طلال احمد سعي
الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 07:54
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يتزايد الاهتمام بشكل ملفت لماتفرزه صناديق الاقتراع عبر الانتخابات المختلفة التي تجري في منطقة الشرق الاوسط والتي اشرت بشكل اكيد على تقدم المسيرة الديمقراطية في اغلب دول المنطقة , كما اثبتت ان شعوبها صارت اقرب من اي وقت مضى لتفهم وتطبيق مباديء الديمقراطية الصحيحة وان الكلام عن هذه المباديء اصبح مصدر تباهي وبرهانا على تقدم الانظمة الحاكمة ونزاهتها وهي تعني هزيمة الدكتاتورية والانظمة الشمولية الى غير رجعه .
منذ بداية العام 2009 اجريت العديد من الانتخابات كان اولها انتخابات مجالس المحافظات العراقية في الشهر الاول من هذه السنه , تلتها الانتخابات الاسرائيلية ثم الانتخابات الكويتيه والانتخابات اللبنانية واخيرا جاءت الانتخابات الايرانيه .
لقد افرزت اغلب تلك الانتخابات نتائج ومؤشرات في غاية الاهمية تكشف عن انتصار التيار الليبرالي العلماني وانحسار التيارات الدينيه . ففي انتخابات مجالس المحافظات العراقية انتهى دور الائتلاف العراقي الموحد الطائفي وحلت محله قوى جديدة وفي الانتخابات الكويتيه خسر السلفيون المتشددون اكثر من 50% من مقاعدهم في البرلمان الكويتي الجديد , وفي لبنان جرى تحجيم دور حزب الله وخسر المعركة لصالح قوى 14- اذار العلمانيه التقدمية . ولعل اخر تلك الانتخابات هي التي جرت قبل اسبوعين في ايران والتي حاول المرشد الاعلى الحاكم بأمره ان يزور تلك الانتخابات لصالح مرشحه احمدي نجاد الا ان الشعب الايراني رفض التزوير واعلن عن قراره بوجوب الغاء النتائج واعادة الانتخابات مجددا . والرفض جاء بشكل ثورة قد تكون بداية لانهاء حكم الملالي المتخلف الذي ظل جاثما على صدر الشعب الايراني ثلاثين عاما , والذي مثل صراعا مستمرا بين دولة ولاية الفقيه الشمولية السلطوية المستبدة وبين الدولة المدنيه التي يتوق الايرانيون لاقامتها كي يلعبو دورهم المطلوب ضمن العالم الجديد المتحضر المنفتح .
ان اول درس يجب ان نتعلمه من احداث الجارة ايران هو ان الاسلام السياسي لايمكن ان يكون بديلا عن الحكم المدني الديمقراطي الصحيح وان الشعوب لايمكن ان تستكين الى الابد لنظام يستند على الخرافات والاحاجي والاكاذيب . ومايحصل الان في شوارع طهران هو مؤشر على ان نجم الحركات الاسلامية الذي تصاعد في سبعينيات القرن الماضي بدعم مباشر من الولايات المتحدة والسعودية اخذ بالافول .
الاسلام السياسي هو نتاج ايدولوجية شمولية سواء كانت عند الشيعه (ولاية الفقيه) ام عند السنه (الحاكمية الالهيه ) . هذه الايدولوجية الشمولية اخذت تفقد بريقها لدى الشعوب التي تعيش التغييرات المتسارعه والتي تحتاج الى مرونه في الفكر والرؤيا ذلك ما لايقبله الاسلام السياسي المؤمن باساليب السيطرة والهيمنه وعندما يدعي انه يحكم بتفويض من الاله .
ان سلطة الولي الفقيه اخذت تتكسر بنزول الايرانين الى الشوارع وبتعالي صيحات المساء من على الاسطح مرددة (الموت للديكتاتور) , ان هذا الشرخ الذي اصاب نظام الاستبداد الاسلامي المتداعي يعكس قوة وتنامي القوى الديمقراطية التقدمية داخل ايران , هذه القوى التي تلاقي ردودا مشجعه من شتى بقاع العالم المتمدن .
العراق ليس بعيدا عن منطقة الشرق الاوسط انما يعيش في قلبها , لذلك فقد اصبح من المؤكد فشل قوى الاسلام السياسي الاستئثار بالسلطة مجددا حسب ماجرى عليه الامر خلال السنوات الست السابقة والتي برهنت على ان الاحزاب الدينيه لم تساهم في صياغه وعي وطني ديمقراطي لدى المواطن العراقي بقدر ماعمقت مشاعر الكراهيه وكانت عاملا رئيسيا في تغذية العنف والاحتقان الطائفي . وقد بات من المؤكد ان الاحزاب الدينيه لايمكن ان تكون الا طائفية وهي التي تقود التنافس المذهبي والطائفي وتذكي الصراعات داخل المجتمعات .
الناخب العراقي يبحث الان عن نموذج وطني حقيقي وليس عن طائفيين بلباس جديد يزوقون الكلام لكنهم يظلون بعيدين عما يؤمن به الشعب وعن مطاليبه الاساسية في الحرية والديمقراطية , ان تلميع الصورة الباهته لفرسان الطوائف في البلاد لايمكن ان تنطلي على احد وان الذين يطرقون ابواب المرجعيات الدينيه لاستجداء العون والتزكية ردوا على اعقابهم وتلقوا درسا بليغا فقد اصبح من المستحيل استغلال الرموز الدينيه واسم المرجعيه لخداع الجماهير ومصادرة حريتها في الاختيار . وان الجهود التي يبذلها البعض لطلاء واجهه الائتلاف بلون جديد لايمكن ان تحرز نجاحا لان الائتلافات الطائفية لايمكن على الاطلاق ان تتحول الى ائتلافات وطنيه عبر تصريحات افراد كانو على رأس العملية السياسية خلال السنوات الماضية ولم يقدموا شيئا يذكر لهذا الشعب .
العراق الان على ابواب ثالث تجربة انتخابية تجري خلال خمس سنوات وتعتبر هذه التجربة امتحانا للعراقين لاقرار الهوية الحقيقية للعراق الجديد والجواب على اسئلة كثيرة ضلت تنتظر طيلة السنوات السابقة ومنها :
هل ان العراق دولة دينيه ام انه دولة مدنيه
هل ان العراق سائر فعلا في طريق بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي تؤمن بالحرية والتعددية على اسس حضارية بعيدا عن شعارات التخلف والتشويه .
هل ان العراق سيبقى متماسك كدولة موحدة ام انه سيكون عرضة للتجاذبات التي تدعو الى تأسيس الاقاليم والفيدراليات من اجل تقسيمه على اسس طائفية وقومية .
هل ان العراق ماض في تعديل دستوره ورفع الاحكام والمواد التي تلاقي العديد من النقد والاعتراض
عندما نتكلم عن الانتخابات يجب ان نضع الاسس الكفيلة لضمان حرية الخيار العراقي وابعاد الانتخابات عن التلاعب والتشويه وذلك عن طريق :-
1. تعديل قانون الانتخاب الحالي وذلك بالغاء القوائم المغلقة والاستعاضة عنها بالقوائم المفتوحة والترشيحات الفردية وكذلك الترشيحات المناطقية بغية تسهيل العملية الانتخابية ليكون الناخب قد عرف مسبقا من هو الذي سينتخبة ومن هو الذي سيمثله في البرلمان القادم .
2. تشريع قانون الاحزاب والجمعيات حيث تبين ان غياب مثل هذا القانون عرض البلاد الى حالة من الفوضى وفقدان المسؤولية وان وجود مئات الاحزاب تعمل بلا تشريع هو تشويه للعملية الديمقراطية ويعطي صورة سلبية للمواطن العراقي كما انه يخفي هوية الاحزاب الناشطة واهدافها وبرامجها السياسية ومصادر تمويلها .
3. منع استعمال الرموز الدينيه ودور العبادة في الدعاية الانتخابية
4. تشديد العقوبات والغرامات التي تفرض على المخالفين لقوانين وقواعد العملية الانتخابية خاصة مايتعلق بمسالة الرشاوي والاغرائات والضغوط التي تمارس مع الناخبين .
الناخب العراقي مدعو ان يكون واعيا وحريصا اشد الحرص لانتخاب الاشخاص الذين يمثلونه تمثيلا حرا وسليما وان يرفض كل المرشحين المتبرقعين ببرقع الدين السياسي والمتلبسين بالفكر الطائفي فقد اثبت هؤلاء فشلهم عندما مارسوا السلطة ولم يقدموا ماينفع هذا الشعب الذي عانى الواقع المر عبر عقود مضت .
#طلال_احمد_سعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟