|
من الثيوقراطية إلى السياسة التوافقية الاصطفاف الطائفي قائم
شلال الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 2688 - 2009 / 6 / 25 - 10:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد أن ثبت يقيناً للقاصي والداني أن الإسلام السياسي لم يكن أكثر إيماناً وأكثر نزاهة من المواطن البسيط كما كنا نتوهم ، وأن المظاهر الخارجية والزي الكهنوتي لا يخفي بالضرورة تحته ملاكاً ، وأن مفاتيح الجنة التي في حوزتهم لا تفتح علبة سردين ، وأن أدعيتهم لا تصل أبعد من قناة روتانا ، وصكوك غفرانهم لا تؤمن لنا لفة فلافل ، ما بالك بالعشاء الرباني . والآن وبعد أن أسقط في أيديهم يعيدون الاصطفاف بحشد من الوجوه العشائرية والشخصيات الهلامية التي تُسمَّى مستقلة القابلة للتسويق بكافة الاتجاهات كـ( الأميبا ) ، المهم أن لهم اسماً معروفاً من لاعب كرة قدم إلى وجه إعلامي وقد نجد في المستقبل ( ذات توبة ) المهم الأصوات التي تحصل عليها ، وقد كشفت انتخابات مجالس المحافظات لشهر 12 / 2008 عن مأزق الإسلام السياسي وانسحاب البساط من تحت قدميه ؛ مما جعله يعود علينا بخطاب بعيد عن الدين ويدعو إلى اصطفافات جديدة مبنية على أسس وطنية يبثها من خلال تردُّدات أقل حدة وهو بذلك يعترف ضمناً وعلناً أن عمله طوال السنوات الماضية كان بنفس طائفي بعيد عن الوطنية ، واليوم ولضرورات التسويق السياسي ومن أجل الوظيفة و( المعاش ) يتخلى عن الدين ( والله يسترنا من قادة تخلوا عن الوطنية تارة وعن الدين تارة أخرى ) ولكنهم وهذا مؤكد لن يتخلوا عن الطائفية ؛ لأنها ليست ثوباً بل هي لحمة جينية تسندها أمريكا وتعززها دول ( الجور ) . إن الطائفية جزء من مشروع الشرق أوسطي تشرعن وجود إسرائيل من خلال وجود دولة للشيعة ودولة للسنة ودولة للمسيحيين ، وبالتالي لا مانع من وجود دولة لليهود . على الناخب أن لا يروِّج لهذا الاصطفاف الطائفي الجديد الذي رمى العمامة وجاءنا بربطة عنق وأن لا يعطي فرصة جديدة للذباحين الذين أمعنوا تقتيلاً وفساداً وعلى الناخب أن يجد في التيار الليبرالي والعلماني الديقراطي البديل الصائب لخياراته ، على الأقل لأنهم لم يتاجروا بالوطنية والدين وليس لهم تمويل خارجي وليسوا ضمن الأجندات الإقليمية الطائفية وليس لهم ميليشيات وليس لهم ايديولوجيا وغير مسموح في عرفهم إقصاء الآخرين وليس لهم قادة مقدسين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم ، وليس لهم فتاوى شيطانية تفري العظم واللحم البشري كما أنهم ضمن حركة ومسار و التوجه العام للمسيرة الإنسانية . يمكن ملاحظة إنحسار القاعدة الجماهيرية للإسلام السياسي من خلال جملة مظاهر بدأت تعود إلى مسارها الطبيعي بعد أن إنحسرت بفعل راديكالية هذا التيار مثل حفلات الأعراس وحفلات التخرج وإنتشار الكازينوهات وافتتاح المتنزهات وانحسار الأزياء ذات الطابع الديني الطائفي مثل الدشاديش القصيرة والملابس السوداء واللحى ومحابس (الرزق والمحبة) والطاقية وكيّ الجباه والكاسيتات الطائفية ، هذا وبدأت ثقافة قبول الآخر والتفاعل والحوار تشق طريقها من جديد إلى المجتمع العراقي وأخذت الحياة تدبّ في أحياء ومدن أقفرت من ساكنيها ورجع إحصاء الطب العدلي إلى معدلاته الطبيعية . لقد وُظِّف الإسلام السياسي في العراق كما وُظِّف في فلسطين وهو في حالة ووضع يختلف عما عليه في إيران ولبنان أو السعودية . لقد استفادت أمريكا من هشاشة التيار الديني وعدم إنفراده في الساحة السياسية ووقوعه في مصيدة الطائفية والوظائف وعدم وضوح رؤيته ولتناقضات برامجه ولإنشغاله بالواجبات ( الفروض ) والمستحبات ( السنن والمندوبات ) والمحرمات والمكروهات والمباحات والشكليات وتغليبه الفروع على الأصول أكثر من انشغاله بإدارة الدولة واستقرائه لحركة المجتمع وحركة العالم من حوله ؛ لكي تثبت عدم صلاحيته للحكم وتقطع الطريق أمام أي حركة إسلامية في دول العالم الأخرى ، ولكي تبرر معاداتها لمن وصل إلى السلطة ، كما أن تسهيل تسلق الإسلام السياسي للسلطة هو مصيدة تعرض فيها إلى امتحان ميداني هيَّأت له أميركا والغرب كافة مستلزمات الإنهيار والعزلة عن الشعب لما رافقه من ويلات وفساد بعضه من فعل يده . إن الثيوقراطية تحلق خارج الزمان والمكان وبآليات بدائية لم تطور نفسها وبدلاً عن استحداث وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني تحيي لنا المؤسسة العشائرية التي هي في طور الموت السريري ، وتناست أن شعار ( لا إقطاع ولا رجعية كل عشر شيوخ بكونية ) رفع منذ عام 1958. إن نخب الإسلام السياسي تعيش في مأزق ، فهي إن كانت متعلمة أكاديمياً فإنها تعاني من شيزوفرينيا بين يوتوبيا الدين وبين الواقعية العملية ، وإن كانت متعلمة دينياً فإنها تأخذ المنحى النظري وتغمض عينها عن المعالجات الواقعية . كماأن بعض هذه النخب تسلق من خلال دورات دينية سريعة ومركزة ! إن بقاء الإسلام السياسي في موقع المعارض يطيل في عمره ويجعل منه مطلباً جماهيرياً بسبب المظلومية المزمنة التي يعيشها الشعب لهذا شكلت السلطة بالنسبة له على يد أمريكا منزلقاً لإجهاضه ، كما أن الدين وفق المنظور الأمريكي مطلوب طائفياً ؛ لتمزيق وحدة الشعب ، وليس مسموحاً له أن يُوظَّف أيديولوجيا لتسلم السلطة .
#شلال_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربات بين الصحوة على الفساد والصحوة على الارهاب
-
الصفحة البيضاء
-
امريكا والفتح الاسلامي
-
الشيوعي العراقي - بين الوعي الريادي والوعي المزيف
-
-بين حانة ومانة خلصت لحانا-
-
-الديمقراطية في العراق- تضخم في الكمية وسوء في النوعية
-
المثقف العراقي.. وعي المرحلة
-
الليبرالية .. المفهوم الأصعب
-
نموذج لأخلاقيات اللعبة الديمقراطية
-
إشكاليات التيار الديني في العراق
-
تصادم القوى.. العراق بين السندان الأمريكي ومطرقة التيار الدي
...
-
التيار الليبرالي .. بين منصة الإحتياط وتثوير العملية السياسي
...
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|