هادي الخزاعي
الحوار المتمدن-العدد: 821 - 2004 / 5 / 1 - 03:28
المحور:
الحركة العمالية والنقابية ودور اليسار في المرحلة الراهنة - ملف 1 ايار 2004
الأول من ايار عيد الطبقة العاملة في أرجاء العالم, حافز لأثارة الفضول في تقصي تأريخ طبقتنا العاملة العراقية, ولكن خلو رفوف المكتبة العربية من الكتابات التي تؤرخ لهذه الطبقة, مثلما أرخت لمثيلاتها في مصر وسوريا ولبنان, يجعلك تصاب بالأحباط وعدم المواصلة, لولا تلك الكتابات الرشيقة التي سجلها الدكتور كمال مظهر أحمد, طال عمره . لقد كان كتابه " الطبقة العاملة العراقية " مرشدي في كتابتي المتواضعة هذه,بالأضافة الى كتاب " الرسالة البغدادية للتوحيدي " وكتاب " تأريخ العراق الحديث للدكتور عبد العزيز سليمان نوار " .
كل عام والطبقة العاملة في كل مكان بألف خير, ولطبقتنا العاملة العراقية كل المحبة والنجاح في التعبيرعن طموحاتها. .
" التراكم الكمي يؤدي الى تغير نوعي " واحد من القوانين الطبيعه الذي يمكن أن ترصد تطبيقاته الحية عند البحث في المجال العلمي أو الأجتماعي أو الأقتصادي. وحتى نقترب من جوهر موضوع (الطبقة العاملة العراقية) علينا أبتداءا رصد مخاضها عند مرحلته الجنينية الأولى وصولا الى مرحلة التشكل الكامل الملامح لهذه الطبقة. بمعنى, متابعة تطبيقات قانون التراكم الكمي على هذه الشريحة الأجتماعية لحين تحولها الى طبقة أجتماعية ذات فاعلية في مجمل النشاط الأجتماعي في سياق عملية الأنتاج الأجتماعي.
ولكي تتكون الطبقة العاملة, وفي أي بلد كان, لابد من توفر شرطين لازمين, الأول ذاتي والأخر موضوعي, وهذان الشرطان متلازمان الى درجة يقتربان فيها من الذوبان أحدهما في الآخر.
الشرط الأول مرتبط بتطور البنية الأجتماعية التي يمكن أعتبارها أحد مظاهر الشرط الثاني تطورا من حالة أدنى الى حالة أرقى, وعندها لابد من ان يترك هذا التطور تأثيراته وظلاله على مختلف شرائح تلك البنية الأجتماعية, ومنها شريحة العمال التي تتطور بدوام تطور وسائل الأنتاج الأجتماعي, الذي يمكن أعتباره مهيجا لنسيج تشكل وعي هذه الشريحة من حالة أدنى الى حالة أرقى,أرتباطا بالأزدياد الكمي لها, مما يؤهل لصعودها من قاع المجتمع منفردة, الى سطحه مجتمعة, لتقاسمه بوجودها ونشاطها في سياق حركته العامة.
في السياق التأريخي لتشكل الطبقة العاملة العراقية نرصد المراحل التالية:
1ـ ملامح أوليه: المجتمع العراقي ككل المجتمعات الأنسانية منذ بداية تشكلها الى الأن, يضم المكوناته الأجتماعية الأساسية, الطبقات. فالعراق منذ عرف الحضارة بعد العصور الحجرية والجليدية, كان مجتمعا طبقيا, فقد دخل رحلة المجتمع العبودي منذ الأكديين والسومريين والبابليين والأشوريين وتكون المدن, الى مرحلة أنتقاله الى رحلة المجتمع الأقطاعي الذي ساعد في تكونها خصوبة الأرض, وبالأضافة الى ما موجود من سكانه الأصليين, رحيل الكثير من الأقوام اليه, تلك الأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية او البادية المفتقدة في مواطنها الأصلية الى الماء والكلأ.
في هاتيك المرحلتين وما سبقتهما, كان المجتمع بحاجة الى حرفيين مهرة يوفرون له كامل أحتاجاته التي يستعملها, فالناس بحاجة الى ملبس, لذا أقتضت الضرورة وجود نساجين ومن يرتبط بهم مهنيا, ولابد أيضا من وجود بنائيين وما يرتبط بهم, لأن هناك المدن المسكونة من الناس, وهولاء لابد لهم من بيوت, وهذه البيوت لابد لها من مواد أنشائية, ولابد من حدادين وباعة متجولين وصنايعيه في مختلف المهن والحرف, وهؤلاء يوصفون أنذاك بالحرفيين والصناع الذين يلبون أحتاجات السوق, السوق الذي تتم فية عمليات العرض والطلب المألوفة, ألا عملية واحدة لم يأتلفها هذا السوق بعد,ألا وهي الأتجار بقوة العمل البشرية,ولكن بشكل عام, كانت تلك المرحلة الأجتماعية العبودية,هي والمرحلة الأقطاعية بمجمل مظاهرهما العامة, الأزميـل الذي نحت بنيوية الطبقة العاملة العراقية التي بدأت بالتبلور منذ منتصــــف القرن التاسع عشر.
2 ـ تشكل قشرتها: تأخر تشكل الطبقة العاملة في الشرق على وجه العموم بالقياس الى الحالة في الغرب. وفي العراق المتشكل من مجموعة من الولايات العثمانية, كان المخاض بطيئا ومشوشا بسبب التخلف الحضاري للدولة العثمانية, الأمر الذي حال دون تكون أمكانات أقتصادية متطورة كتلك التي توفرت في الغرب الأقطاعي الذي شهد تحولا أجتماعيا عاصفا في خضم الثورة الصناعية التي أرست أسس مجتمع جديد, هو المجتمع البرجوازي,الذي تخلص أيضا من قبضة الكنيسة بشكل كلي, فتحولت الورشات الصغيرة التي يديرها حرفيون محدودين الى مانيفكتورات تضم عشرات العمال, ثم الى معامل وبمئات العمال, وقد أستقطبت هذه المعامل الصغيرة العمال الزراعيين الذين لفظهم المجتمع الأقطاعي كأيدي عاملة رخيصة. ولعشرات من السنين, وبحكم التطورالصناعي, تكون سوق العمل الذي تعرض فيه قوة العمل البشرية ,التي تكمن في سواعد العمال التي تزخر بها أسواق العمالة البشرية في المدن لتلبي حاجات الرأسمال النهم. أن هذه الخصيصة الفريدة, قوة عمل العامل أثناء عرضها للبيع, هي التي جعلت أن يكون هناك قاسما مشتركا للعمال, قوة عملهم التي بدون عرضها للبيع لا يمكنهم ولا عوائلهم الأستمرار بالحياة.
عدم توفر هذا الشرط التأريخي في شرقنا العثماني المحكوم بالعصا والعمامة الدينية العثمانية,لاسيما قي الولايات العراقية, التي كان جل سكانها من العشائر المتنقلة غير المستقرة أسهم في التخلف عن الركب الحضاري الجاري على قدم وساق في المحيط الأوربي. ورغم جهود عدد من الولاة العثمانيين الذين تولوا أمر العراق في سبيل توطين هذه العشائر,ألا أنهم لم يحققوا ذلك النجاح المطلوب, مع أنهم أفتتحوا العديد من السدود وقنوات الري والنواظم التي توفر المياه للأغراض الزراعية,لاسيما في كربلاء والحلة وبغداد وأرياف الديوانية. لذا كان المجتمع العراقي ذا تطورصناعي يكاد أن يكون غير محسوس,الأمر الذي لم يساعد على أن تنهض طبقة عاملة بالمعنى التي كانت علية في أوربا,بل وحتى في الأستانة, قلب الدولة العثمانية.
لقد كان العراق وفق المنظور الأنكليزي ومنذ القرن الرابع عشر"مركز كبير لتجارة الترانسيت" وأن بغداد"مركز مهم لتجارة التوابل والعقاقير" حسب كتابات التجار الأوربين والأنكليز تحديدا, أولئك الذين زاروا العراق.
استمر هذا التأويل الأنكليزي في توصيف العراق منذ بدايات القرن الرابع عشرالى منتصف القرن التاسع عشر, الذي توسعت فيه المحاط التجارية التي كانت تتعامل بالتوابل والتي كانت بقيمة الذهب الأن,.
كان العراق الطريق التجاري الحيوي للتجارة القادمة من الهند الى أوربا, فكانت البصرة وبغداد والموصل عز طلب التجار الأنكليز لعبور تجارتهم الى أوربا,فأسسوا مع مرورالوقت مؤسساتهم القادرة على تسهيل نقل تجارتهم تلك, ويلاحظ أن جميع المشرعات التي أرسيت أنما هي مشروعات خدمية, أكثر منها مشاريع أنتاجية, وكان هذا سببا في عدم وجود تطور ملموس لا في شكل أوحجم العمال ولا في وعيهم رغم وجود أكثر من ألفي حائك في بغداد والموصل, وأكثر من ثلاثين كورة صغيرة وكبيرة في بغداد وحدها لأنتاج الطابوق. .
3 ـ العمال العراقيون يبلورون طبقتهم : تعتبر الدوائر المرتبطة بالرأسمال الأجنبي في العراق والعدد المحدود من المشاريع الحكومية العراقية, الساحة التي بلورعليها العمال العراقيون طبقتهم الناهضة, ورغم عدم وجود ما يشير بصورة دقيقة لأعداد العمال التي كانت تستوعبهم هذه المؤسسات والمشاريع كشركة بيت لنج, عندما أقامت رصيفا لأدامة وصيانة بواخرها في البصرة, وكذلك مشاريع السكك الحديدية الألمانية بشكل رئيس والأنكليزية بدرجة أقل كشركة سكك حديد بغداد, ومن الجدير ذكره أن عددا لا يستهان به من العمال الذين حازوا على رضا المهندسين الألمان,باعتبارهم من الكفاءات العمالية الجيدة, كانوا من الأكراد,ناهيك عن العرب والكلدان والآشوريين,وايضا من أبناء الطوائف العراقية المختلفة, وهذا الأمر يؤشر الى التنوع العراقي في تشكل الطبقة العاملة العراقية,ألا أن عدد العمال العاملين بجني التمور وتعبئتها للتصدير قد تجاوز 25000 عامل , وهذا الرقم رغم أن اغلبه من العمال الوقتيين, الا أنه يعطي مؤشرات عن أعداد تقريبية عن العمال العراقيين وقتذاك.
أن التعثر الحضاري الذي رافق مسيرة الدولة العثمانية, أثر وبشكل واضح على نهوض حقيقي للطبقة العاملة العراقية, فالنتاج الحرفي لم يرقى الى مستوى أكثر تطورا مما كان سائدا, ولا حتى على مستوى ما كان حادثا في ميكانزمات العملية الأنتاجية في مناطق أخرى من الأمبراطورية العثمانية, وهذا الأمر أثر بلا شك على آفاق تراكم الرأسمال الوطني العراقي ,الذي كان يشكوا أصلا من الضعف, مما شكل تأخرا حقيقيا في الوصول الى مستوى متقدم في الأنتاج الصناعي على مستوى العراق, وحتى لحظة تشكل أول دولة عراقية أبان بداية عشرينات القرن الماضي, حيث أن آفاق تطور الطبقة العاملة مرتبط وبشكل وثيق بتطور العملية الأنتاجية.
ومع كل ما تقدم بشأن بطء تطورالدولة العثمانية في كامل العملية الأنتاجية , ألا أنه لايمكن أغفال جهود عدد من الولاة العثمانيين الذين أنيطت بهم ولايات العراق في سعيهم الجاد من اجل تقدم العراق وربطه بما يحدث في العالم. فالوالي المتنور مدحت باشا مثلا أكد في أول خطاب له بعد تسنمه منصبه كوالي على العراق, أكد بقوة على ضرورة الأهتمام بالصناعة
ففي العدد الأول من جريدة الزوراء التي أصدرها هذا الوالي المتنور أشار الى موضوعات ذات صلة بالثورة الصناعية كموضوعات " حركة طرق الحديد من قطر لآخر بواسطة البخار" و" أهمية المعامل" و" السفن في البحار"و"الصنايع المتنوعة" التي غيرت الحياة الأوربية وجعلت من أهلها بشر مرفه,يغمره الفرح والسعادة دائما.
أن المرحلة الزمنية الممتدة من بداية القرن التاسع عشر الى العقدين, الأول
والثاني من القرن العشرين, تعتبر من المراحل غاية في الأهمية في تأريخ تكون الطبقة العاملة العراقية, وهي الفترة التي يجدر دراستها بعناية كبيرة
من قبل المختصين بتراث وتأريخ هذه الطبقة.
4 ـ وضع العمال العراقيين أبان الحرب العالمية الأولى وفترة الأحتلال والأنتداب الأنكليزي: تمتد هذه الفترة الزمنية من اول السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى الى سنة 1932 , وهي السنة التي أنهت فيها بريطانيا أنتدابها على العراق. في هذه الفترة تقدمت الطبقة العاملة خطوات واسعة الى الأمام, من حيث أكتسابها الخبرة النضالية في سبيل رص صفوفها في مواجهة الأستعمار من جهه, ومن جهة ثانية تدربها على الكيفية التي تضمن بها مصالحها. ويمكن أن يؤشر بأن جل نشاطها النضالي في هذه الفترة, هو نشاط ونضال مطلبي, ومحدود جدا, بسبب عدم وجود قوة سياسية واجتماعية تقود وتنظم نشاط ونضال هذه الطبقة.
أن النشاط الأستعماري في العراق لم يقتصر على تامين محطات ستراتيجية لطرقه البرية والبحرية التي تربطه بمستعمراته, لاسيما شبه القارة الهندية , فباكتشاف النفط في العراق, تحول الى منطقة مصالح حيوية للتاج البريطاني
المهيمن على أصقاع العمورة, والتي لاتغيب عن مستعمراتها الشمس كما كانت توصف.
هذا الوضع الجديد دفع بالمستعمر البريطاني أن يوسع دائرة أستغلاله الى أقصى درجات الأستغلال,سواء على صعيد أستغلال ثروات العراق الطبيعية, أو على صعيد أستغلال قوت العمل الرخيصة غير المكلفة, لذا عمد الى توسيع مشاريعه الصناعية, خصوصا المشاريع المتصلة بصناعة النفط ومشتقاته. أن هذا الأمر يرتبط مباشرة بالطبقة العاملة العراقية الناهضة, فأن أي تطور في العملية الأنتاجية لابد أن يترك ايجابا بصماته الواضحة على تطور وعي العمال كطبقة أجتماعية لها فعل وتأثير ووزن أجتماعي لا يمكن أغفاله.
لقد سعى المستعمر بما يملك من خبرة كبيرة في أدارة البلدان من أن يضعف من وحدة العمال العراقيين,كما كان يفعل بنجاح في الهند وبلدان أخرى, بأن صنف العمال, او أنه كان يقرب مجموعة على حساب أخرى, من أجل دق أسفين بين العمال, الا أنه لم يحقق ذات النجاح الذي حققه في مستعمراته الأخرى خصوصا في الهند, أذ أن العمال العراقيين كانوا من الوعي, ما يجنبهم من الوقوع في هذه الشراك السامة, مما أكسب الطبقة العاملة العراقية وعيا عفويا من أجل رسم صورة مستقبلهم القائمة على الأتحاد والجرأة, والمدعومة من عدد من المثقفين الوطنيين والماركسيين الذين أنحازوا الى قضية العمال,ولعل كتابات الكاتب محمود أحمد السيد والرسام وحسين الرحال وغيرهم في مجلتي الصنايع والعامل, قد أسست لظهور قوى أجتماعية منحازة الى العمال.
على العموم يمكن أن تؤشر هذه المرحلة الى التطور الملموس للعمال في كتابة أسم طبقتهم على صدر المجتمع العراقي, والتي يمكن أعتبارها المرحلة التأريخية التي أسست لظهور حزب سياسي يقود نضالات هذه الطبقة, وهو الحزب الشيوعي العراقي, الذي من ذاك وهو يقود نضالاته
باسم الطبقة العاملة العراقية, مستلهما من الشعار الأممى "يا عمال العالم أتحدوا " آفاق النضال الوطني للعمال والفلاحين والمثقفين وشغيلة الفكر والقلم عبر شعاره الوطني" وطن حر وشعب سعيد".
#هادي_الخزاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟