|
إضحك فأنت في سورية
أكرم شلغين
الحوار المتمدن-العدد: 822 - 2004 / 5 / 2 - 11:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يَُزيّن خبراء السياحة في سورية جانبي الطرقات العامة بعبارت شهيرة مثل: "ابتسم فأنت في سورية" أو"إضحك فأنت في سورية"! ومن أفضل ماسمعت ممن جاؤوا إلى البلد وقرروا عدم تكرار ذلك الخطأ مرة أخرى في حياتهم تعليق يتعجب من التناقض بين ما هو مكتوب على لافتات الطرقات وبين الواقع فخلص إلى أنه لا يستطيع أن يبتسم "فكل شيء يوحي بالحزن والخوف في هذا البلد والذي لا أريد حتى أن أدفن فيه."
قبل أيام، أخبرني صديق أنه شاهد التلفزيون السوري يعرض ومن خلال برنامج يسمى ـ على ما أتذكرـ "ابن البلد" لعالم سوري توصل إلى اختراع هام جداً جداً في تاريخ العلم والبشرية، حدث علمي يعتبرمن أهم ما توصل إليه العلم على الإطلاق. وبعد أن شوقني كثيراً تكلم عن هذا الحدث العلمي العظيم، قال: شاب سوري توصل بشكل ما إلى برمجة دماغ الفروج إلكترونياً فأصبح الفروج (والذي سعة دماغه كذا ميغابايت) يترجم من عدة لغات إلى اللغة العربية... انتفضت عندما سمعت ذلك من صديقي ، ثم هدأت وحاولت التعامل مع الخبربروية. سألت صديقي أولاً إن كان ذلك البرنامج التلفزيوني أعد للأول من نيسان والخبر العلمي ليس إلا كذبة نيسان! أم أن ذلك العالم قد يكون أعد برنامجاً إليكترونياً أ سماه فروجاً! أم أن صديقي وبصراحة لم يكن منتبهاً بشكل جيد إلى ما عرضه التلفزيون وبالتالي لم يعرف دقة ما قيل! أم...، أم...! لكن الصديق أكد أن ذلك هو ما رآه وسمعه، وزاد أيضاً أنهم قالوا أن هناك اختراعات ومكتشفات أخرى لايستطيعون الإعلان عنها... دار في رأسي الكثير خاصة عندما تخيلت أحدهم يحمل معه الفروج ويذهب في زيارة رسمية لبريطانيا، مثلاً، ويقابل طوني بلير الذي يتحدث بالإنكليزية وأما الضيف السوري فيستمع إلى ترجمة الفروج ناطقاً بلغة الضاد وبلسان عربي فصيح وبدون أي لكنة... وبينما لم أجد ما يسعفني إلا كلمات الرحابنة: "... بها البلد كل شي بيصير، بها البلد كل شي بيصير!" رحت أستعرض بشريط ذاكرتي ما لا يمكن أن يحصل إلا في سورية: بدءاً من الشيخ "ظهور" الذي كتبت عنه الصحف الرسمية السورية في الثمانينات من القرن الماضي، مروراً بـ "التيس الحلوب" الذي تشفي رشفة من حليبه من الأمراض وتحمل العاقر إذا شربت منه، ذلك التيس الذي خصصت الصحف السورية صفحات للكلام عنه. وها هي قوانين الفيزياء تعجز عن تفسير ما يحدث في مكان ما من جنوب سورية ويتكلم عنه التلفزيون السوري: حيث توضع شاحنة بدون سائق وبدون تطبيق المكابح (أي بدون فرملة) على طريق منحدر فتبدأ الشاحنة بالصعود وليس العكس. وها هوالتلفزيون السوري يخبرنا عن مطوع الأفاعي في قرى جبلة الذي يصرخ بالأفعى السامة أن لا تغادر المكان الذي يتركها به فتجمد بلا حراك في مكانها إلى أن يعود بعد يوم أو يومين ويقول لها اذهبي الآن فتذهب. ها هي الصحف السورية تحكي عن العالم السوري الذي اكتشف خلطة الزجاج الفينيقي الأصلية وذهب بكل ثقة بالنفس يتحدى كل العالم (وخاصة الأمريكان) بأن يعرفوا ما عرفه هو! وبكل وطنية يرفض هذا العالم كل العروض الأمريكية السخية للعمل معهم أو تعريفهم بما يعرفه ويعود أبياً إلى الوطن الحبيب. وها هو التلفزيون السوري والصحف السورية تقول كيف أن العقل العربي السوري وبإيعاز من الأب القائد استطاع تجنيب أراضي البلاد مخاطر الجفاف إذ يروي الأراضي والأشجار بالرش من الطائرات وهنا أقول أنني سعيد أنني إذ لم أكن بعيداً عن البلد وإلا لكنت توهمت عن مقدرة بلدي وأعرف أن توجيهات الأب القائد كانت بالطلب إلى المشايخ بإقامة "صلاة الإستسقاء". وها هي وسائل الإعلام تأتي بخبر انتحار رئيس الوراء محمود الزعبي بما هو أشبه بنكتة ذلك الذي "أكل أربع وعشرون كفاً على حين غفلة"، فيكون الخبر بأن رئيس الوزراء انتحر بإطلاق ثلاثة عيارات في مقدمة رأسه...وبعد قليل يعدل الخبر. وأخيراً وليس آخراً ها هي وسائل إعلام النظام السوري تشغل العالم بخبرالهجوم الإرهابي في المزة ومقتل ثلاثة من المهاجمين...وبعد قليل يسحب الخبر ويعدل! وعلى الفور يبدأ عماد مصطفى ـ سفير النظام في الولايات المتحدة ـ بالتلميح بأن القاعدة وراء ذلك بسبب التعاون السوري الأمريكي ضد القاعدة ويناشد أمريكا بتفهم الموقف السوري وأن سورية عرضة للإرهاب... ثم يصرح آخر من دمشق بأنه لايوجد عداوة مع القاعدة...! ثم يعرض التلفزيون السوري الأسلحة التي اكتشفها والتي تعود للإرهابيين...أما كيف استطاع الأمن السوري اكتشاف مخبأ الأسلحة وذلك "المسحوق الأصفر" على بعد أربعة وعشرون كيلومتراً من دمشق ودون أن يعطي أسماء الإرهابيين أو هوياتهم فلا تسألوني؟! ثم كيف يكون الهدف ذلك المبنى والذي يعرف القاصي والداني أنه خال ولا يستخدم منذ أخلي قبل سنوات؟ أما الخبر الأهم والأكثر متعة فهو أن الرئيس بشار ارتدى اللباس الميداني الكامل واستقل سيارة قاصداً المكان وأشرف شخصياٌ على التصدي للإرهابيين!!!! نعود للافتة الطريق "السياحية" : "إضحك فأنت في سورية" ونكرر ما قاله مسافر في سورية: " نعم أضحك ولكن، هل أضحك مع سورية أم أضحك من سورية؟"
#أكرم_شلغين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميشيل كيلو والاتجاه الغلط
-
البعث على أرض سورية
-
من يجب أن يهرول إلى المصالحة الوطنية في سورية؟
-
صورة الدكتاتور وثقافة الخوف
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|