معين شلبية
الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 04:46
المحور:
الادب والفن
"هو البحر" ..
كتاب شعر جديد للشاعر البروفيسور نعيم عرايدي - المغار الصادر عن عن دار اليازوري للنشر والتوزيع - عمان.
• في مطلع هذا الشهر، صدرت مجموعة شعرية جديدة بعنوان "هو البحر" للشاعر نعيم عرايدي، وقد صدر له من قبل عدد من المجموعات الشعرية وعدة كتب نقدية منها: كيف يمكن أن تحب (1972م). أثداء وقبور (الناصرة ، 1974م). الشفقة والخوف (1975م). كإحمرار الأرض عند المغربين (1976م).كاحتكاك الماء في وجه الصخور (الأسوار ، عكا ، 1978م). كاحتراق الشمس في كل الفصول (الأسوار ، عكا ، 1978م). نافذة على الأدب العبري الحديث (شفا عمرو ، 1984م). قصائد كرملية في العشق البحري (دار المشرق ، شفا عمرو ، 1984م)، ودراسات نقدية وبحوث في الأدب العربي والعالمي ودراسات في شعر محمود درويش وغيرها في مجال أدب الأطفال على سبيل المثال لا الحصر:
1. سلسلة حكايات شيقة (15 قصة)، وهي مبنية على حكايات شعبية قام بإعدادها .
2 .سلسلة الحيوان الذي هرب من الإنسان. (5 أجزاء) مبنية في الأساس على قصة صغيرة ذكرت في ألف ليلة
وليلة.
3. أنا أحلم شعر للأطفال
4. أنا أفهم شعر للأطفال
5. أنا خذر قصة تعليمية للأطفال
6.أحب ركوب الدراجة. قصة تعليمية للأطفال
أما المجموعة الشعرية الجديدة التي جاءت في 120 صفحة تضمنت خمساً وثلاثين قصيدة من بينها قصائد نثرية.
من قصيدة " هو البحر " :
هو البحر
خياله الشرقي سماء
هو الأزرق
وهو الزرقاء
يموج حين يهدأ
ويعصف
إذا لاحت فوق فضائه العنقاء..
ومن قصيدة " وحده " :
يأتون خلف السور، ينتظرون آيات معلقة على لوح الحياة
لنقرأ الآيات واحدة فواحدة على مرّ العصور
هنا اعتنقنا مرة حبّ الحياة
وهنا اتفقنا أن نصلي مرة للحرب أو للسلم
أو نهب الزكاة من الزكاة
وهنا سألنا كل أسئلة اليقين
فلا جواب على السؤال.
ومن قصيدة " رُدوا اليّ حبيبتي " :
تركت حبيبتي فارقتها عمرا
من المحن
وواصلت الفراق وخنتها مع ألف امرأة
وما أحسست أني آثم
إلا مع الزمن...
وضاجعت الحضارات الكبيرة
والصغيرة
البعيدة والقريبة
منذ أن أقسمت أني
عائد يوما الى وطني.
إن الحالة الجمالية/الإبداعية في هذه المجموعة تؤكد على أن الشعر صياغة لانفعال الذات المبدعة عندما اصطدامها بالحياة أو معاناتها لهذه الحياة، وأن القلق والحيرة والتساؤل والحزن في النهاية تؤدي الى قوة الانفعال والتي بدورها تولّد الرؤية والرؤيا الشعرية. ومن اللافت للانتباه المضامين المهمة في المجموعة والتي جاءت متشعبة في نواحي الحياة وخاصة الصوفية منها، كما نرى أن نعيم عرايدي أبدع في فن استعمال الكتابة التجريبية التي تحتوي على الأدوات الشعرية الهامة كالأساطير والترميز والاستعارات والمجاز والمفردات والمعاني التراثية المستمدة من مرجعيات الحضارة الإنسانية الشاملة.
• ومن الجدير بالذكر وفي مطلع هذا العام صدر عن مركز دراسات وابحاث "ابن لقمان" في مصر كتاب شعر للشاعر نعيم عرايدي يضم قصائد قديمة وحديثة، افتتحه الكاتب والشاعر المصري نبيل خالد، رئيس تحرير مؤسسة ابن لقمان بمقدمة للكتاب واصفا مفرداته بالكنوز الشعرية التي تنطق بما في نفس القارىء ولا يستطيع التعبير عنها.
تتحدث المقدمة عن الصوفية الشعرية لعرايدي من خلال مخاطبته للقصيدة ولذاته ، مازجا ذاته بجذوره , وذكرياته بالقصيدة ، ناقلا الانفعال من ذاته الى داخل القارىء.
تروي قصائد الديوان كذلك رحلة الشاعر بين بحور الشك واليقين ، والوطن حين يسقط الدين والتاريخ على القصيدة متهما الحكام العرب بمأساة شعوبهم.
ويختتم رئيس تحرير مؤسسة كتاب ابن لقمان مقدمته " لم يكن ما كتبت هو عالم عرايدي الشعري لكنني فقط اسلمك مفتاح عالمه الشعري لتفتح وتكتشف بنفسك كنوزه وتتفحص كل صورة شعرية وكيف انها بمفردها بحر عميق كلما غصت فيه اكثر اكتشفت مفردات كنوز اثمن من كنوز البحر لان كنوز البحر جامدة لكن كنوز عالم عرايدي الشعرية حيّة تنطق بما في نفسك ولا تستطيع التعبير عنها".
يذكر انه تقوم بتوزيع كتاب البروفيسور نعيم عرايدي مكاتب ومكتبات جريدة الأهرام المصرية.
لقد جاء في دراسة نقدية لشعر نعيم عرايدي بقلم نور عمرو ما يلي:
في الواقع ان الجمالية في شعر عرايدي ليست مدعاة للدهشة والاعجاب فحسب , بل هي مغرية الى حد التساؤل : كيف تكوّنت ؟ وما هي المواد المستخدمة في تشكيلها ؟ . وهذا يستدعي بعض التحليل , لكن بعد قراءة النص التالي :
رأيت فوقي نجمتين من الزبرجد
وغيمة لها شكل خرافي .
عناصر متنوعة تضافرت فتمخضت عن هذه الصورة المبهجة . أولا : سلامة اللغة التي هي من شروط جمالية القصيدة , في رأي النقاد القدامى , وبعض النقد الحديث . ثانيا : التجربة الانسانية التي هي جزء من المنجز الجمالي في كل الفنون . ثالثا : الصفاء الذهني والذي يرتبط في حالات معينة مع البعد الرابع للانسان ( البعد الروحاني ) , فيبدعان معا جمالا مميزا ؛ وهذا يعيدنا قليلا الى فلسفة هيغل الذي اعتبر الروح القوة المحركة الوحيدة في التاريخ . رابعا : اختيار المفردات النادرة الذكية , والتي تتواءم مع طبيعة الفكرة وطبيعة السياق . مفردتان في هذا التعبير المبتكر هما في رأيي الركيزة المعتمدة لهذه الجمالية .
الاولى الزبرجد الذي اتخذ ثلاثة ابعاد : اللون ـــ المسافة ـــ القيمة .
فهذا الحجر الكريم النفيس بلونه الاخضر الزيتوني , كان منذ العصور الماضية يغدق البهجة والفرح , ويجلب السعادة والحظ , في معتقدات بعض الشعوب القديمة كالمصريين والصينيين والكلدانيين .
والمفردة الثانية خرافي كمادة خصبة للجدل بين الشك واليقين , مثال الالياذة والاوديسا وتغريبة بني هلال .
هذه المفردة تثير فينا التصور , وربما التخيّل : شكل الغيمة عبر ملامح وهياكل مختلفة : شجرة عجيبة , حيوان خرافي , كتلة من الريش , طيور اسطورية , زعانف لاسماك هائلة , سفينة شراعية وهلم جرا. فنصل بالضرورة الى ظاهرة التداعي أي الترابط , ترايط الافكار , استدعاء الفكرة فكرة اخرى في الوعي .
وما يميز هذه الظاهرة انها غالبا عملية مشتركة يقوم بها الشاعر ثم المتلقي : النظر المتأود صعدا استدعى النجم , والنجم بلمعانه وقيمته المادية ليلا .. استدعى الزبرجد , الغيمة بشكلها الفوضوي استدعت الخرافة . كتلة الريش استدعت الطيور , والزعانف استدعت السفينة . وقد يبرز السندباد في قصته مع الحوت الذي نام الف سنة !
وهذه الظاهرة كما خبرناها في الكتب , كانت معروفة منذ أرسطو , وقام توماس هوبز بربطها بالعملية الخيالية , ثم طورها لوك بحيث تركت اثرا عظيما في الميدان الأدبي .
ومن اسباب الجمالية عند عرايدي , ان العبارة في الكثير من نماذجه تجتاز مساحة التقنية (التكتيك ) الى فضاء العفوية , لتتحد مع البيئة الجغرافية التي لها تأثير مباشر في أداته الكتابية ؛ الجليل الساحر بمكوناته وتاريخه .
وليس شرطا ان يتناول الشاعر الأشياء الضخمة حسية او مادية كي يحقق الجمالية , فالشاعر الموهوب يحقق ذلك بأشياءَ صغيرة وعادية جدا , كهذه النبتة في حديقة منزلية :
في حديقتي نبتت سريسة
هكذا ببطء
وهكذا بصمت في قمة الجمال
اراقبها كل يوم , وافكر في قدرتها
على الاحتمال .
هذا التوافق بين الشعور والخيال والنظر , منح هذه الشجيرة حيوية وجاذبية . وهاهنا استعيد رأي شارل لالو
بحديثه الشائق في علم الجمال : ــــ ان جمال الشيئ لا يتوقف على طبيعته , بل على حرية الادراك والتخيّل .
وان كانت المرأة في معظم الشعر العربي , خاصة القديم منه , ترفل بحلة من الاوصاف والنعوت المكرسة لاحتواء جسدها ؛ ابتداء من التاج الحرير , الى اخمص القدم ! فان شاعرنا يضرب صفحا عن هذا التقليدي المبتذل , فيرقى الى ما هو أسمى , ذوقا وجمالا :
تعالي نسكن تحت العرائش
في العراء
نأكل التين والرمان والعنقود
في صبر الوعاء
تجدر الاشارة ان الجمالية عند نعيم عرايدي ليست محصورة في النماذج التي سقناها للدلالة فقط , بل تنداح هذه الجمالية على قسم كبير من اعماله القيّمة , والتي تستحق التقدير , نظرا لأصالتها وانضوائها تحت عريشة اجمل ما قيل في الشعر المعاصر , نهجا فكرا وابداعا .
نتمنى للصديق الشاعر الروفيسور نعيم عرايدي المزيد من الإبداع.
معين شلبية
#معين_شلبية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟