|
ايران: الثورة، ومحاولات الالتفاف
محمد المثلوثي
الحوار المتمدن-العدد: 2686 - 2009 / 6 / 23 - 06:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يبدأ مرجل الثورة في الغليان، عندما يكشر المضطهدون عن أنيابهم، عندما تكسر البروليتاريا حاجز الخضوع والخوف، عندما تبدأ صور الحرائق و"أعمال الشغب" بتشويش صورة إيران "المتماسكة والمتوحدة ضد الاستكبار العالمي"، عندما نرمي، نحن المعذبون في الأرض، حصاتنا في مستنقع السلم الاجتماعية، عندما تبدأ حصون النظام الاجتماعي الذي يدفننا يوميا بالحياة بالتداعي للسقوط، عندما تتداعى تلك الوحدة الوهمية بين الذئب والقطيع، عندما تسقط "وحدة الوطن" بين الأغنياء والفقراء ويتعرف كل طرف على مصالحه المتناقضة وغير القابلة للمصالحة مع الآخر، عندما تتداعى أسطورة إيران "الداعمة للمقاومة" وتظهر على حقيقتها كمعتقل ضمن بقية معتقلات الاستغلال الرأسمالي، تلك المسماة "أوطان" أو "دول"، عندها، تبدأ آلة الالتفاف بابتداع أحابيلها، وتبدأ الأحزاب اليمينية واليسارية بمحاولة الركوب على الأحداث وتوجيه النقمة البروليتارية وجهة "الإصلاحات الديمقراطية"، وجهة "معارضة الديكتاتور"، وجهة "المطالبة بانتخابات شفافة"، وجهة "تحوير الدستور"، وجهة "سن العفو التشريعي العام"، وجهة "سن قانون حرية الصحافة"، وجهة "حرية التظاهر السلمي"...الخ، وعندما تتجه الجماهير البروليتارية نحو تدمير ما يدمرها (مراكز البوليس، الثكنات العسكرية، مقرات الأحزاب...) وعندما تتوجه هذه الجماهير أيضا نحو تحقيق حاجاتها بالقوة والعنف وتقتحم كنائس النظام الرأسمالي (البنوك، المغازات العامة، مخازن الأغذية والملابس...) فان كل آلة الدعاية البورجوازية تسارع بإدانة العنف، والدعوة إلى التظاهر السلمي، وهو ما يعني وضع أعناقنا تحت سكين أعدائنا، وإتاحة الفرصة للسفاحين ليقوموا بمهمتهم بلا مقاومة. وبينما نقيم نحن الكرنفالات السلمية البائسة، معتقدين أن ذلك سيقدم خطوة في اتجاه خلاصنا، تكون آلة القمع قد ذبحت إخواننا "الإرهابيين" و"عملاء القوى الأجنبية" و "الفوضويين" و "مثيري الشغب" ممن رفضوا أن يموتوا ببلاهة في استعراضات مشهدية لا تصلح إلا كمادة اشهارية في القنوات الفضائية ووكلات الأنباء. على عكس ما تحاول تصويره وسائل الإعلام، فان الانتفاضة الحالية في إيران لم تكن أبدا شيئا مفاجئا. فالبروليتاريا الإيرانية لم تنفك طيلة العقود السابقة عن محاربة أعدائها الطبقيين، فالمظاهرات والمصادمات مع قوات النظام لم تنقطع وإن بأشكال ومستويات ودرجات متفاوتة. ولعل الفترة الأخيرة قد شهدت العديد من الأحداث كانت تعبيرا عن حالة الغليان التي يعيشها الشارع الإيراني نتيجة احتداد الأزمة الاقتصادية وتهديدها لقوت الشغالين ودفع آلاف مؤلفة أخرى إلى جحيم البطالة والتهميش. ولقد حاول النظام الإيراني استيعاب حالة الغضب هذه من خلال تنظيم الانتخابات التي نجحت نسبيا في جر العمال وراء الاستقطاب الثنائي بين ما يسمى بالإصلاحيين والمتشددين، وهو ما يفسر الإقبال الكثيف خلال هذه الانتخابات، حيث انجرت الجماهير فعليا وراء وهم التغيير الديمقراطي. لكن المدقق في الجو الذي ساد يوم الانتخابات، والحمى التي أصابت الشارع، والكثافة غير العادية للإقبال، فانه وكأنما وباء من النقمة والغضب المكتوم قد حول الجماهير البروليتارية إلى آلة غير قابلة للضبط والمراقبة. وكانت إشارات الانفجار الاجتماعي لا تخطئها العين. ولقد كان الإعلان عن نتائج الانتخابات كأنه انفلاق لبالونة فارغة عرت المكب وأيقضت الجماهير من غيبوبتها لتصفعها بالحقيقة المريرة التي حاولت أن تغمض العين عنها: إن طريق الانتخابات لا يؤدي للخلاص. اندلعت الاضطرابات بشكل عفوي، وبدون أن يكون للإصلاحيين أية يد فيها. لا بل أن حجم الاحتجاجات وعنفيتها وتوسعها إلى العديد من المناطق كان قد فاجأ الجميع، ولم يكن في نية موسوي وباقي المعارضة سوى تقديم بعض الطعون إلى المجلس الدستوري حول خروقات في العملية الانتخابية. لكن، وفي اليوم الثاني من الاحتجاجات، ومع بروز طابعها الجماهيري الواسع وتجاوزها لكل الأطر التقليدية وكسرها لما يسمى بالخطوط الحمراء وتحولها إلى مواجهات دامية، بعد سقوط أكثر من سبعة قتلى وأكثر من خمسين جريحا، والتعاطف المنقطع النظير الذي لقيته هذه الاحتجاجات في الأوساط العمالية، سارع موسوي وأنصاره إلى تنظيم مسيرة (سلمية) حاملين الرايات السوداء والخضراء تعبيرا عن الحداد على القتلى الذين سقطوا بالأمس وعن مساندتهم للمرشح الإصلاحي. ولقد طلب موسوي من المحتجين التظاهر في مسيرات سلمية وصامتة، وشارك بنفسه في واحدة منها، ورفض المشاركة في مسيرة يوم السبت لأنها غير مرخص فيها. في المقابل واصلت الجماهير الغاضبة تحركاتها، حيث أسفرت مصادمات يوم السبت التي لم يشارك فيها جميع أطياف المعارضة على أكثر من سبعة عشر قتيلا وأكثر من خمس مائة جريح، في أعنف مصادمات تشهدها إيران منذ انتفاضة 1978 . إضافة لذلك فان الشعارات التي كانت ترفعها الجماهير لم تكن مطابقة للمطالب التي يرفعها موسوي وبقية المعارضة. ففي حين يطالب موسوي بإعادة الانتخابات، فان البروليتاريا المنتفضة كانت ترفع شعارات ضد النظام "الإسلامي" نفسه، مثل شعار "إلى متى ننتظر القيامة، اليوم هو القيامة"، كذلك فان أحد الشبان قام بتفجير المقر الرمزي لضريح الخميني، هذا الخبر الذي حاولت وكالات الأنباء التقليل من شأنه وحاولت العديد من الروايات الرسمية أن تصور الأمر ك"عمل إرهابي"، أو مؤامرة لمنظمة مجاهدي خلق، أو المخابرات البريطانية. كذلك قام المحتجون بإحراق (من مركز إلى سبعة مراكز بولس، تتضارب الأنباء في هذا الصدد) كل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أهداف المنتفضين لا يربطها أي رابط مع مطالب المعارضة، وأن ما تحاول تصويره وكالات الأنباء وتقديمها هذه الانتفاضة باعتبارها صراعا بين السلطة والمعارضة، بين نجاد وموسوي... إنما هو محاولة للالتفاف على هذه التحركات وجر الجماهير العمالية وراء هذا القطب البورجوازي أو ذاك. لكن إذا كانت هذه الانتفاضة بالفعل ليست ضد هذا الفصيل السياسي أو ذاك، بل ضد النظام الرأسمالي في كليته وبكل مكوناته، فان قدرة البروليتاريا على مواصلة انتفاضتها من أجل تحقيق مصلحتها الطبقية الخاصة، باستقلال عن كل الأحزاب بيمينها ويسارها، وقدرتها على قطع الطريق أمام كل محاولات الاستيعاب البورجوازي تبقى ليست محكومة بالطاقات الذاتية للبروليتاريا الإيرانية، وقدرتها على بناء تنظيماتها الطبقية المستقلة فقط، بل بالوضع العالمي ودرجة تطور الصراع بين البروليتاريا والدولة العالمية لرأس المال، ودرجة التضامن الأممي بين البروليتاريين في كل أصقاع العالم وقدرتهم على تجاوز الدعاية الإيديولوجية للإعلام البورجوازي والتعرف على نضالات إخوانهم على حقيقته كجزء من نضال طبقة البروليتاريا العالمية من أجل التخلص من نظام البؤس الرأسمالي العالمي. إن نضالات البروليتاريا في إيران ليست صراعا بين المحافظين والإصلاحيين، وليست من أجل العودة إلى مستنقع الانتخابات والديمقراطية البورجوازية، كما أنها ليست ضد الملالي الإسلاميين، ولا هي احتجاج على هذا الحيف أو ذاك، هذا الظلم أو ذاك، إنها نفس النضالات التي يخوضها العمال في كل مكان، في اليونان، في الصين، في المغرب، في تونس، في بوليفيا، في الهند، في نيجيريا، في الغابون، في فرنسا وألمانيا وتركيا والعراق وفلسطين... من اجل نفس الأهداف: ضد الملكية البورجوازية، ضد عبودية العمل المأجور، ضد المنافسة الرأسمالية، ضد سلطة المال وآلهة المردودية الاقتصادية التي باسمها يتم التضحية بكل شروط الحياة البشرية على هذا الكوكب . إن هذا النظام الرأسمالي المتفسخ يوحدنا ضده. فلنتوحد ضد كل ما يفرقنا عاشت نضالات البروليتاريا في إيران، عاشت نضالات البروليتاريا في كل مكان
#محمد_المثلوثي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|