عناية جابر
الحوار المتمدن-العدد: 163 - 2002 / 6 / 17 - 06:56
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
غالباً ما اسأل نفسي اسئلة ساذجة من مثل هل أنا مع قرار إلغاء العمل على سيارات المازوت أم مع الفقراء؟ ورغم انني اشتكي دائماً من فساد الهواء، كما لو هو العنف الوحيد الواقع على المدينة، وأشتم السيارات العاملة على المازوت، بل وأقفل انفي حتى اثناء تريّضي الباكر على البحر، إلا ان عقم القرار يستوقفني، من كونه مجرد تفصيل من تفاصيل اختناقنا العام.
طبعاً لا احد يرضى الذل لرئتيه. كما ورئتاي ذليلتان أصلا و<<مخردقتان>> بفعل التدخين وملوثات اخرى، وأستحق بدوري هواءً نقياً افهم جماله تماماً حين يهف الى صدري يطرّيه. غير انني لا استطيع قياس نظافة الهواء بانطباعي الصدري، بل بقوة روحي الاخلاقية. فلا طاقة لي على قلة حيلة الفقير لأنه وقع في شرك تشريع المازوت لأمر، ومنعه لأمر آخر لا يقل عربدة وضراوة.
قرار بيئي، صحي، حضاري هو قرار تنظيف هوائنا من المازوت. غير انني شخصيا اؤثر ألا اسعد به، كما اؤجل حصتي الثمينة من الاوكسيجين النقي، للوقوف اولا على مصائر فقراء كثيرين في هذا البلد، مهددة حيواتهم بانقطاع اوكسجيناتها.
قرار جميل ورومانسي وجَب ان يُفرج صدوره كربتي. مع ذلك لم يخلّف صدوره حالا سوية في قلبي، فهو قرار من <<فوق>>، وتعوّدت ألا تسعدني قرارات الدولة، لا من فوق ولا من تحت.
صحيح ان عبد الامير نجدة ليس كارل ماركس، وبسام طليس ليس لينين كما صرّح اكرم شهيب على شاشة احدى القنوات. غير ان ناس طليس ونجدة هم فقراء فعليون مسحوقون بضخامة هذا الزمن وبوضاعته. وهم ينحنون بخضوع مفرط للمازوت وخطره، لعله يعدل في قوت يومهم، امام غياب البدائل التي يجدر بالدولة تقديمها.
ديون البلد المرعبة الآخذة به الى حتفه، لن يضيرها مزيد الديون، ولا تخفيض سعر البنزين كبديل طبيعي يسمح لأولئك المجهدين في بيوتهم الفارغة، بالنوم في غبطة كفاف يومهم. او انها الدولة الكفيفة التي تُحسن تربية اعدائها.