|
الهندسةُ الأدبيةُ والمُبتسرةُ .. وتدمير التعليم الهندسي
حسام محمود فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 05:54
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
اجتمعَ مجلسُ الجامعاتِ الخاصةِ برئاسةِ الوزيرِ المسئولِ عن التعليمِ العالي والبحثِ العلمي، تمخضَ الاجتماعُ عن السماحِ لطلابِ الثانويةِ العامةِ من شعبةِ العلمي المتأدبِ بالالتحاقِ بكليات الهندسةِ علي أن يستكملوا ما ينقصُهم من موادِ الرياضياتِ والفيزياءِ خلال العام الجامعي الأول. لماذا؟ لأن نسبةَ "الإشغالِ" لم تتعدْ السبعين في المائة!! هكذا بمنتهي البساطةِ، يكون التغاضي عن أساسياتٍ من أجلِ حفنةِ أموالٍ لابدَ من جمعِها، المشروعُ الاستثماري يجبُ أن يستوفي "إشغالاً" وكأنه فندقٌ أو سوبرماركت، لا تعليمَ ولا غيرَه. هذه الصورةُ يُكملُها قرارُ الكويت بمنع طلبتِها من الدراسةِ في جامعاتٍ خاصةٍ ترفعُ شعاراتِ الأيزو والجودةِ وغيره وغيره، لكنها واقعاً مجردُ أنديةٍ للترفيه عن الطلبةِ وتفصيلِ المناهجِ علي مقاسِهم ومزاجِهم، وفي النهايةِ بعد أن تنتهي أعوامُ الترفيه تُقام لهم حفلاتُ تَخَرُجٍ، صاخبةٌ راقصةٌ، يحصلون في ختامِها علي شهاداتٍ مُذَهبةٍ ملونةٍ، لا تساوي أكثر من أجرِ من خطَها وتكلفةِ الورقِ. فضيحةٌ، تعامي المسئولون عن التعليمِ العالي و"الجودةِ" عنها، تصوروا أن زفةَ الجودةِ والإعلاناتِ ستعمي الأبصارَ وتزعلُلُها، تغافلوا عن مافيا الجامعات والمعاهدِ والأكاديمياتِ الخاصةِ، لم يُراقبوا ولم يحاسبوا، رضخوا حتي ترتفعُ نسبةُ "الإشعالِ". آثارُ التعليمِ الاستثماري انتقلَت إلي الجامعاتِ الحكوميةِ، في ظلِ قياداتٍ تولَت مسئوليةِ الكلياتِ بلا كفاءةٍ إداريةٍ ولا فكريةٍ، انتشرَ ما أُطلِقَ عليه التعليمُ المميزُ، بكلِ ما في التعليمِ الاستثماري من مثالبٍ وخطايا، لا أخلاقَ ولا احترامَ للمؤسسةِ التعليميةِ ولأساتذةِ الجامعاتِ، موادٌ مُخففةٌ منزوعةُ الفائدةِ، سهلةُ الهضمِ، قشريةٌ تافهةٌ، الامتحاناتُ تُعادُ وتُعادُ حتي ينجحُ الطلبةُ الباشواتُ، أعمالُ السنةِ تستحوذُ علي النسبةِ الأكبرِ من المجموعِ، لا بدَ من ضمانِ النجاحِ، الفرافيرُ مزاجُهم عالٍ. التعليمُ المميزُ في الكلياتِ لا يُعرفُ موقعُه من الجودةِ، لا يُعرضُ علي مجالسِ الكلياتِ والأقسامِ، يُحركُه العمداءُ من وراءِ أبوابٍ مُغلقةٍ. وإذا كانت الهندسةُ الأدبيةُ تؤكدُ علي تخريبِ التعليمِ الهندسي، فإن ما نُشِر في جريدة الأهرام يوم الثلاثاء الموافق 23/6/2009 علي لسان رئيس جامعة انتهت مدته يؤكد علي أن مهنة الهندسةِ ستتعرضُ لضررٍ كبيرٍ من جراء مخططاتُ تُشعشِعُ من بعضِ الأدمغةِ، بمنأي عن جموعِ العاملين في التعليم الهندسي ودون استشارتِهم، تأكيداً علي أن أهلِ الخلطةِ السريةِ في وزارةِ التعليمِ العالي و"الجودةِ" هم الأعلمُ والأكثرُ فهماً، شأنُهم شأن من أُدخِلوا في اللجانِ العلميةِ للترقياتِ دون مبرراتٍ ومؤهلاتٍ حقاً مُمَيِِزةٍ. أحدثُ التفتقاتِ سرَت بسرعةِ البرقِ في أوساطِ كلياتِ الهندسةِ، الدراسةُ ستكون لأربعِ سنواتٍ لا خمساً!! لماذا؟ لأن الدراسة الهندسية ستكون من خلال برامجٍ لا أقساماً!! غيرُه قال أن التخصصِ سيكون من خلالِ دبلومةِ دراساتِ متخصصةٍ بعد التخرجِ، لا يصحُ بدونِها ممارسةُ المهنةِ!! المثلُ عندَ أهلِ التفردِ والأفكارِ هؤلاء في أوروبا وأمريكا؛ كالعادةِ علينا أن نقلدَ حتي لو افتقدَ الطلابُ عندنا التعليمَ الثانوي الحقيقي، الذي يُعدُهم للجامعاتِ، الذي لا يحشي عقولَهم بغُثاءٍ فوقَ غُثاءٍ. المرحلةُ الإعداديةُ في كلياتِ الهندسةِ تستكملُ ما نقصَ في المرحلةِ الثانويةِ وتُجهزُ الطالبَ بنهجٍ مختلِفٍ. في ظلِ غيابِ الحقيقةِ والمحاسبة فإن ما يتسرَبَ علي شكلِ بالونة اختبار أو فلتة لسان يكون ما سيحدث أياً كانت أضراره؛ كفانا تقليداً أعمي، كفانا انغلاقاً علي أفكارٍ تدبرُ في جنحِ الليلِ، كفانا حصراً في قلةِ القلةِ للقدرةِ علي الفهمِ والتخطيطِ والتدبيرِ. خرجَت جامعاتُنا من قائمةِ الخمسمائة جامعةِ الأهمِ، بأي أمارةٍ ندخلُها؟ ولو رتبوا أيضاً الخمسة آلاف. هل يتحولُ القردُ دون جواناً إذا ارتدي بدلةً سموكنج وصيديري؟ إذا نجحَ فسنفلحُ في الجودةِ وفي كلِ ما ينبثقُ وينبلجُ من تجلياتٍ وتنحنحاتٍ وإلهاماتٍ. في بعض الدول يلغون البرلمانات وفي أخري يلغون المحاكم؛ عندنا، تارةً يلغون السنة السادسة الابتدائية وبنفس الحماس يعيدونها، وهاهم يلغون السنة الإعدادية بكليات الهندسة وبعض المواد الأساسية. التعليم الهندسي، وأي تعليم، يقوم علي أهل الخبرة، علي الاستقرار، علي دراسة أحوال المجتمع، لا علي التقليد وجموح الفكر، لذا نكتب، لا نملك السكوتَ، يستحيلُ. في ظلِ نفورٍ استحكمَ، بين أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ ومن أُولوا مسئوليةِ التعليمِ وبداخلِهم تقوقعوا، لم يعدْ من منبرٍ حقيقي إلا في الصحفِ، التي تشعرُ وتئنُ وتبلغُ الأمانةَ،،
#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبروك يا ستات...
-
مصر .. مغلوبةٌ بالثلاثةِ
-
سوزان تميم..القُتل بالمجانِ
-
الهندسةُ الأدبيةُ .. ومحنةُ التعليمِ الحكومي والاستثماري
-
أنفلونزا الخنازير..
-
اُنصر نصر الله ...
-
تعرفوا الهايف من إيه؟!
-
تخريب وتدمير .. باسم نقل التكنولوجيا
-
كحكُ ما بعد قعدةِ الدوحةِ..
-
كوندوليزا ... كمان
-
آآه يا خوفي..
-
كوندوليزا العانس..
-
مصر مُضرِبةٌ..
-
في الجامعات..خللي البط يعوم
-
تسييسُ مجمعِ اللغةِ العربيةِ ..
-
الجودة وسنينها...
-
طبولُ النصرِ..
-
نظامٌ يدفعُ الثمنَ..
-
لما تهاونَت مصر...
-
لا تراجع حتي لو أبادوا غزة...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|