حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 07:55
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
في نهاية عرضي لهذا الكتاب , و من خلال قراءتي السيرة الذاتية للمرشدية المدونة في الكتاب, نجد في سيرة هؤلاء الثلاثة سلمان و مجيب و ساجي, نماذج قليلة الحضور في القرن العشرين في المجتمعات العربية الإسلامية , فهم زعماء قدموا نماذج تحررية اجتماعية و عقائدية و سياسية , و بناء على إستراتيجية لا عنفية بشكل ملفت, زعماء حققوا حضورا لجماعتهم و اعترافا بها في ظروف صعبة.
و على سبيل المثال لا الحصر يمكن التوقف عند هذه المحطات اللاعنفية:
المحطة الأولى:
"إن مجيب كإمام للناس, لم يقم بالثأر من أعدائه الأوائل الذين تسببوا بمقتل أمه و الذين حاكموا أباه , و نفذوا حكم الإعدام به ظلما و عدوانا كما أنه لم يطلب الثأر له عندما كان يتحدث عن مقتله أثاء دعوته بل طلب منا أن نعقد الفرحة لمقتله لولا أن نستعفيه من أننا لا نستطيع" "22"
المحطة الثانية :
إعلان ساجي المرشد الإضراب عن الطعام في السجن 1961 و تجاوب المرشديين خارج السجن بالآلاف معه " لقد أجبرت الحكومة الانفصالية على إطلاق سراحه قسرا فهي كانت بين أمرين : بين أن تسمح بموت شعب بكامله جوعا , و بين أن تطلق سراح المعلم ,ففضلت الثانية مرغمة لأن المرشديين كانوا قد نشروا الخبر في كل سوريا و كتبته الجرائد, و قابلوا ناظم القدسي رئيس الجمهورية آنذاك و رئيس الوزراء و كل المسئولين يعلمونهم بالإضراب, و ما هي إلا أيام و ينتشر هذا الخبر خارج البلاد , عشيرة كاملة تعلن إضرابها في سوريا, و كانت جريدة أو أكثر كتبت أن ستين قرية أضربت عن الطعام في سوريا"
المحطة الثالثة:
" حملة مرشتي " حيث حرض أتباعه على الصبر و عدم مجابهة العنف بالعنف"
و أرسل ساجي إلى جماعته أن هذه الحملة هي هدية من الله إلى المرشديين فبها ينالون العذاب في سبيل انتمائهم إلى الدعوة الجديدة, فليتقبلوها بصبر و إيمان " "23"
*
رغم حضور البعد الاجتماعي الاقتصادي السياسي و الاهتمام بالشأن العام , في حياة سلمان مرشد, فلم أجد بين المصادر الكثيرة التي تتحدث في هذا الشأن كالنضال ضد الاحتلال الفرنسي و النضال ذو الطابع الطبقي ضد الاحتكارية و الإقطاعية أي ذكر لسلمان مرشد, ورغم وجود كثير من المحطات المهمة في سيرة الرجل, فكثيرا ما يذكر صالح العلي و ابراهيم هنانو و سلطان الأطرش و فوزي القاوقجي وسعد الله الجابري غيرهم في النضال ضد الاستعمار الفرنسي ,و لكني لم أجد في أي ذكر لسلمان المرشد , لا بل إن الرجل اتهم أكثر من ذلك بالعمالة لفرنسا؟!
و لكن مع مجيب و ساجي المرشد نجد حضور البعد الفئوي و الاهتمام بشؤون الجماعة المرشدية و التأسيس لدين و أخوية اجتماعية روحية أكثر مقارنة النشاط السياسي لسلمان مرشد.
*
ما يلفت هو حضور الطابع الإنساني و القيمي للدعوة المرشدية على الصعيد النظري على الأقل و بما يذكرنا ب تجارب و أقوال المسيح و بوذا و غيرهم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ لساجي:
- " إذا أراد أحد أن يجادلك بمعتقدك, و لم تكن تريد فقل له : نحن نقول الأديان كلها رجاء بالله , و ليست زنارا يحيط به أو يدا تمسكه, فالمهم أن نتفق على رجاء رحمة الله . أنا أتمنى أن يرحم الله كل الناس ,يثبت المحق و يهدي المبطل إلى التوبة الحق فإذا كانت نظرتك و رجاؤك مثل نظرتي و رجائي فنحن متفقون , و إن لم تكن مثلها فالجدل عبث , لأن الدين من نعمة الخالق على المخلوق فهو يقين و حكمة و ليس نظرة فلسفية ""24"
- " الله ليس محصورا بدين, و ليس من دين اتسع لكل المعرفة" "25"
- " الكافر ليس بالضرورة ضد المؤمن ,قد يكون صديقه أو عدوه تبعا للمصالح الدنيوية فقط .الكافر ضد نفسه""26"
- " كنت تقف على الطريق و بجانبك رجل غير مرشدي, و أنتما بانتظار أن تقلكما السيارة مرت سيارة أومأتما لها, توقف السائق و أقلكما معه, و أبى أن يأخذ منكما أجرة, وقع حادث على الطريق لحقت بكما بعض الجروح, و هنا يبيح لكما القانون أن تدعيا على السائق لأنه سبب لكما الجروح . أنت تقدمت بدعوى عليه كي يعوضك عما تسبب لك من أضرار, على الرغم من أنه عمل لك معروفا و لم يقصد الحاق الأذى بك , أما الثاني الذي ليس من المرشديين فقد جاؤوا يخبرونه أن القانون يجيز له أن يأخذ تعويضا من السائق, أجاب الرجل و إن كان القانون يمكنني من أخذ تعويض منه فأنا لا أريد أن آخذ منه شيئا فإن فعلت فإن فعلي باطل, لأنه قدم لي معروفا, فهل أقدم له سيئة بدل المعروف.
هنا من من الاثنين هو أرضى إلى الله؟ هنا غير المرشدي هو الرضى لأنه ائتمر بإمرة الخالق أكثر من المرشدي, لأنه الأخير مقتنع بما قالته الحكمة الإلهية في رسائل الإله عن هذا الأمر , و المرشدي غير مقتنع""27"
*
الكتاب يتوقف في تدوين السيرة الذاتية للمرشدية عند عام 1970 و يصمت هنا, و يمكن تبرير ذلك بكون المرشدية كدعوة كملت كنصوص و تاريخ مقدس عند ساجي, و لم تتحول إلى إمامة وراثية بعده , و هذه نقطة تسجل لها و ليس عليها.
و يسكت الكتاب عن فتح ملفات مثل الصراع بين الرئيس الراحل حافظ أسد و شقيقه رفعت أسد , و انحياز المرشديين ضد رفعت ..الخ
*
يمكن النظر للمرشدية كعقد فئوي عقائدي يتحوّى مرجعية غير برهانية أو مستحيلة البرهان كسائر العقائد الفئوية الأخرى , و لكن هذا لا يشكل عائقا أم تطوير صلاحيات الدعوة المرشدية و برهان ذلك هو: الحياة و التزام الموالين لها بالقيم الحيوية كالعدالة و التسامح و المحبة و الايجابية .
*
لا نجد في المرشدية بعدا تبشيرا دعائيا كما في التصورات النمطية للاسلام و المسيحية مثلا, بل هي دعوة كانت و ما تزال محصورة ضمن عشيرة معينة "المرشدية" و كان هاجس الكتاب هو تعريف الآخرين بها و الرد على الخصوم.
"وأكثر ما يميِّزُ المرشديةَ هو إلغاؤها للسلطة الدينية، إذ لا يوجد كهنوت ولا مشايخ ولا تبشير ولا دعوة إلى الدين، إنما يُعطى الدينُ بناءً على طلب المريد. فهي إذاً ليست نظاماً اجتماعياً ولا حزباً سياسياً ولا برنامجاً اقتصادياً. كما ترتكز الحركة المرشدية عَمَلياً على الحرية الدينية الكاملة بشكلٍ عام [لا إكراهَ في الدين] وعلى حرية المرأة بشكلٍ خاص [الفتاةُ المرشدية تتزوج ممن تحب]…
و الحركةَ المُرشديةَ ليستْ مغلقةً أمامَ أحد, ولا حكراً على فئةٍ دونَ أخرى، ولا يعيشُ أبناؤها ضمن غيتوهات, ولا يضرِبونَ حولَ مذهبهم أسواراً من الأسرار أو أنفاقاً ومتاهات، بل هي حركة عالمية مفتوحةٌ على كلِّ من يطلبُ بصدقٍ وإخلاص، دونَ اللجوء إلى أساليبِ الدعايةِ والتبشير وتسليعِ الحقيقة ولا إلى القسر أو الإكراه. لا يدينُ المرشديونَ أحداً, ولا يكفِّرونَ أحداً، فالديَّانُ هو اللهُ. كما لا يحقُّ لأحدٍ أنْ يكونَ وصياً على أحد. وجميعُ الأديان والمذاهب هي طرُقٌ مختلفة لغاية واحدة.""28"
*
المرشدية قد تتحوّى كغيرها من العقائد على ازدواجية معايير بين النظرية و التطبيق , و هذا يمكن النظر إليه كقصور في حيوية من يقوم بذلك و إدانة له , و ليس من الإنصاف تعميم الحكم على الجماعة.
*
و أخيرا كاتب هذه السطور عاش جغرافيا في قرية لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن قرى يسكنها المرشديين , و لكن البعد الجغرافي الزهيد هذا يقابله عشرات السنوات الضوئية من الحواجز الثقافية بين المرشديين و شركائهم في الوطن و الأرض و الحياة؟
فمازالت التصورات النمطية الجوهرانية هي المتحكمة في نظرتنا للآخر؟
و لعل أشهر هذه التصورات النمطية هي تأليه سلمان مرشد
و أن سلمان مرشد خائن و عميل للفرنسيين؟
و أن المرشدية تحرض على الفساد و الانحلال..الخ
فليس من المقبول في القرن الواحد و العشرين أن نعيش في قواقعنا الثقافية , فهذا هو الانتحار بعينه, و أذكِّر أن النظرة النمطية هذه لا تقتصر على فئوية معينة بل تشمل المرشديين كجزء من سمة عامة تطبع ثقافة المجتمعات العربية الإسلامية , و هذا ليس بمبرر لشرعنتها, بل هو دافع لمقاومة القصور الذي يعتري هذه المجتمعات و يهدد بتهميشها .
&&&
الهوامش:
عنوان الكتاب: لمحات حول المرشدية"ذكريات و شهادات ووثائق"
المؤلف : نور المضيء مرشد
ط1:بيروت 2007
ط2:بيروت 2007
"1" عن موسوعة ويكيبيديا
"2" لمحات حول المرشدية ص100
"3" المرجع السابق ص103
"4" المرجع السابق ص104
"5" المرجع السابق ص105
"6" المرجع السابق 152
"7" – "8" المرجع السابق 132
"9" المرجع السابق 114
"10" المرجع السابق 154
"11" المرجع السابق ص 155
"12" عن موسوعة ويكيبيديا,
"13" المرجع السابق ص197
"14" المرجع السابق ص208
"15" المرجع السابق ص214
"16" المرجع السابق ص222
"17" المرجع السابق ص250
"18" المرجع السابق ص334
"19" المرجع السابق ص364
"20" المرجع السابق ص366
21" المرجع السابق ص495.
"22" المرجع السابق ص250
"23" المرجع السابق ص274
"24"المرجع السابق ص497
"25" المرجع السابق ص498
"26" المرجع السابق ص501
"27" المرجع السابق ص503
"28" عن موسوعة ويكيبيديا: على الرابط:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF%D9%8A%D8%A9
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟