|
الأزمة، وضعية العمال وقانون الشغل، الغلاء وحقوق الإنسان
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 2688 - 2009 / 6 / 25 - 10:09
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أجرت جريدة الأفق الجديد حوارا مع عبد السلام أديب حول الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على المغرب وحول وضع العمال وقانون الشغل وحول أزمة الغلاء وحول الوضع الحقوقي بالمغرب، وقد جاءت الأجوبة كما يلي: . كيف ترون انعكاسات الازمة الاقتصادية العالمية علي الاقتصاد المغربي ؟ .. المغرب كدولة رأسمالية تبعية ظلت منذ خروج الاستعمار ضحية الاستغلال المتوحش المزدوج للرأسمال الدولي وللكمبرادورية المحلية، فرغم الامكانيات الاقتصادية الهائلة التي يزخر بها باطن وسطح الأرض وكذا سواحله البحرية المترامية الأطراف ورغم ذكاء وعصامية أبناء المغرب وبناته، ظل كادحوا المغاربة يتردون في جحيم الفقر والتخلف والجهل والمرض، لذا يمكن القول أن المغرب يعيش أزمة مزمنة متواصلة متصاعدة منذ خروج الاستعمار ، تطورت خلالها الفوارق الطبقية نتيجة تشديد استغلال الطبقة العاملة وعموم الكادحين كما تعمقت أساليب نهب المال العام وانتشر اقتصاد الريع وتشكل اقتصاد مزدوج بعضه عصري مرتبط بالخارج متمركز بالمدن الساحلية الكبرى لتسهيل التصدير وبعضه الآخر تقليدي متخلف يهيمن عليه الأعيان داخل المدن العتيقة الداخلية والتي تغذيها القرى الفقيرة المحيطة. وبانفجار الأزمة المالية والاقتصادية الحالية التي لها انتشار عالمي استورد المغرب عددا من مظاهر هذه الأزمة والتي كان لها تأثير عميق على الاقتصاد المغربي بوجهيه العصري والتقليدي: فعلى مستوى الاقتصاد العصري الموجه نحو الخارج تضررت الصادرات بشكل عميق نتيجة تراجع طلب البلدان الأوروبية على المنتوجات المغربية المصدرة بجميع قطاعاتها بينما تزايدت واردات المغرب من المواد الأولية والمواد الغذائية والمواد المصنعة وبعض الخدمات وقد عمق كل ذلك من عجز الميزان التجاري وعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات كما عمق هذا المنحى تراجع تحويلات العمال المغاربة في الخارج لعائلاتهم نظر لانعكاس الأزمة على القطاعات التي يشتغلون فيها كقطاع البناء وقطاع السيارات وحيث تم تسريح العديد منهم, يضاف إلى ما سبق تراجع عدد السياح الوافدين للمغرب مما كان له انعكاس على تراجع مخزون المغرب من النقد الأجنبي وكان لهذا التراجع تأثير عميق على الصناعة الفندقية والصناعات التقليدية والتي تشكل أحد مصادر استهلاك السياح الأجانب. كما تأثر قطاع صناعة أو تركيب السيارات بالمغرب حيث تراجعت مبيعات السيارات وتوقف انتاجها وتم تسريح العديد من العمال واعتماد البطالة التقنية أي تقليص عدد أيام العمل مع تقليص الأجور، نفس الشيئ يمكن قوله بالنسبة لصناعة النسيج التي توقفت تقريبا بالكامل وتم الحديث رسميا عن تسريح 50,000 عاملة وعامل. إن تراجع الاقتصاد العصري له تأثير على الاقتصاد التقليدي حيث تراجع الطلب على منتوجات هذا الأخير. ويمكن القول أن الأزمة الحالية تعمق أكثر فأكثر الوضع المتأزم أصلا للاقتصاد المغربي وأن أكثر من سيعاني من هذه الأزمة هي الطبقة العاملة وعموم الكادحين لأن الكمبرادورية ستشدد استغلالها من اجل تدبير أزمتها على حساب الطبقة العاملة كما هو شأنها دائما. وبطبيعة الحال أن تعمق الأزمة سيدفع نحو ردود فعل عنيفة للكادحين في كل مكان مما سيعمق من أشكال القمع وتصاعد حدة الصراع الطبقي. . كيف ترون وضع العمال بالمغرب في ظل قانون الشغل الحالي؟ .. طبيعة النظام الرأسمالي التبعي في المغرب تقوم على مراكمة الأرباح والثروات على حساب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، ونظرا لأن معدل الربح الرأسمالي يتكون من الرأسمال الميت المتمثل في الآلات والتجهيزات والرأسمال الحي المتكمثل في العمل ومعلوم أن أهم عنصر يرفع معدل الربح هو عنصر العمل عبر اقتطاع نسبة كبيرة من فائض القيمة، لذلك فإن السياسات النيوليبرالية المملاة على المغرب منذ بداية عقد الثمانينات استهدفت تقليص هامش فائض القيمة الذي كان يقتطع من أجل توفير الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي لفائدة عموم الكادحين، كما استهدفت مرونة الشغل وهو ما تمثل في العمل على وضع مدونة شغل رجعية تمكن أرباب العمل من عدم احترامها وتقوي قدرتهم على تسريح العمال وعدم احترام شروط العمل، لذلك فإن مجال النضال النقابي في المغرب هو مجال واسع جدا إذا ما كانت هناك ارادات نقابية للعمل مع الطبقة العاملة التي تتعرض يوميا للاستغلال وانتهاكات جسيمة لحقوقها الشغلية ولشروط العمل التي لا تحترم وقد لاحظنا ذلك في كوارث عديدة ككارثة روزامور وكارثة عمارة القنيطرة المنهارة. إذن فوضع العمال بالمغرب يعتبر كارثيا في ضل قانون شغل رجعي لا يحترم. . ماهي انعكاسات الازمة علي القدرة الشرائية بالمغرب؟ .. من بين الوسائل التي تلجأ إليها البرجوازية لتدبير أزمتها الهيكلية ومن بينها الأزمة المالية والاقتصادية الحالية هناك القدرة على احداث توترات تضخمية تصبح بمثابة ضرائب غير مباشرة تقتطع من المرتبات والأجور فترفع من جهة من نسبة أرباح الرأسماليين وتخفض من جهة أخرى من القدرة الشرائية للكادحين، وقد رئينا كيف التجأ المغرب إلى هذه التقنية سنة 2006 عبر اطلاق موجة الغلاء عبر الزيادة في معدلات الضرائب المفروضة على استهلاك الماء والكهرباء وكذا في العديد من المواد والخدمات وهو ما رفع نسبة التضخم لكي تتجاوز نسبة 5 % وقد واصل المغرب اعتماد هذه التقنية سنة 2007 وسنة 2008 وها نحن نلاحظ سنة 2009 أنه رغم انخفاض أسعار النفط والمواد الغذائية في العالم حافظ المغرب على نسب الأسعار المرتفعة حيث تحصد الدولة والشركات الرأسمالية الملايير نتيجة الفارق في الأسعار، كما أنه رغم لجوء العديد من الدول نتيجة الأزمة إلى تخفيض كلفة رؤوس الأموال عبر تخفيض معدلات الفائدة نشاهد العكس الذي حدث في المغرب حيث رفع البنك المركزي نسبة الفائدة مباشرة بعد انفجار الأزمة بنسبة 0,5 % وقرر مؤخرا الحفاظ على نسبة 3,5 % وهو ما يقلص امكانية لجوء الأفراد للقروض أمام تراجع القدرة الشرائية الحقيقية للنقود. فبناء على مختلف هذه المعطيات ونظرا للطابع الاحتكاري للاقتصاد المغربي فيمكن أن نشاهد موجة جديدة من الغلاء وتدهور أكبر للقدرة الشرائية للكادحين مما سيدفع الأزمة الى التعمق أكثر. . ا لا ترون ان هذه الازمة فرصة للبعض من اجل الاغتناء ؟ .. الأزمات الرأسمالية الدورية والهيكلية والعامة تشكل دائما نقطة تحولات اقتصادية وسياسية عميقة، فمن جهة تحاول الرأسمالية تدبير أزمتها عبر العديد من الوسائل تبدأ من تحطيم وسائل الانتاج وتوسيع الأسواق وتشديد استغلال الطبقة العاملة وشعوب الدول الأخرى ومن بين أبشع الوسائل التي تلجأ اليها الرأسمالية خلق بؤر التوثر واشعال الحروب لأن الحرب تشكل تدميرا واسعا لوسائل الانتاج يتيح للرأسمالية تجاوزا مؤقتا لأزمتها، ويمكن أن ننتظر حاليا افتعال حروب جديدة لتجاوز الأزمة الحالية كالبحث عن مهاجمة ايران بمبرر ردعها عن تصنيع السلاح النووي. بالنسبة للمغرب فإن الأزمة والكساد تدفع أكثر نحو اغلاق الشركات وتسريح العمال والبحث عن منافذ جديدة للربح أي عن امكانيات استغلال أكبر للطبقة العاملة لاستخلاص فائض القيمة لأن الرأسمالي يبقى دائما هو العدو الطبقي للطبقة العاملة، ومن دون هذا الاستغلال لن يكون هناك ربح. من جهة أخرى فإن تشديد استغلال الطبقة العاملة وانتشار التسريحات الجماعية والفردية واتساع حجم جيش العاطلين وتردي القدرة الشرائية للعموم والولوج الى المرافق العمومية وبالتالي توسع رقعة الفقر من شأنه رفع مستوى الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة وتأجيج الانتفاظات ولجوء الجماهير الشعبية لأشكال متقدمة للحفاظ على وجودها وادانة أساليب الاستغلال والنهب المتوحشة التي يلجأ إليها رأس المال، ومن شأن هذه الحركية الجماهيرية أن يكون لها وقع سياسي قوي على المشهد السياسي القائم. . بصفتك كمناضل حقوقي كيف ترى الوضع الحقوقي بالمغرب؟ .. لا زالت الجماهير الشعبية تعاني من نفس الخروقات الجسيمة لحقوق الانسان بمفهومها الكوني فعلى مستوى الحقوق السياسية والمدنية لا زال الفاعلون الحقوقيون يطالبون بدون جدوى باقرار دستور ديموقراطي صياغة ومضمونا يقوم على فصل حقيقي للسلطات وتتمتع فيه السلطة القضائية بسلطة واستقلال حقيقيين، كما لا زالت الحريات والحقوق الفردية تنتهك يوميا كحرية التعبير والصحافة وحرية التجول والحق في التظاهر السلمي والحق في السلامة البدنية بل وحتى الحق في الحياة حينما تطلق قوات القمع يدها في قمع الحركات الاحتجاجية بوحشية تحدث على اثرها وفيات كما حدث لمصطفى بالعرج كما لازالت الاختطافات جارية والسجون السرية قائمة. أما على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فالمجال واسع لتقديم شواهد حية على الانتهاكات التي تطالها، فالمغرب وقع سنة 1979 على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو العهد الذي تتعهد فيه الدول الموقعة على العمل من أجل جودة ومجانية التعليم والصحة وتوفير العمل القار والأجر الملائم واتاحة الحريات النقابية والحق في السكن .... لكن يبدوا أن الدولة المغربية تسير عكس ما وقعت عليه على جميع المستويات حيث التعليم العمومي في تدهور مستمر وكذا الشأن بالنسبة للصحة العمومية والتغذية والسكن اللائق. إذن فالوضع الحقوقي في المغرب يعرف تدهورا كبيرا على مستوى العديد من الواجهات، وأن النضال الحقوقي يجب أن يعرف وتيرة تقدم أقوى وأكبر مما يحدث لحد الآن.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية
-
يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفضوا
-
الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
-
إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
-
ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا
...
-
القروض الاستهلاكية أداة سياسية لتدبير أزمة النظام الرأسمالي
...
-
لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
-
ارتفاع الأسعار عصف بكل الزيادات في الأجور
-
الحملة التطهيرية شكلت عملية انتقامية وسط التحالف الطبقي الحا
...
-
قانون حرية الأسعار فشل في ضبط السوق
-
قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009
-
في الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان
-
الأزمة المالية وآفاق الرأسمالية المأزومة
-
الحد من الجريمة والإجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية
-
اندثار الأمل
-
وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
-
السياسة الاجتماعية في المغرب ومواجهة الفقر
-
أثرياء يمارسون التهريب القانوني للعملة
-
الأزمة والانتفاضات الاجتماعية في المغرب
-
حكومة بدون شعب، وشعب محروم من حكومة تعبر عن ارادته الجماعية
المزيد.....
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|