|
ثمار من غابة!
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 05:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في حين أن كل واحد مشغول بالانتخابات الإيرانية، تستمر حالة شاذة مشمئزة في بغداد.. في الواقع، لا اهتم (كاتبة المقال) بالانتخابات الإيرانية كثيراً إلا بحدود مدى وكيفية تأثير حصيلتها في العراق. ذلك أن النتيجة النهائية لهذه الانتخابات ستؤثر في العراق طالما أن واحدة من الوكلاء- الحكومة الطائفية الدُميّة - قد وُضِعَتْ في السلطة من قبل إيران والولايات المتحدة، ومعها، بالطبع، أحزاب طائفة (الأكثرية) وكافة مليشياتها.. حيث أن مجرد التفوه mere utterance بأسمائها يُثير الرعب الشديد في نفوس الناس. صار العراق مجتمعاً مريضاً جداً، بل جداً جداً.. فاسد، وسقيم بشكل عميق.. وهذا يؤلمني بشدة أن أكون "شاهداً تاريخياً" لهذا الفساد/ الانحلال والتفسخ degeneration الشامل للمجتمع. ثلاثة عوامل مترابطة لعبت دوراً جوهرياً في هذا الانحدار اللولبي الجهنمي hellish down spiral: أ- المثال الذي بادر به وفرضه الاحتلال الأمريكي في العراق "ثقافة الفوضى/ ثقافة الإنحلال/ ثقافة بدون حدود وقيود" culture of no limit. ب- الحضور المستمر لإيران الداعمة للأحزاب والمليشيات التي تُروع/ تُرهب terrorize الناس بوجودها وممارساتها. ج- تدمير destruction وتفكيك/ تجزئة disintegration الدولة العراقية بكافة مؤسساتها الرسمية والاجتماعية، بما فيها منظمات المجتمع المدني. تجسّدت الحصيلة النهائية في تحول العراق إلى غابة.. أمامك، في الواقع، 20 مليون من العراقيين (أو أقل) يكافحون، فقط، من أجل البقاء على قيد الحياة في هذه الغابة.. ما هو قانون الغاب؟.. إنه قانون الأقوى (البقاء للأصلح/ الأقوى).. ففي غياب قوانين الدولة، يبقى قانون الغاب هو "القانون الأوحد السائد." وقانون الغاب هذا يعكس الحالات التالية بأجلى مظاهرها: 1- منزلة المرأة.. ليس من المؤكد إن كان المرء يستطيع الحديث عن منزلة المرأة في مثل هذه الغابة.. عموماً، لا منزلة للمرأة في عراق اليوم.. هذا مالم نعتبر النساء اللاجئات/ المشردات والأرامل ضمن منزلة معينة. وصار يُنظر إلى المرأة العراقية كونها ليست أكثر من سلعة قابلة للبيع والشراء في ظروف غياب القوانين التي تحميها مقارنة بالفترة السابقة لما قبل الاحتلال.. "زمن الدكتاتورية!".. وهذه الحالة من غياب القانون محل شعور متعاظم في ظل حصول جرائم الاغتصاب بالآلاف ودون اتخاذ إجراءات قانونية.. ولأسباب واضحة.. أثناء فترة "الدكتاتورية" تواجدت بوضوح قوانين قابلة للتطبيق ضد الاغتصاب. وكانت عقوبة الإعدام واحدة من سماتها غير القابلة للمساومة. أما تبرير فرض هذه العقوبة فقد انطلق من تحريم الإساءة/ الاعتداء على شرف المرأة/ كرامتها.. لكن هذه المسألة لم تعد ذات قيمة في هذا الزمن.. زمن جرائم القتل والفساد المالي.. زمن الاحتلال.. تقول مقالة نشرت مؤخراً بهذه المناسبة: "قبل شن الحرب على العراق/ الاحتلال، لم يكن الاغتصاب في البلاد جريمة متكررة، وعند حصوله فالعلاج القانوني كان واضحاً.. حالياً، رغم عدم معرفة الأرقام الحقيقية فالتقديرات تُشير إلى أن جرائم الاغتصاب تصل إلى الآلاف.. والجواب الأقصر بالعلاقة مع مرتكبيها.. لا أحد!! حصلت أحداث اغتصاب كثيرة متكررة لا زالت مستمرة من قبل الزُمر factions الطائفية، قوات الأمن الحكومية، جنود أجانب، متعاقدون مرتزقة، غرباء.. وحتى محاولة الكتابة والكشف عنها مسألة صعبة وفي غاية الخطورة.. من هنا لك أن تعي لماذا تضع كافة النسوة تقريباً في بغداد الحجاب خارج المنطقة الخضراء؟ ليس الحجاب مطلوباً هنا فقط لتحاشي ممارسات المليشيات الطائفية الفاسدة التي تُسيطر على ضواحي بغداد، بل أيضاً لأنهن يأملن من الحجاب أن يمنحهن قدراً من الحماية لتجنب جرائم نفس الرجال ممن أصدروا لهن أوامر وضع الحجاب..! هل الموضوع بحاجة لأن أقول المزيد؟.. لا أتصوّر.. 2- المجال الآخر لسيادة قانون الغاب هذا هو السجون والمعتقلات.. آلاف الرجال (والنساء) أُلقي القبض عليهم، اُعتقلوا، عُذّبوا، اُغتصبوا، وهناك من هم مستمرون في معتقلهم دون توجيه اتهام أو محاكمة. صدرت مؤخراً تقارير عديدة تُطالب حكومة بغداد الدُميّة النظر بجدية في أوضاع هذه السجون والمعتقلات من تعذيب واغتصاب يفوق الخيال grotesque. 3- مجال آخر يسود فيه الشعور بغياب القانون في هذه الغابة عندما ننظر إلى أطفال العراق. عدد الأطفال اليتامى orphaned children- بدون معيل أو دعم- يُقدّر بالملايين. عدد أطفال الشوارع في بغداد وحدها بحدود النصف مليون. تعرض هؤلاء الأطفال باستمرار إلى الاختطاف، البيع والشراء، الإتجار بهم واستخدامهم للجنس.. هذه معضلة خطيرة جداً في ظروف غياب جهة تهتم بمعالجة اوضاعهم.. إنها كارثة آنية ومستقبلية تواجه الصمت على كافة المستويات.. من الصعب أن تجد مؤسسة منظمة وقادرة على تمويل رعاية هؤلاء الأطفال.. ماذا سيحصل لهم، وكيف سينتهي الحال بهم عند نضوجهم؟ إنهم ثمرة آنية مباشرة للاحتلال.. 4- يمكن ملاحظة مجال آخر لـ: غابة العراق الجديد- خطف الإناث واختطاف الذكور abduction & kidnapping من قبل مجموعات مسلّحة للحصول على فدية ransom.. قد يكون الفاعلون: عصابات، جماعات إجرامية، أحزاب سياسية، مليشيات، الشرطة ذاتها.. لا علاج حاسم في الواقع.. خطف واختطاف الناس العاديين مشكلة أخرى خطيرة.. ثمرة أخرى للاحتلال.. 5- مجال خطير آخر، تصاعد التعامل مع المخدرات، بيعاً وشراءً واستعمالاً.. زاد عدد المدمنين addicts وفق معامل أسيexponentially منذ الاحتلال. وخلال هذه الفترة تم تمويل حقول زراعية عراقية في الجنوب، بخاصة، لتنمية الأفيون opium بدلاً من الحاصلات الزراعية. يعود "الفضل" لانتشار المخدرات في العراق إلى إيران التي تتعامل مع هذه التجارة كوسيط حيوي. لم تكن مشكلة انتشار المخدرات معروفة في ظل "الدكتاتورية"، في حين صار المدمنون وتجار المخدرات واقعاً اعتيادياً عاماً متصاعداً 6- لا زال هناك المزيد من ثمار الاحتلال- الشحاذون والعاهرات. افترض بأني لست بحاجة إلى تفسير أسباب هذه الظاهرة التي تفشت في ظل الحكومات الطائفية للاحتلال.. ألا تُفسر حالتها بذاتها!؟ 7- تحضرني أيضاُ حالة أخرى.. مليونا عراقي لا زالوا مشرّدين.. ثمرة أخرى من ثمار الغابة.. هذا دون الحاجة إلى ذكر المهجّرين في خارج البلاد. بطبيعة الحال، لم أذكر كافة الأنماط الأخرى لـ "عصائر" ثمار الغابة.. قد تُضيف بنفسك الفساد، شلل nonfunctioning الخدمات العامة، اختلاس embezzlement المال العام، العجز الحاد في التعليم، اغتيال وتشريد: الخبراء، المثقفين وأهل الفكر، الأطباء، المعلمين والفنيين- حالات قادت إلى انحدار مستوى التعليم.. علاوة على استمرار سرقة إرث العراق وتاريخه- الحالة المأساوية للمواقع الأثرية.. إلخ.. وقبل الختام، أرغب أن أشارككم قصة تعكس بذاتها كافة المآسي الرئيسة المذكورة. قرأت اليوم خبراً موجزاً في ركن من أركان إحدى الصحف، يقول: "طفل عراقي يحصل، أخيراً، على حريته.. طفل عراقي (3 أعوام)، اُختطف وعُذّب على مدى 70 يوماً في ضاحية أبو غريب، تم إطلاق سراحه. أُلقي القبض على مختطفيه الأربعة. حاول والد الطفل الوصول إلى إتفاق مع مختطفيه. وافق على دفع فدية قدرها 50 ألف دولار. تبين أن زعيم العصابة محكوم عليه أصلاً بالسجن لمدة 18 سنة بسبب ارتكابه جريمة اختطاف أخرى سابقة!".. من الواضح أن زعيم العصابة لم يوضع في السجن أبداً بسبب جريمته الأولى المحكوم بها 18 سنة." هذا هو العراق الجديد- أبرياء قابعون في السجون أو القبور.. وفسدة يقودون ويحكمون.. هنا الثمار الرئيسة الوافرة لشجرة الاحتلال الأمريكي- شجرة "ثقافة الفوضى/ ثقافة الإنحلال / ثقافة بدون حدود وقيود.. في الغابة التي صار اسمها.. العراق.. العراق الجديد.. مممممممممممممممممممممـ Fruits from a Jungle...,Layla Anwar, An Arab Woman Blues,(Uruknet.info), June 18, 2009.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغز تصاعد التوجه العسكري لدى اوباما
-
لعبة كرة جديدة في العراق
-
اوباما يرفع مستوى ضبابية -الحقيقة- في خطابه
-
اوباما.. أتركْ وأنسَ المفاوضات
-
حان الوقت لمقارنة كلمات اوباما السابقة مع أفعاله الحالية
-
عنصريون ديمقراطيون!
-
مشروع نهر البارد.. يجب أن لا يفشل..
-
البنك الدولي: إسرائيل تستحوذ على أربعة أخماس مياه الضفة الغر
...
-
توقعات كئيبة بشأن عودة اللاجئين العراقيين
-
العراق: الفساد يُقوض برنامج المساعدة الغذائية الشهرية الحكوم
...
-
حرب اوباما في أفغانستان وباكستان
-
الإمبراطورية المنتفخة والانهيار المالي
-
سياسة اوباما الإمبريالية في الشرق الأوسط
-
أفغانستان: قصف بالفسفور الأبيض..إصابة طفلة بحروقات مرعبة..
-
تجاهل الأطفال ضحايا جرائم حروب بوش
-
خطط الولايات المتحدة لإحداث انقلاب في باكستان
-
البطالة والفقر في غزة والعقوبات الإسرائيلية ضد العمال
-
مذبحة الأقليات في العراق!
-
صموئيل هنتنغتون.. هل أساء الفهم؟
-
مُناشَدَة AN APPEAL
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|