|
من نهب توفيرات العمال الفلسطينيين
داني بن سمحون
الحوار المتمدن-العدد: 821 - 2004 / 5 / 1 - 04:00
المحور:
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
خلال 30 عاما جبت المؤسسات الاسرائيلية من عمال المناطق المحتلة اربعة مليارات شيكل، هي المبالغ التي حُسمت من اجورهم لصناديق التقاعد الخاصة بهم. ولكن مصير هذه المبالغ الهائلة يبقى مجهولا. داني بن سمحون
بعد احتلال عام 1967 توصلت الحكومة والهستدروت الى اتفاق ينص على دخول العمال الفلسطينيين من المناطق المحتلة الى سوق العمل الاسرائيلي، على ان يكون ذلك تحت رقابة مشتركة من سلطات الحكم العسكري والهستدروت. بموجب هذا الترتيب الذي اقرته الحكومة في 8 تشرين اول (اكتوبر) 1970، عمل مئات آلاف العمال الفلسطينيين في فروع الصناعة، البناء، الخدمات والزراعة. وكان مكتب العمل التابع لمصلحة الاستخدام ينقل الاجور من اصحاب العمل الى العمال، بعد حسم نسبة 12% من الاجر لصناديق التوفير.
واذا كان معدل العمال الذين عملوا في اسرائيل سنويا هو 70 الفا، ومعدل اجورهم الشهرية كان 3000 شيكل، والسنوية 36 الف شيكل، فان المبالغ التي كان من المفروض ان تتراكم في صناديق التوفير سنويا يمكن ان تصل الى نحو 300 مليون شيكل، (الحساب: 12%x 36.000 =4.320 شيكل للعامل x 70 الف عامل = 302.4 مليون شيكل في السنة). خلال 23 عاما منذ قرار الحكومة عام 1970 وحتى اتفاق اوسلو عام 1993، تراكم في هذه الصناديق، حسب هذا الحساب، ما يقارب الاربعة مليارات شيكل كحد ادنى.
لا بد من ملاحظة ان النقاش حول ترتيب عمل الفلسطينيين، لم يتطرق ابدا لاجور العمال الفلسطينيين. قيادة الهستدروت التي وافقت على الترتيب مع الحكومة اهتمت فقط بتكلفة العامل، بمعنى انها اصرت على جباية رسوم التوفير من اصحاب العمل، كيلا يكون العامل الفلسطيني ارخص من العامل الاسرائيلي، لكنها لم تهتم بامكانية هؤلاء العمال الاستفادة من هذه الصناديق. (غاي مندلاك، "القانون – "هل يلجم السلطة او يرسخ تعسفها؟ وضع العمال الفلسطينيين في اسرائيل"، 1999).
في نفس السياق يذكر د. ليف غرينبرغ من جامعة بئر السبع في كتابه "الهستدروت فوق كل شيء"، ان دخول العمال الفلسطينيين لسوق العمل الاسرائيلي كان بالنسبة للهستدروت مصدر قلق. ويفسر ذلك بانها خشيت تحول احتياطي العمال غير المنظمين في اطارها الى قوة عمل رخيصة تبدّل العمال في فروع البناء والزراعة، وبالتالي تقلل من قوة صناديق التوفير الكبيرة المعتمدة على قوة العمل المنظمة في هذه الفروع.
ومع انه من البديهي ان العمل المنظم والحقوق والاجور المتساوية للعمال، وصناديق التوفير القوية، كلهه تدعم المصلحة النقابية العامة، الا ان الهستدروت في حالة العمال الفلسطينيين وافقت على ترتيب فريد من نوعه، يحرص على مصلحتها على حساب مصلحة العمال.
لضمان سلامة الصناديق الكبيرة الثلاثة، "مفتاحيم" و"صندوق التوفير لعمال البناء" و"صندوق التوفير لعمال الزراعة"، توصلت الهستدروت حينها لاتفاق مع الحكومة على اقامة قسم جديد في الهستدروت لمعالجة قضايا العمال الفلسطينيين العاملين في اسرائيل، يكون خاضعا لمسؤولية الصناديق الثلاثة. ونص الاتفاق على نقل الاموال التي يتم حسمها للحقوق الاجتماعية، الى حساب خاص في بنك "هبوعليم"، حتى تقرر الحكومة والهستدروت مصير هذا الصندوق الخاص.
وكان المفروض ان تجبي الحكومة 11.8% من اجور العمال كضريبة دخل ورسوم للتأمين الوطني، وان تجبي الهستدروت 20.5% اخرى، تشمل 1% ضريبة التنظيم (رسوم عضوية في الهستدروت)، و4.5% تأمين اجتماعي وتأمين صحي، و15% لصندوق التوفير.
اما الاموال التي جبتها الحكومة لصالح التأمين الوطني، فسرقت بشكل واضح لصالح الحكومة والتأمين الوطني. فقد تقرر انه ليس من حق العمال الفلسطينيين الحصول على الحقوق الكاملة من التأمين (مثل مخصصات الشيخوخة والبطالة ومخصصات الاطفال وغيرها)، كونهم غير مواطنين، رغم حسم مبالغ من اجورهم لهذه الاغراض، تماما مثل العمال الاسرائيليين.
اما ضياع اموال صناديق التوفير، فهي مسؤولية الهستدروت. حسب غرينبرج، كانت الهستدروت معنية اولا وقبل كل شيء بالصناديق الكبيرة، وغضت الطرف عن مصلحة العمال الفلسطينيين. ويلاحظ غرينبرج ان الهستدروت التي عارضت تاريخيا ادخال العمال العرب لسوق العمل متمسكةً بشعار "العمل العبري"، وافقت بموجب قرار الحكومة من عام 1970 على ادخال عدد كبير من العمال الفلسطينيين لسوق العمل، بسبب الحاح وزير الامن آنذاك، موشيه ديان، الذي ادّعى ان استيعاب العمال سيخفف من المطالب السياسية للفلسطينيين.
في الرد على الانتقادات حول الترتيب الجديد المنافي لحقوق العمال، ردت الهستدروت بان الموضوع لا يتعارض مع قانون العمل، لان قوانين العمل الاسرائيلية لا تطبق في المناطق المحتلة. وزير العمل، يوسف ألموجي (حزب العمل) حينها، اقترح ان تتم جباية الاموال لصناديق التوفير من خلال قسم الحسابات في وزارة العمل، وليس بشكل مباشر من قبل الهستدروت، وذلك لابعاد سيل الانتقادات عن الهستدروت.
البحث الذي اجراه د. غرينبرج في اوائل التسعينات، يشير الى ان الاموال التي تمت جبايتها من العمال ونقلت لبنك هبوعليم، تحولت لموضع خلاف بين الهستدروت والحكومة. احد الاشخاص الذين حاولوا كشف مصير هذه المبالغ الهائلة، كان عضو الكنيست سابقا ددي تسوكر (ميرتس) الذي كان آنذاك عضوا في لجنة المالية في الكنيست. محاولاته استبيان الوضع جوبهت بعدم رغبة احد الكشف عن مصير هذا الصندوق الكبير.
ويقدر تسوكر ان وزارة العمل دونت الحسابات المتعلقة بصناديق التقاعد، ولكن من غير الواضح اذا تم نقل الاموال لحساب البنك المتفق عليه. كما انه من غير الواضح ما اذا تم تسجيل التوفيرات باسماء العمال كما هو متبع في الصناديق العادية، والذي يعطي كل عامل حقا شخصيا وحيدا للتصرف في امواله. ويؤكد الباحث غرينبرج ان الموضوع كله يستحق بحثا خاصا وجذريا لمعرفة تفاصيله.
يقول غرينبرج للصبّار: "ان الاتفاق الاصلي ينص على ان ينقل مكتب العمل الاموال من اجور العمال لصندوق خاص. وجود الصندوق كان من المقرر ان يمنح كل عامل الحق بالحصول على رصيده الشخصي. ولكن تبين ان الحكومة لم تنقل الاموال اطلاقا. واضح ان الاموال التي تمت جبايتها للتأمين الوطني وُجّهت لميزانية الادارة المدنية (لسلطة الاحتلال) تحت بند نفقات الحكومة لصالح الجمهور". ولكن معروف ان الادارة المدنية الاسرائيلية لم تقم باي مشروع اجتماعي لصالح العمال الفلسطينيين الذين دفعوا مليارات الشيكلات للتأمين الوطني الاسرائيلي.
اما بالنسبة للاموال التي تمت جبايتها لصناديق التقاعد، فيبقى الموضوع غامضا. وكان عضو الكنيست حاييم رامون، قد حاول عندما كان رئيسا للهستدروت ان يتحقق من مصير هذه الاموال، لكنه واجه حواجز كثيرة منعت التوصل لنتيجة. حسب تقدير رامون، بقيت هذه الاموال في صندوق مغلق وسري في بنك اسرائيل، وذلك على حساب صناديق التقاعد التابعة لنقابة عمال البناء والزراعة، الامر الذي ادى خلال السنوات الى عجز كبير في الصندوقين".
ويفيد غرينبرج ان ارباب العمل استفادوا من الترتيب مع الهستدروت، لانهم حصلوا على قوة عمل رخيصة دون قوة تفاوض. الهستدروت استفادت ايضا لانها تمكنت من فرض هيمنتها على سوق العمل، بالاستعانة بقوة عمل اضافية التي يمكنها التواجد في اماكن العمل بكل كمية مطلوبة الامر الذي ضرب مكانة وقوة لجان العمال المستقلة في الشركات والمصانع التي كانت في السبعينات لا تزال تابعة باغلبيتها للحكومة وللهستدروت. الهستدروت تصرفت في هذه القضية كشركة قوى بشرية، فقد ساهمت في تشغيل عمال لدى اصحاب عمل واستفادت من الموضوع على حساب اجر العمال.
الجدير ذكره انه بموجب اتفاق اوسلو تبنت السلطة الفلسطينية الجديدة كامل الصلاحيات الخاصة بحقوق العمال الفلسطينيين في اسرائيل. وكان المفروض ان تهتم السلطة بمصير هذه المليارات، الامر الذي لم يحدث طيلة عشر سنوات من عمر الاتفاق. العمال الفلسطينيون الذين عانوا الامرين من استغلال ارباب العمل والمؤسسات الاسرائيلية، لم يروا الخير حتى بعد تأسيس السلطة. ان مهمة تحرير اموال التقاعد لا تزال عالقة الى ان تأتي قيادة فلسطينية تعرف كيف تحرر الامور الصغيرة قبل الكبيرة.
#داني_بن_سمحون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومات يمين ويسار اوروبية تضرب العمال
-
السارس وباء الرأسمالية
-
لماذا الغت الهستدروت الاضراب العام؟
-
الاصلاح الحكومي يزيد الفقر - اسرائيل
-
خطة ويسكونسين خديعة للعاطلين عن العمل
-
انتصار الثورة
العمالية نهاية لعهد الحروب
-
امير عثامنة، رئيس فرقة عمال من كفر قرع:-معاً ظهرنا الذي يحمي
...
-
حنظلة التقى جيفارا في مخيمات اتحاد الشبيبة العمالية
-
الحرب لم تخنق رافضي الجندية
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|