أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2691 - 2009 / 6 / 28 - 10:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة :
1 ـ أختم بهذا المقال سلسلة مقالات ( التفريق بين الرسل والتفضيل بينهم ، وشهادة الاسلام الواحدة ). وكنت أريد أن يقول المقال السابق ( إنه الله جل وعلا ..ايها الناس ) هو خاتم المقالات ، ولكن تعليقا إستفزنى فكتبت هذا المقال للرد النهائى عليه وعلى صاحبه ،أو من كتبه لصاحبه .
2 ـ أنقل التعليق بأكمله ثم أرد عليه :
أولا :
يقول التعليق :
ما هو تفسيركم للآية التالية:ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون . المائدة 81 لاحظ الكلام كان موجها لليهود في عصر النبي. الآية تطالبهم بالأيمان بالله و"النبي" وما أنزل اليه أي "الرسالة".آية واضحة تعني ان تؤمن بالله تعالى الها واحد, وبالنبي محمد رسولا لله, وبما أنزل اليه أي القرآن .وللآية التالية:انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستاذنوه ان الذين يستاذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استاذنوك لبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم من الواضح أن "ورسوله" هنا معناها النبي محمد, ودليل ذلك هو سياق الأستئذان الذي حصل زمن النبي.لاحظ "أنما" وهي أداة قصر.وللآية التالية: قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون الآية صريحة في أننا علينا أن نؤمن بالله وأن نؤمن برسوله النبي الأمي, وأننا علينا أن نتبع الرسول أي النبي الأمي.وللآية التالية:كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين لاحظ "وشهدوا أن الرسول حق". ومن الواضح ان الرسول هنا هو ليس "القرآن" وأنما الرسول شخصيا. أي شهدوا بأنه رسول من الله عز وجل مبلغا لرسالنه اليهم, هذا هو المقصود على حد علمي البسيط.
كيف تفسر الآية التالية:ِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)لاحظ التعقيب "أتخدوا أيمانهم جنه".هذا الآية تدل بصورة صريحة على أن المسلمين كانوا على زمن الرسول يشهدون بالشهادتين, والا فما الذي دفع المنافقين لأن يشهدوا لمحمد بالرسالة اذا كان ذلك ليس ضروريا لدخول الأسلام آنذاك, وأذا لم تكن هناك شهادتين فكيف تفسر "أتخذوا أيمانهم جنة" , الآية بالنسبة لعلمي البسيط واضح فهم قد أسدلوا الستار على أيمانهم الحقيقي بالأشراك بأن أضهروا ماكان يعتبر مضهرا للأيمان آنذاك, وهو الشهادة للرسول بالرسالة.
الفكرة الأساسية من مقالكم هي فكرة عظيمة, لكن اللهجة لاتتفق مع لهجة القرآن. لو فرضنا صحة التشدد الموجود في مقالكم, لما قال الله هذه الآيات اعلاه, بل لأتهمنا القرآن بأضلال المسلمين وبتوجيههم بأتجاه آخر تماما يؤدي بهم الى الخلود في النار.بالأضافة هناك أساليب غير صحيح في المقالة.لاحظ قولكم: ـــ سبق أن أكدنا أن عمل الصالحات وحده لا يكفى فلابد أن يصدر عن عقيدة لا مجال فيها لتقديس المخلوقات ، أى لا تقديس ولا عبادة ولا دعاء إلا لله تعالى وحده ، وسبق التأكيد على أن مصير المشرك أن يحبط الله عمله الطيب فيكون مصيره الخلود فى النار ( النساء 48 ،116 )،(المائدة 72 ). ماذا تقصد ب"أكدنا", هذا الأسلوب خاطي, لأنه يعطي أنطباع بأنكم تعرف بالضبط ما سيحصل يوم القيامة, وحتى لوفرضنا ذلك لايجوز أن تقول "أكدنا" , لك أن تقول بأن هناك آيات في القرآن تشدد على كذا وكذا, ولكن ليس لك أن تقول "أكدنا" وكأنك أنت من يقرر مصير هؤلاء وليس رب العزة.
لهجة المقال متطرفة وشديدة ولا تتناسب مع لهجة القرآن الرحيمة الرؤوفة بالناس.ثم ماذا تقصد بنسبة الأشراك, وغيرها من المصطلحات وكأن هناك "شرك خفي" أو شرك في اللاوعي. الأشراك دائما شيء واضح, والمشرك يعلم قطعا بأنه مشرك, لايوجد أشراك خفي أو نسبة أشراك واحد بالمائة ومن هذا القبيل. أن الله لايحاسب على شيء لايعلمة الأنسان. أنت تتكلم عن شيء مثل الشرك خطئا, ولأ أدري ان كان هناك شيء من هذا القبيل عند الله.
ثانيا :
1 ـ فى نهاية مقالى السابق ( إنه الله جل وعلا ..ايها الناس ) قلت : ( ختاما .
نحن نحترم حق كل إنسان فيما يختاره من عقيده ويصمم عليها ، وطالما يصمم على عقيدته فلا شأن له بهذا المقال ، هذا المقال موجه لمن يريد معرفة الحق ، ولمن أفلح فى تطهير جزء كبير من عقيدته، نقول له بدافع الحب له والحرص على مستقبله يوم القيامه أن يعيد التفكير طالبا من الله تعالى الهداية بإخلاص ، لأن مشكلة الشرك الكبرى تكمن فى خداع الناس اى يظل صاحب الضلال المؤقت مقتنعا أنه على حق ، ويحسب أنه يحسن صنعا ويحسب أنه مهتدى ، ويظل هكذا يخدع نفسه دون أن يشعر إلى وقت الإحتضار حيث لا تجدى التوبة ... )
إى إن صاحب التعليق طالما يصمم على عقيدته فنحن نحترم حريته العقيدية ، وليس مدعوا للتعليق هنا لأن المقال لا يخاطبه ولاشأن له به . ولكن صاحبنا أقحم نفسه فيما لاشأن له به .
2 ـ الاعتراضات التى جاء بها سبق التعرض لها بما يؤكد انه لم يقرأ ما كتبته ،أو إنه قرأ ولم يفهم ، أو لم يرد أن يفهم .وعلى سبيل المثال :
كتبت اكثر من مرة أنه ليس فى الاسلام إيمان بشخص ، ولكن الايمان بالوحى الذى يصير به هذا الشخص رسولا ، وكتبت مئات المرات أصف محمدا بانه خاتم المرسلين وخاتم الأنبياء . والمعنى إن الايمان هو بالوحى الذى صار به محمد نبيا ورسولا ، وليس بشخص محمد .
وأرجو من بعض أهل القرآن أن يحسب كم مرة كررت هذا .
وبالتالى فكلامه هنا عن الايمان بالأنبياء يقطع بأنه إما لم يقرأ وإما لم يفهم . وأعيد وأكرروأؤكد هنا للمرة الألف إنه ليس فى الاسلام مطلقا الايمان بشخص ،لأن الايمان بشخص هو تاليه لهذا الشخص ، ولهذا صار المسلمون (محمديين ) لأنهم آمنوا بشخص محمد وسيرة محمد وشفاعة محمد و معجزات محمد وكل الخرافات الى صنعوها حول محمد .
ثم بعدها إفترقوا الى عدة أديان أرضية ، منهم سنييون يقدسون ويؤلهون أشخاصا آخرين بجانب محمد مثل الخلفاء الراشدين الأربعة وأئمة المذاهب الفقهية الأربعة والبخارى ومسلم وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن فلان وابن فلان .. بينما أصحاب الدين الشيعى الأرضى فيؤلهون عليا بن أبى طالب و الحسن والحسين وعلى زين العابدين وجعفر الصادق وعلى الرضا ،والسيدة فاطمة و السيدة زينب ..ووو . ثم أهل الدين الصوفى فبالاضافة الى الآلهة السابقين فلديهم آلهتهم الخاصة من أشخاص أمثال الجيلانى والرفاعى و البدوى و الشاذلى و المرسى و الدسوقى و الجنيد و الغزالى و ووو.
أى بدأ التقديس بشخص واحد ثم إتسع وتعمق .
وهذا هو الفارق بين الاسلام والمحمديين على اختلاف أديانهم الأرضية .
ليس فى الاسلام إيمان بشخص وإنما بالوحى الذى صار به هذا الشخص نبيا ورسولا. أيمان بالنبى والرسول وليس بالشخص نفسه.
لو كررت هذا الكلام ألف مرة أخرى فلن يفهم صاحبنا.
* ومن المضحك أن استدللت بآيات ( سورة المنافقون ) من قبل فى مقالة ( شهادة الاسلام واحدة فقط هى لا اله إلا الله ) ، وقلت فى المقال بعد شرح سابق : (ومما سبق نفهم قوله جل وعلا عن المنافقين : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( المنافقون 1: 2 ). فقد حرص المنافقون على المجىء للنبى ليشهدوا أمامه ـ كذبا وخداعا ـ قائلين له (إنك لرسول الله ) ويأتى الرد بأن الله تعالى يعلم بأنه رسول الله ، ولكن يشهد الله جل وعلا بأن المنافقين كاذبين فى شهادتهم لأنها لا تعبر عن حقيقة ما فى قلوبهم من تكذيب للرسول وكفر بالقرآن الكريم وعداء للاسلام.
المنافق هو الذى يحتاج الى إشهار إيمانه رهبة أو رغبة ، وهكذا كان يفعلون فى حياة النبى محمد يشهدون له بأنه رسول الله ، وكان القرآن الكريم ينزل يخبر بما فى قلوبهم ، داعيا أحيانا الى أن يتدبروا القرآن الكريم . )
صاحبنا لم يقرأ ،أو لم يفهم ، ولو كررت هذا الكلام ألف مرة فلن يفهم صاحبنا .
* ومنهج الكتابة فى الدعوة يسمح بالاعادة و التكرار و التأكيد ، ليس فقط لأن الدعوة تحتاج الى هذا ولكن أيضا لأن الباحث يضطر الى التذكير بقضية جرى التعرض لها بالتفصيل من قبل ولكن يحتاج الى الاشارة اليها فى مقال آخر فى نفس السلسلة ، لذا يعيد التذكير و التاكيد على ما قاله من قبل ليبنى عليه المقال الجديد . هذه ضرورة علمية منهجية فى الكتابة البحثية الدعوية .
وهى أيضا ضرورة عقدية إيمانية للباحث المؤمن بما يقول . فإذا كان رب العزة يؤكد فى القرآن الكريم أن المشركين هم أصحاب النار وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم اصحاب الجنة فإن المؤمن بالقرآن الكريم لا بد أن يؤكد هذه الحقيقة لأنه يؤمن بها . وليس تاكيده هنا تدخلا فى علم الله جل وعلا ، لأنه ـأى الباحث ـ لا يتكلم عن شخص بذاته ولكن عن صفات من الايمان والكفر و عمل الصالحات وعمل السيئات ، وهو يكرر وينقل ما قاله رب العزة .
وسبق ان قلنا مرات كثيرة إننا لاشأن لنا بالأشخاص ولكن بالصفات التى ذكرها القرآن الكريم .
ومع أنها قضية معروفة ومفهومة ، فإن صاحبنا يلوم علينا ذلك التاكيد.
صاحبنا لم يقرأ ،أو لم يفهم ، ولو كررت هذا الكلام ألف مرة فلن يفهم صاحبنا .
ثالثا :
ولكن لماذا لم يفهم ولن يفهم صاحبنا ؟
الاجابة فى القصة التالية :
عندما نشرت كتابى الأول ( السيد البدوى بين الحقية والخرافة ) عام 1982 أحدث دويا هائلا بين الدوائر الصوفية التى تقدس السيد البدوى منذ موته من اكثر من سبعة قرون ، وتقيم له مولدا حافلا رسميا وشعبيا كل عام . فى كتابى أثبتّ بالأدلة أن السيد البدوى كان متآمرا شيعيا تخفى بالتصوف وتزعم حركة لقلب نظام الحكم الأيوبى فى مصر وإعادة الدولة الفاطمية الشيعية ، فلما فشل اضطر لانتحال التصوف الى النهاية لينقذ حياته من عتاة الدولة المملوكية الجديدة التى قامت على أنقاض الدولة الأيوبية .
وسننشر هذا الكتاب فى موقعنا بعونه جل وعلا.
لم يجد الصوفية وقت ظهور الكتاب وسيلة للرد عليه سوى الاشاعات . أشاعوا أن السيد البدوى انتقم منى بكراماته فأعمى عينى .
جاء بعضهم يؤكد لى أن السيد البدوى قد أعمى عينى ، فقلت له : ربما أكون الباحث الوحيد الذى لا يرتدى نظارة طبية ( ولا أزال بحمده جل وعلا ) ألاترى حمق هذه الاشاعة ؟
فكان رد صاحبنا أن كرّر نفس المقولة أن السيد البدوى قد أعمانى.
قلت له : لم يحدث وأنظر لى .!! فكرر نفس الكلام .
عندها تذكرت قوله جل وعلا عن المشركين الذين يسيطر الشيطان على قلوبهم (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)( الأعراف 198) .
هى نفس حالة صاحبنا ، نرجو له الشفاء .
أخيرا :
1 ـ أما وصفه المقال بأنه متطرف فهذا يحتاج الى رد منفصل . ليس ردا عليه ولكن لاثبات حقيقة هى أن عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ) متطرفة فعلا ، ولكنه تطرف محمود معقول ميسور. وأن عقيدة الشرك فعلا معتدلة ولكنه إعتدال مذموم ووضيع ومنحطّ وعسير .
2 ـ انتظرونا فى المقال القادم بعونه جل وعلا.
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟