة فعلاً ، سيدي الفاضل، فإننا لن نرى، حينها، أي قدر من هذا التهافت والعك والكلام الفارغ والمماحكات العبثية الفارغة والهباء، الذي يتكرس يومياً، ومنذ أربعة عشر قرناً، وعلى نحو مفزع ومرعب يدعو للتأمل، والمرارة، والاستغراب.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفقة دمج عملاق بين إنتل، ونوكيا
-
العرب والبكاء على الديمقراطية في إيران
-
بين عبير العراقية، وندى الإيرانية
-
الموناليزا العارية: حقيقة أم أسطورة؟
-
فاغنر والنازية: حقيقة أم أوهام؟
-
التكنولوجيا الثورية
-
الحيوية الإيرانية
-
الزلازل المصرفية تعصف بالخليج
-
بدء التحقيقات السرية بشأن الحرب في العراق
-
الحل في حل الدولتين
-
من يقف وراء فوز أحمدي نجاد؟
-
من هو الفائز الحقيقي في انتخابات لبنان؟
-
ماذا يحدث في إيران؟
-
أوباما وأمريكا والإسلام
-
أوباما: المسلم أم اليهودي؟
-
هل دخل أوباما دائرة الخطر؟
-
يا بلاش، مقال ب 2000 دولار
-
المعارضة السورية: والدرس الكبير
-
الصحوة المسيحية 1-2
-
هل تفلت المعارضة السورية من المحكمة الدولية؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|