|
هل فعلا لفظ الجلالة وتقبيل يد الملك هما ما يمنعان جماعة العدل والإحسان عن مصالحة النظام ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 05:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطرقت بعض الصحف الوطنية والدولية لمضامين الندوة الصحفية التي عقدها الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان بمقر سكناه . ويهمنا ، في هذا المقام ، الوقوف عند المبررات التي عللت بها قيادة الجماعة رفضها مصالحة النظام الملكي ، وعلى رأسها "عدم تقبيل اليد وتقديم البيعة" . إذ أعاد التأكيد على هذه الموانع أحد أعضاء الجماعة ــ عبد الرحمان أحمد خيزران ــ في رده على توفيق بوعشرين كالتالي( إن قيادة الجماعة قالت بأنها قبلت الجلوس للتفاوض واشترطت أمورا جوهرية وشكلية فوقع الاختلاف على نسبة لفظ الجلالة لبشر، وتكسَّرت المفاوضات على صخرة البيعة وتقبيل اليد اللذين رفضتهما الجماعة ). بالتأكيد أن المعطيات التي أفصح عنها فتح الله أرسلان في الندوة تكشف زيف هذه المبررات بدليل أن وزير الأوقاف السابق العلوي المدغري الذي حاور قيادة الجماعة قََبِل بالأمر" (= عدم تقبيل يد الملك ، عدم مبايعته ) . حينها لجأت القيادة إياها إلى "المناورة وربح مزيد من الوقت" . ذلك أن قيادة الجماعة ، بتعبير الناطق الرسمي ، " قبلت لقاء الملك عندما أحست أن المفاوضين يستعجلون هذا اللقاء غير أنها وضعت شروطا لهذا اللقاء" . وكان أبرز ما ناورت به القيادة أن "الإعداد لمثل هذه الخطوة يحتاج لبعض الوقت ويتطلب ترتيبات كثيرة والتشاور مع القواعد " . مما يجعلنا أمام سؤال مباشر : هل الجماعة ترفض مصالحة النظام لأسباب عقائدية أم سياسية ؟ فإن كان الأمر يتعلق بالأسباب السياسية ، فقد سعى الملك الراحل الحسن الثاني إلى الترخيص للجماعة بإنشاء حزب سياسي "وتمكينهم من الدخول إلى البرلمان واستفادتهم من الأموال التي تخصصها الدولة للأحزاب السياسية" . وكذلك فعل الملك محمد السادس وزيادة لما رفع الإقامة الإجبارية على مرشد الجماعة وسمح له بالتحرك على طول وعرض المملكة في مواكب استعراضية تشبها بالموكب الملكي . لكن هذا لم يزد قيادة الجماعة إلا تعنتا وعداء للنظام . مما يجعل عداءها هذا عداء عقائديا وليس سياسيا . فالشيخ ياسين يحكم على النظام الملكي وكل الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين بأنها أنظمة "جبرية" محكومة بالزوال كقوله ( نرى الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين المجزأة أقطارا ودويلات تمثل الحكم الجبري الذي يتحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يبشرنا بإشراق شمس الخلافة بعد ظلام العض والجبر . أذكر بالحديث الذي اتخذناه محورا لتفكيرنا ومرشدا لخطواتنا . روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن حذيفة أن رسول الله (ص) قال : ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها . ثم تكون ملكا عاضا ، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها . ثم تكون ملكا جبريا ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها . ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة . ثم سكت )(ص7 نظرات في الفقه والتاريخ). لهذا لا يتردد الشيخ في الإعلان عن نهاية هذه الأنظمة ( يذهب الله بأنظمة الفساد ، يزلزلهم زلزال ، تحيط بهم خطيئاتهم ، وتدول معهم دولة الكذب والتزوير التاريخي ليعلو نجم الصادقين أهل القرآن ، ولتسطع شمسهم ، ولتنشر رايتهم )(ص 570 العدل). ولا غرابة أن نجد الشيخ يقدم نفسه "المبعوث" الموعود بالنصر ( كوني مبعوثا مبَلِّغاً أمرني القادر عز وجل بإعداد القوة ووعدني بالنصر وشرط لي وشرط علي شروطا)(ص401 العدل) . ووفقا لهذه العقائد ، يعتبر الشيخ ياسين كل مصالحة مع النظام هي تمديد لآجاله وترميم لصدعه ( ليكن واضحا أننا لسنا نرمي لترميم صدع الأنظمة المنهارة معنويا ، المنتظرة ساعتها ليجرفها الطوفان .. يندك ما كان يظنه الغافلون عن الله الجاهلون بسنته في القرى الظالم أهلها حصونا منيعة وقلاعا حصينة ، وتندثر وتغرق )(ص576 العدل). ومن ثم يتبرأ من المشاركة السياسية التي نهجتها بعض تنظيمات الإسلام السياسي ( ليكن واضحا جليا أننا لا نخطب ود الأنظمة الفاسدة الكاذبة الخاطئة . وليكن واضحا أن خطة بعض المترددين من فلول الحركة الإسلامية المتكسرين إلى مصالحة مع المزورين ليست خطتنا )(ص 571 العدل). وبناء عليه ، فإن الشيخ ياسين لا يرى بديلا عن أسلوب المواجهة ضد النظام الملكي بشتى السبل قصد إضعاف النظام والانقضاض عليه كما هو واضح في قوله( مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين : لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم . وهذه هي الصيغة المثلى للقومة . فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة ، ونقاطعها حتى تشل حركتها ، ويسقط سلطانها ، وترذل كلمتها )(ص 36 رجال القومة والإصلاح). بالتأكيد أن قبول مرشد الجماعة وقيادتها بمصالحة الملك ومبايعته سيهد عقائد الجماعة ويعصف بالأوهام التي يعتنقها الأتباع ويطاردونها كما فعلوا مع رؤيا 2006 . وباعتبار عقائد الجماعة ترفع الشيخ ياسين إلى منزلة "المبعوث" الذي كلفه الله تعالى بإقامة "دولة القرآن" على أنقاض "دولة السلطان" ، فإنها (= العقائد) توجب البيعة للشيخ وحده الذي تعتبره "ولي الأمر الشرعي" الذي أوجب الله تعالى طاعته في الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، بينما تحرّم كل طاعة أو بيعة لغيره . على هذا الأساس لن تبايع جماعة العدل والإحسان الملك أبدا ولن تصالحه مادامت على نفس العقائد التي تجعل مرشدها أولى بالحكم وأتباعها موعودين بالنصر . ذلك أن مصالحة النظام ستجعل منتهى طموح الجماعة هو التداول على السلطة وفق معايير الديمقراطية التي ترفضها عقائد الجماعة ( القضية مصير أمة هي الآن خارج التاريخ ، طفيلية على التاريخ . لا مجرد تداول على السلطة بنظام تسمونه ديمقراطية ونسميه شورى . إن كانت الديمقراطية تخفي تحت أثوابها العداوة للدين ، ونفض اليد من الدين .. وكل فكر دخيل على الإسلام لا يمتثل لكلمة الله وسنة رسوله شجرة خبيثة تجتث من فوق أرض الإسلام ولو بعد حين )(ص 585 العدل). إن هذه السلطة التي يتنافس الفاعلون السياسيون على التداول عليها ، هي التي يسعى الشيخ لاجتثاثها لأنها لا تخضع لشرع الله . ومن ثم فهو "موقن" أن الله سيرفعه إلى مقام الحكم وكرسي السلطة وليس الأمة والانتخابات ( يذهب الله عز وجل بريح السلطة القامعة المشركة بالله ، وبريح المعارضة السياسية الزاعقة الناعقة (يقصد المعارضة الديمقراطية السابقة ) حينا الراكعة الممكور بها حينا . ويأتي ربنا سبحانه بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم )(ص 578 العدل). إذن من يأمل في مصالحة الجماعة للملك ، لا شك أنه يطارد وهما ويعاني جهلا بعقائد الجماعة ومبادئها .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتاوى شيوخ التطرف دليل إدانتهم .
-
التحالف بين الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة يقتضيه المن
...
-
براءة شيوخ التطرف المفترى عليها .
-
ما الذي يمنع التحالف بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الأصالة والم
...
-
المغرب كان محصَّنا ضد المشرقيات وعليه أن يبقى
-
حتى لا يبقى المغرب حضنا لضلالات الوهابية ومخاطرها .
-
الجزائر وهوس الزعامة الإقليمية .
-
لوهابية تأكل أبناءها وتحاكم عقائدها .
-
أخطار المد الوهابي على وحدة الشعب واستقرار الوطن .
-
المد الوهابي والمد الشيعي فكا كماشة واحدة .
-
حزب العدالة والتنمية أية مصداقية ؟(2)
-
العدالة والتنمية أية مصداقية ؟(1)
-
إبداعات فقهية لتكريس شقاء المرأة واستغلالها.
-
لتكن إجراءات الدولة شاملة ومستمرة .
-
ما أعجز الحكومة عن التخفيف من معاناة المنكوبين !!!
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(4)
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(3)
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(2)
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(1)
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|