|
إيران: السقوط الأخلاقي
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 05:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاستخدام المفرط للعنف ضد المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أنصار ولاية الفقيه المطلقة، أو الولاية السلطانية الفردية الموصوفة بالمستبدة حسب بعض النخب السياسية والثقافية الإيرانية وحسب الكثير من المراقبين، والتي رفع المحتجون ضدها شعار "الموت للديكتاتور"، هؤلاء نفذوا آية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" و"ترهبون به عدو الله" بحذافيرها، من أجل الذود عن الولاية ولو عن طريق الفتك بالمختلفين معهم من أبناء جلدتهم ومن أبناء نفس المذهب، وممارسة القمع بحقهم بصورة لا تقل بشاعة عن القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وفي نهاية الأمر قتل البعض منهم بصورة إجرامية، فما بالك لو كان ذلك المختلف غير ديني، بل وغير شيعي؟ فتاريخ أنصار الولاية المطلقة، أو الولاية السلطانية الفردية، في التعامل مع المعارضة الدينية، وغير الدينية، يشير إلى حتمية إرهاب من يهدد موقع الولاية استنادا إلى نص الآيتين السابقتين. وفي حين يشير أبرز رموز الولاية المطلقة إلى موقع الانتخابات في حشد التأييد الشعبي لدور الأمة وموقعها الاستراتيجي، إلا أن ذلك لم يكن سوى ادعاء الهدف منه هو حشد الشرعية لنظرية الولاية المطلقة. فلعبة الانتخابات في إطار النظرية ليست سوى دغدغة لمشاعر المواطن وسعي لكسب عطفه وصوته في سبيل تثبيت موقع الولاية وسلطان الولي في المجتمع. فإذا جاءت نتائج الانتخابات لصالح هذا التثبيت ومن خلال إرادة الأمة، توصف النتيجة بالإلهية، في حين لو جاءت النتائج في غير صالح هذا التثبيت ومعبّرة عن إرادة أمة تسعى لإضعاف الاستبداد ومراقبته ومحاسبته وصولا إلى تغييره، يتم اللجوء إلى المبدأ الفقهي الشهير "الضرورات تبيح المحظورات"، ويتم التلاعب برأي الشعب وتزويره وسرقته بهدف تأكيد موقع الولاية المطلقة، حتى لو سار ذلك في الضد مما تريده غالبية الأمة. فميزان رأي الأمة في موضوعٍ ما (كانتخابات الرئاسة مثلا) يكون مشروعا في حال لم يخالف رؤية الولي الفقيه لمصلحة الحكومة الإسلامية، أما إذا رأى الولي الفقيه أن رأي الأمة غير صالح في هذه المرحلة فسيتم تجاهله وتغييره استنادا إلى الآية "أكثرهم لا يعقلون". هذا هو المعنى الدقيق لولاية الفقيه "المطلقة". إن الذي يميّز "الحكومة" الإسلامية عن "الجمهورية" الإسلامية، في إيران، هو دور الشعب من خلال مشاركته في الانتخابات. ففي "الحكومة" لابد أن تكون الانتخابات "شكلية"، معبرة عن بيعة الشعب لنظام ولاية الفقيه، ثم الطاعة المطلقة للولي الفقيه. في حين لابد أن تعبّر "الجمهورية" عن رأي الجمهور، ومن ثم على جميع السلطات، بما فيها سلطة الولي الفقيه، أن تخضع لرأي الجمهور أو إرادة الأمة. وفي تجربة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بدا أن مفهوم الجمهورية يتناقض مع مفهوم الولاية المطلقة، بالتالي كانت احتجاجات الإيرانيين على نتائج الانتخابات، ثم قمع أنصار الولاية المطلقة للمحتجين، انعكاس لموقع الولاية المطلقة في الحكومة الإسلامية لا في الجمهورية الإسلامية. ويقول المراقب السياسي حسن فحص في تحليل بموقع "شفاف" أن تطورات الانتخابات الايرانية كشفت عن صراع واضح بين اتجاهين أساسيين في الحياة السياسية لهذا البلد، أي بين أنصار "الجمهورية" تلامذة الإمام الخميني من جهة، وأنصار "الحكومة" الإسلامية المتحلقين حول المرشد آية الله علي خامنئي من جهة أخرى. وهو صراع حاول الإصلاحيون من الكتلة المؤسسة للثورة والدولة تأخيره أو قطع الطريق عليه وحماية إيران من الإنزلاق نحو قبضة حديدية دينية ستضعها على مسار يشبه المسار الذي أنتجته حركة طالبان، لكن هذه المرة بنكهة شيعية مع الفارق في بعض الممارسات. لقد سكت أنصار الولاية المطلقة، في إيران وفي خارجها أيضا، عن الممارسات القمعية الوحشية التي جرت بعد نتائج الانتخابات الرئاسية من قبل حرّاس الولاية، أو حرّاس الفقيه، ضد المواطنين الإيرانيين الآمنين الباحثين عن الحقيقة والحرية. لقد اعتبر هذا السكوت عارا، وقد غلف شعار هؤلاء الذين ما لبثوا أن أرادوا إسماعنا إياه بصوت عال. كما عبر عن الازدواجية في الدفاع عن المسلم المظلوم، كاشفا زيف الفهم الديني - السياسي المبني بزعمهم على الدفاع عن المستضعفين، في حين أن اختبار تثبيت السلطة الفردية والدفاع عن السلطان المنصوب من قبل الله الآمر باسمه والمنزّه عن أي نقد وسؤال كانا سببين وجيهين لقمع المستضعفين. فالبعض يعتقد أن عملية القمع جرت بشكل رئيسي ردّا على الاحتجاجات ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية، وهذا يمكن أن يكون إلى حد كبير صحيحا، لكن السبب الرئيسي في قمع الإيرانين واستخدام سياسة "التأديب" ولغة "التنكيل" ضدهم هو تحديهم لأوامر وسلطات الولي الفقيه الذي سارع إلى تأكيد نتيجة الانتخابات والوقوف إلى جانب المرشح المتشدد الرئيس محمود احمدي نجاد واعتبار نجاحه يوم عيد إلهي. ثم هل يعقل أن الذين أمروا بالقمع والتنكيل ومارسوه، ورضوا به وسكتوا عنه، بل واعتبروه "واجبا شرعيا" للدفاع عن الحكومة الإسلامية وعن موقع الولاية المطلقة وسلطان الفقيه، هم ممن احترقت جباههم من الصلاة، وقضي وقتهم بالدعاء، وتنافسوا على أداء مناسك الحج وزيارة ضريح الرسول الأكرم ومقامات الأئمة؟ فهم في إطار هذه التجربة المريرة تجاهلوا تجربة إمامهم مولى المتقين مع مخالفيه. إنه امتحان السلطة الذي أفقدهم صوابهم وإيمانهم، بل هو الإيمان بالسلطة وبمكانة الفقيه والولاية المطلقة، لا الإيمان الروحي المجرد من أي "شرك" سلطوي. لقد أثبت الشعب الإيراني من خلال الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية أنه يرفض "وصاية" رجل الدين الفقيه على أمور حياته السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الشخصية. لقد أرسل الشعب رسالة واضحة مفادها أن موقع رجل الدين الفقيه في المجتمع محدود في الأطر العبادية، وأن أي دور يتجاوز ذلك، وبالذات في المجال السياسي، سيساهم في فساد المجتمع. لقد أثبتت تجربة الحكومة الإسلامية في إيران أن هناك تناقضا كبيرا ما بين الديموقراطية واحترام رأي الشعب وبين رأي الفقيه المطلق أو الحكم الفردي، إذ لا يمكن الجمع بين إرادة الأمة والولاية الفردية المطلقة، لأن نتائج كل نهج تختلف عن الأخرى. فنتائج الانتخابات الديموقراطية لابد أن تفضي إلى حكومة تعكس إرادة الأمة، في حين أن نتائج الانتخابات المستندة إلى حاكمية الولي الفقيه تفضي إلى حكومة فردية يكون الرأي الأول والأخير فيها هو للفقيه السلطان. والانتخابات الشعبية التي تمارس في إيران إنما تنتهي في النهاية إلى ما يريده الولي الفقيه، وبالتالي لا قيمة لهذه الانتخابات ولا قيمة للديموقراطية في إطار سلطة الولي الفقيه. لقد أثبتت تلك الانتخابات أنه لا يمكن للمواطن الإيراني أن يثق برجل الدين، هو وأنصاره، الذين يخالفون أسس الديموقراطية والعملية الانتخابية. فرجال الدين وأنصارهم لا يشعرون بأي حرج إذا ما أرادوا انتهاك القوانين التي تتحكم بمفاصل الحياة الدستورية إذا كان ذلك يصب في إطار مصلحة دينية يتبناها الولي الفقيه، بل هم يحثون الآخرين على ذلك خدمة لفهمهم الديني التاريخي المصلحي، ولا يمانعون من استخدام الوسائل غير الأخلاقية، كالكذب والخيانة والوصاية وممارسة العنف ضد الآخر، حتى يدعموا مشروعهم الديني في المجتمع ويحافظوا عليه. فبدلا من إخضاع القلوب لمشروعهم، يسعون إلى أسر أفراد المجتمع في سجنهم الديني الفقهي للسيطرة عليهم والتحكم بمفاصيل حياتهم. فهم يرفعون شعار القيم الأخلاقية، ولكن أثناء اختبار الانتخابات يدوسون، هم وأنصارهم وكتّابهم، على أبسط تلك القواعد التي تحث عليها الأديان. كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة المخملية.. ونتائج الانتخابات الإيرانية
-
ما هي ولاية الفقيه؟
-
الانتخابات الإيرانية.. والخضوع للفقيه
-
حقوق المرأة.. ومسؤولية التيار الحداثي في الكويت
-
الديموقراطية الكويتية -الفريدة-
-
في الدفاع عن المرشحة الكويتية أسيل العوضي
-
نواب الصراخ.. والأسباب الحقيقية للأزمة السياسية في الكويت
-
ضرورة الطرح العلماني
-
لماذا سكت الشيعة؟!
-
بين أخلاق الحداثة.. وأخلاق السلوك الديني
-
لتتحدى المرأة الثوابت التاريخية
-
في نقد العودة إلى التاريخ
-
حل مجلس الأمة.. وسؤال الديموقراطية
-
من هو السلفي؟
-
لاهوت التسلط
-
لماذا خفت صوت الإصلاحيين في إيران؟
-
كيف هيمن الإسلام الفقهي على مجتمعاتنا؟
-
في العلاقة بين -الجمهورية- وولاية الفقيه
-
سلطة فوق كل السلطات
-
هل كان موقف الإسلام السياسي من حرب غزة إنسانيا؟
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|