نائل الزامل
الحوار المتمدن-العدد: 2687 - 2009 / 6 / 24 - 08:09
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تعد رواية سقوط البطل للكاتب عبد الله العامري من الروايات القصيرة التي اخذت تنتشر في الوسط الثقافي العراقي. واغلب هذه الروايات تمثل نص شبة دائري يتحرك في مشاهد مكثفة داخل اطر ثقافية متنوعة مما يجعل هذه الروايات القصيرة تزدحم بالاشارات وتعبر عن معاني كبيرة بالنسبة الى حجم الرواية ,فتكون اغلب فصولها اقرب الى تراكيب القصة القصيرة الحديثة , في حين نشاهد انحسارا ملحوظا في انتاج الرواية الطويلة المفتوحة والمعبرة عن حياة المدينة بتركيبتها المعقدة , ولعل احد اسباب هذا الانحسار ان رواية المدينة اخذت تتراجع وترتبك في مقابل ارتباك المدينة نفسها , حيث تحولت اغلب المدن العراقية الى مدن بلا هوية يكون الوافدون اليها اكثر من سكانها الاصليين , فاخذت المدينة تتراجع لصالح القرية وعاداتها ان هذا التراجع جعلها تكون في موقع هجين فلم تبقى مدينة وفي نفس الوقت لم تسطع ان تكون قرية فاكتسبت من المدينة والقرية اغلب عاداتها السيئة , هذا الامر جعلنا نطلق عليها بالمدينة المرتجلة , وهو مما اثر فعلا في انتاج الرواية العراقية الطويلة,فما زال انتاجها يرزخ تحت ضغط القرية المؤثرة في تحرك هذا الانتاج ,ومن الممكن القول ان اغلب هذه الروايات تنقل احاث قرية وقعت في مدينة.
امتازت رواية سقوط البطل بكونها تنقل احداث من التاريخ السياسي المعاصر مما يلزم المتلقي معرفة التفاصيل التاريخية المحيطة بزمن الرواية , ولعل اهم الروايات العراقية كانت تدور في فلك الصراع السياسي ,ولهذا الامر اثرة في في تكوين الشخصية الثقافية العراقية كما ان الرواية المتعلقة باحدلث تاريخية تجعل المحيط الثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي عنصرا مؤثرا في مسيرة الاحداث ويمثل هذا العنصر الاطار المحكم والمطوق لاحداث الرواية ,فتكون مثل هكذا روايات عبارة عن نصيين , الاول متمثل بثقافة المتلقي العارفة بالصراع التاريخي المحتدم والمحصور في زمن احداث الرواية وهذا النص يشكل حجر الاساس في دخول وتحليل النص الثاني المتمثل بتجربة انسانية خاصة وقع عليها تاثير النص الاول . ورواية سقوط البطل تروي تجربة انسانية مرتبطة باحداث تاريخية محددة وهي فترة الكفاح المسلح في الاهوار .وقد تناول هذه الفترة عدد من الروايات لعل اهما رواية طويلة ونص مفتوح للكاتب السوري حيدر حيدر (وليمة اعشاب البحر) . كما ان عوامل السقوط السياسي جاءت في اكثر من رواية منها (الوشم)لعبد الرحمن الربيعي و(الضفاف الاخرى)لسماعيل فهد اسماعيل و (المقامة اللامية الاولى) لجمعة اللامي . وهنا لااعني ان الكاتب عبد الله العامري قد تاثر بهذه النصوص فانتج روايتة ولكن كان ذكرها للدلالة على اهمية هذة المرحلة التاريخية التي كتب فيها اكثر من عمل ادبي.
يحمل عنوان رواية سقوط البطل استفزازا من خلال المفارقة الحاصلة بين البطل وسقوطة, فلفظة سقوط لانستطيع فهمها الا بالعودة الى استعمالها في فترة نضال سياسي مرتبط بتاريخ معين , حيث كانت تطلق على من ينهار في معتقلات السلطة سواء كان الانهيار من شدة التعذيب ام من قبول المغريات وبالتالي يدلي بمعلومات واسرارعن رفاقة السابقيين. والعامري من خلال عنوانه ينقل لنا مفارقة كبيرة في رؤية البطل . هذه المفارقة سوف تمتد داخل عناصر الرواية , ولكن الغريب ان لفظة السقوط ترد في الرواية وباستهجان كبير (وان فاضل قاسم بات يهدد التنظيم بعد سقوطه وقد احدث اظطرابا كبير بين الرفاق)وهنا تظهر لدينا اشكالية السقوط في مفهوم العامري نفسه وفي نصه الروائي فاشارة سقوط البطل يبدو انها لاتشمل الا وفيق بطل الرواية الذي تحول بعد سقوطه الى انسان مهشم معذب الضمير (اني سارتاح حينما اصبحت لعبة بايديهم الا اني كنت واهما فاني ما ان تورطت حتى اصبح الهم الاكبر.اصبحت اكره نفسي.سقوطي ........اني معذب ولن استريح واني خائف ولن اخلص) بهذه العبارات تنتهي الرواية وهي تصف مشاعر وفيق بعد انهياره وتحوله الى مخبر بيد السلطة فالبطل بعد سقوطة لم يعد انسانا متزنا بل دخل في عذاب دائم .
لقد قدمت الرواية مجموعة من الاحداث الضخمة والكبيرة ولكن باسلوب مختصر جدا وهذا ما نلاحظه على فصول الرواية فتم اختصار العديد من لاحداث المؤثرة في رسم صورة البطل اثناء الكفاح المسلح في اهوار الجنوب ,في حين من الممكن ان تصبح هذة الرواية مخطط لرواية كبيرة ومفتوحة ومتعددة الاصوات ولكن المؤلف اقتصر على صوت الراوي البطل وفيق الى درجة يبدو من خلالها انه كان يرزخ تحت فكرة اسقاطة مما جعله يسير بسرعة على الفصول الاولى للوصول الى مرحلة سقوط البطل محاولا تبريره من خلال تغير الاوضاع الاقتصادية التي دعت الى الكفاح المسلح (وان الشعب متخم وفرص العمل متوفرة جدا , اذن فالحالة المادية والوضع المعيشي ليس كعهده في سنوات مضت ,ومرت صورة باهتة عن الماضي وكيف كان المطلب الرئيسي هو توفير فرص العمل) وهذا الخطاب الذي سوف يكرره وفيق , قد لايعكس السبب التاريخي الداعي للكفاح المسلح وعلى الرغم من ان المقولة السابقة كانت على لسان احدى شخصيات الرواية وهو( محمد حسين الحيدري ابو ايار) لكنها تبدو بسيطة جدا اذا ما قورنت بمقولة سابقة لنفس الشخصية في الروايةحين يحدد احد اسباب الكفاح المسلح في خطابه لمن كان بمعيته (اعلموا ايها الرفاق ان عودتنا هذه ستكون نهائية ونحن نامل ان يتعاطف معنا كل من عانى الاضطهاد . والمحاربة. اني اذكر مقولة للسيد المسيح اذ قال ليس بالخبز وحده يحيا الانسان . نحن نبغي استرجاع ادمية الادمي نطالب بحقوقه الشخصية . لسنا ارهابيين ولسنا هواة معارك . انما هذا هدفنا)ومن هذين المقولتين نرى ان هنالك مفارقة واضحة في خطاب نفس الشخصية حيث نجد في المقولة الاولى ان السبب وراء الكفاح المسلح هو لقمة العيش بينما في المقولة الخرى نجد( ليس بالخبز وحده يحيا الانسان) وهذه المفارقة ربما كانت ستعالج لو ان المؤلف اعطانا مبررا مقنعا لتغير الخطاب والاسباب المؤدية لهذا التغيير. ارى ان الرواية لم تحمل البعد الواقعي الذي ادى لاختيار الكفاح المسلح سبيلا لتحقيق العدالة الاجتماعية . كما ان القضايا الكبرى وتحويلها الى مجرد متطلبات بسيطة انية اصاب خطاب المناضلين بالوهن والوضعف ,اما قضية سقوط البطل نراها جلية وواضحة قبل ان يتحول وفيق الى مخبر بيد سلطة فاشية وذالك من خلال ايمانة المهزوز بالقضية وطرحها في منلوجه الداخلي (يا خسارة.....ويا المي بل يا شديد المي على فتية ذهبو جزافا ولمن لاجل قضية الشعب..! لقد شعرت ان زمننا قد ولى وان افكارنا في سوق هذا البلد قد كسدت.واي افكار واي قيم )بهذه الانهزامية يعود وفيق الى الحياة انه منهار قبل ان يتحول الى مخبر في حين تنقل لنا الرواية الاساليب القمعية والتعذيب الوحشي المستمر والاضطهاد ولكن وفيق ينكر قضية شعبة ويستكثر التضحية من اجله , مما يدل على انه كان متحمسا حالما للوصول الى هدفه دون ان يكون صاحب قضية يعرف ان مطبات طريق الكفاح ومعوقاته اكثر من نجاحاته فهو لم يناقش سبب الفشل سواء من اختيار الاهوار للكفاح المسلح بدلا من العاصمة حيث امكانية التاثير اكبر او غيرها من المسائل التي ادت الى الفشل , نستطيع القول ان وفيق لم يكن بطلا بل كان مندفعا اكثر منه مؤمنا بقضية شعبه لهذا فهو قبل اجباره على السقوط والتحول الى جاسوس بيد السلطة كان خائبا ومنهارا هذا ما تنقله لنا الرواية , والغريب ان هنالك مفارقة اخرى فوفيق لم يقبل ان يكون مخبرا بالسهولة التي صورتها الرواية في فصل السقوط او قبل دخولة للمعتقل بل تعرض الى تعذيب وحشي وهو ما يظهر في فصل اخر (وبعد ان دققوا في ورأوا ساعدي المكسور واضافري المنزوعه وشفتاي الداميتان....)وتعجل الرواية وعدم وقوفها بالشكل المطلوب في المعتقل وخطابه الانهزامي سواء قبل الاعتقال ام من خلال تسليم نفسه بشكل خنوع لعناصر الامن في حين كانت فرصة الهرب كبيرة جدا امامه . جميع هذه العناصر جعلتنا نرى فيه الشخص المتطوع ليكون مخبرا , علة هذا لاستنتاج المسبق هو الاختصار المخل في سير الرواية خاصة في المعتقل (وقد مثلت امام شخص سريع في كلامه كثير الحركه لايستقر ابدا . وقد بدا يكلمني وانا اصغي موافقا على كل ما يمليه علي . كنت هشا وليس لي اي وزن ولاقيمه)ومن هذا الكلام يبدو ان وفيق مستعدا للتعاون موافقا على عمله الجديد بكل بساطه وهو خلاف ما دار في فصل اخر.
تبقى رواية سقوط البطل تشكل تاثيرا في المتلقي ,فهي تعكس تجربة انسانية وقعت في رحى النضال الثوري ولم تستطع الاستمرار بالمقاومة . وهذا ما يحسب لعبدالله العامري الذي قدم لنا نصه الروائي المختزل لاشارات كبيرة خاصة اذا عرفنا بان النص قد كتب في زمن النظام البائد وهيمنة السلطة القمعية ولعل هذا ما يلتمس له العذر في اختصاره واعتماده على الاشارات الخفيه المثارة داخل وعي المتلقي ,فهذا النص يحمل جرأة عالية وتحدي كبير من قبل الكاتب يحسب له في زمن كتابتها , مع امكانية اعادة انتاجها لتكون مخططا لرواية طويلة مفتوحة متعددة الاصوات.
#نائل_الزامل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟