|
دبي... نهاية مدن الملح؟
نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب
(Nezar Hammoud)
الحوار المتمدن-العدد: 2688 - 2009 / 6 / 25 - 02:25
المحور:
المجتمع المدني
ذهب صديقي الدمشقي الكندي إلى دبـــي بعد سنوات من الدراسة لعالم الاقتصاد والمال في دهاليز ومدرجات ومكتبات إحدى الجامعات في مونتريال. حاز هذا الدمشقي عـلى شهادة الماجيستير في إدارة الأعمال بعد أن كان قد حصل عـلى شهادته الجامعية الأولى من دمشق كلية التجارة والاقتصاد. قبل نحو العامين من الآن قرر هذا الصديق السفر إلى دبي. طبعا ً دافع السفر كان المال والمنصب المرموق في إحدى الشركات الإعلامية الدعائية الكبرى. حالُ هذا الشاب الذي أكن له كل الاحترام والتقدير مشابه ٌ لحال المئات بل ربما الآلاف من الشباب العربي الذي هاجر إلى كندا ودرس أو اختص بها ثم عاد إلى الدول الخليجية للعمل وتحصيل الدخل العالي الخالي من الضرائب. فأن تكون عربيا ً وشهادتك من سوريا أو لبنان أو مصر شيء، وأن تكون كنديا ً حاملا ً لنظير هذه الشهادة من كندا شيء ٌ آخر تماما ً. الاختلاف يكون على صعيد المرتب الشهري والاحترام وعشرات التفاصيل اليومية الأخرى التي مامن مجال للدخول بها الآن. بعد غيابٍ طويل ٍ نسبياً... أطل هذا الصديق على مونتريال مرة أخرى. سبب العودة هو متابعة الأوراق والفواتير وتصفية العلاقة مع مصلحة الضرائب الكندية إلى آخر ما هنالك من أمور عالقة بين مكان العمل ومكان الجنسية. لقد فاجأني هذا الخبير الاقتصادي الشاب بتفسيراته لما شاهد وسمع ولمس في دبي. ولنبدأ مثلا ً بشعور عدم الاستقرار الذي يشعر به هناك. لقد جعله هذا الشعور ميالا ً لشراء بيت في مونتريال ودفع فواتيره وقرضه لأنه لايثق البتة بغد ٍ آمن في دبي. كل شيء بالنسبة له مؤقت وآيل للزوال هناك. حقوقه كمواطن وكإنسان محفوظة في كندا أكثر بما لايقاس من حقوقه في دبي مهما كانت مرتبته ومرتبه. الأمر الثاني هو شعوره بعبثية الوضع والمصير الاقتصادي لتلك البلاد. فإذا كان للأزمة الاقتصادية في كندا وأمريكا معنى ما فإن هذا المعنى مختلف تماما ً عنه هناك. وأنا هنا لاأتحدث عن أسباب الأزمة بل عن ارتكاساتها وتداعياتها. أسباب الأزمة في أمريكا وكندا والعالم الغربي تتلخص بشكل أو بآخر بالفساد الإداري ووهم الديمومة... وهي في هذا الاتجاه لاتختلف في شيء عن أسباب أية أزمة اقتصادية في أي مكان آخر في العالم إذ ليس للغباء البشري من هوية أو جنسية. أما عن انعكاسات الأزمة فالأمر مختلف تماما ً.الأزمة في دبي لها طعم ٌ آخر. وسبب الأمر بسيط من حيث المبدأ. كل شيء في دبي قائم على نحو معاكس للطبيعة وعلى توازن هش. المجتمع غير متجانس وقائم على العمالة الأجنبية التي لاتشعر بالانتماء كونها ممنوعة منعا ً باتا ًمن اكتساب الجنسية. القوانين المعمول بها تميز بين الوطني والأجنبي من حيث الحقوق والواجبات. كفة العدل الاجتماعي مائلة وبشدة لصالح المواطن صاحب كلمة الفصل والحل والربط. شبكات طرق دبي وأماكن النزهة فيها خضراء بشكل مضاد للطبيعة أيضا ً... تحت كل شجرة صغيرة أو كبيرة وحول كل مرج أخضر وتحته هناك منظومة تنقيط متطورة تهدف للحفاظ على الحياة الاصطناعية لهذه النبتة أو تلك... فإذا توقفت منظومات التنقيط هذه عن العمل لأسابيع بل لأيام قليلة يتحول كل ما هو أخضر إلى صفار وموت. أما على صعيد العمران والبنيان فحدث ولاحرج... لقد بدأت الشركات العقارية الكبرى تعلن إفلاسها المدوي الواحدة تلو الأخرى. ومن أكبر تلك الشركات التي تعاني من صعوبات تمويلية هائلة اليوم شركة إعمار الضخمة صاحبة مشروع برج دبي... أعلى برج في العالم. والسبب أن أسعار العقارات كانت وما تزال قائمة على المضاربات ... وبالتالي فهي وهمية لحد كبير. والأمر هنا مشابه نوعا ً ما لما حصل في أمريكا على الصعيد العقاري. لقد سقط سعر البيوت والعقارات إلى مستويات كانت صعبة التخيل قبل سنوات قليلة فقط. والكارثة تكمن في أن أية هزة من هذا النوع قد تكون قاتلة كون العقار والأبنية العملاقة والبيوت والجزر السكنية كلها هشة للغاية فنيا ً وقليلة المقاومة للظروف الطبيعية الصعبة. فإذا توقفت الصيانة اللصيقة لها لسنوات قليلة انهارت وتحولت إلى ركام أو أبنية أشباح غير قابلة للسكن الآدمي. مشاريع غسل الأموال هي الأقوى والأغنى... جسور وأنفاق وجزر وناطحات سحاب دون جدوى اقتصادية حقيقية... كل شيء في تلك البلاد مشابه لمريض ٍ يعيش على أجهزة التنفس والتغذية الاصطناعية فإذا انقطع التيار الكهربائي مات! يذكرني كل ذلك بقصة مدن الملح للكاتب السعودي الكبير عبد الرحمن منيف. تعتبر هذه الرواية من أهم الأعمال الأدبية في العالم العربي كونها توثق لمرحلة الانتقال العنيف والقصري للمجتمع السعودي من الحالة البدوية إلى الحالة الحضرية تحت ضربات ثروة النفط القاسية. طبعا ً كتاب عبد الرحمن منيف هذا ممنوع في المملكة العربية السعودية! لقد اختار عبد الرحمن منيف اســم "مدن الملح" عنوانا ً لروايته خماسية الأجزاء تعبيرا ً عن هشاشة هذه المدن وتنبوءا ً بموتها عند أول هجوم عات ٍلأمواج البحر عليها. ترى هل الأزمة الاقتصادية الحالية قادرة على الإخلال في التوازن هناك؟ ترى هل بدأت نهاية مدن الملح كما تنبأ عبد الرحمن منيف ؟
#نزار_حمود (هاشتاغ)
Nezar_Hammoud#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدن الملح
-
حلم
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|