عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2683 - 2009 / 6 / 20 - 08:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تتواجد حالياً قلّة من الدوريات الأمريكية في شوارع بغداد، وعاجلاً ستختفي هذه الدوريات بانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية لغاية نهاية هذا الشهر (30 يونيو/ حزيران). الاحتلال الذي بدأ منذ ست سنوات مضت يتجه نحو نهايته. ففي كل مكان هناك مؤشرات بتراجع تأثير الولايات المتحدة.
عندما عقد رئيس وزراء حكومة الاحتلال في بغداد اجتماعاً ضمّ 300 من قادة جيشه الأسبوع الماضي، حاول جنرال أمريكي حضوره، لكنه أُبلغ بترك الاجتماع. "نحن نعتذر لك.. هذا اجتماع عراقي وأنتَ لستَ مدعواً لحضوره،" تم إخباره من قبل جنرال عراقي. المالكي الذي وُضِعَ في السلطة من قبل الاحتلال الأمريكي العام 2006، تكلم عن مغادرة القوات الأمريكية وكأنما صار قائداً للمتمردين (المقاومة) ضد الاحتلال. "على القوات الأجنبية الانسحاب بشكل تام،" قالها في خطاب طويل استمر ساعة واحدة وورده فيه اسم أمريكا مرة واحدة فقط. "هذه مناسبة تستحق الاحتفال بإقامة الولائم والمهرجانات،" حسب قوله.
مع ملاحظة مسألة معطاة تتمثل في أن الولايات المتحدة تُعتبر الحليف الرئيس للمالكي، عندئذ يعكس هذا الموقف لدى الأمريكان تصرفاً مدهشاً من نكران جميل المالكي لمن صنعه، لكن القادة والدبلوماسيين الأمريكان واسوا أنفسهم comfort themselves بأن المالكي يعمل على تلميع "وطنيته العراقية" بالعلاقة مع الأشهر القادمة التي تسبق انتخابات برلمانية حاسمة في نهاية يناير/ ك2 العام 2010. كما أن إظهار نفسه علناً بالابتعاد عن المحتل يُبين قناعته بأن قوى المعارضة للأمريكان تُشكل الأغلبية في العراق.
هناك علامات أخرى لتراجع التأثير الأمريكي. ففي السنوات التالية على إسقاط النظام العراقي، تمت السيطرة على قوى الأمن (المخابرات) العراقي من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA وبثمن مدفوع.. قامت الوكالة الأمريكية بتنصيب رئيس للأمن العراقي هو الجنرال محمد عبدالله الشهواني، حيث عمل لفترة طويلة سابقة مع الأمريكان. وعلى مدى سنوات عديدة لم تظهر الوكالة العراقية حتى في الميزانية السنوية للحكومة. كما أن كافة الضباط الكبار في هذه الوكالة عملوا مع المستشارين الأمريكان. يقول السياسيون العراقيون للنظام الحالي أن المخابرات العراقية تتحول الآن لتؤول تحت سيطرة الحكومة!
العراقيون ينظرون إلى مدى جدية الانسحاب الأمريكي من البلاد بصعوبة وببطئ. تتواجد حالياً بحدود 133 ألفاً من القوات الأمريكية في البلاد (مع أعداد مماثلة من المرتزقة أصحاب العقود الخاصة). ويتوقع أن تترك البلاد الوجبة الأخيرة من القوات الأمريكية المقاتلة مع نهاية العام 2011. بينما موعد ترك القوات الأمريكية ممن تواجدوا منذ العام 2003 في محافظة الانبار- غرب بغداد (16 ألفاً) فقد تحدد في الربيع القادم. ولكن كما يقول أحد العراقيين من وكلاء الاحتلال (رئيس المؤتمر الوطني العراقي): مهما سمعتَ من الجنرالات الأمريكان في العراق، فإن اوباما كشف بصراحة ووضوح أن الولايات المتحدة تنسحب من العراق."
إن انتشار خبر ترك القوات الأمريكية للبلاد يقود إلى تحول آني في المشهد السياسي العراقي. فليس من الحكمة السياسية لأي من القادة العراقيين في ظل الاحتلال أن يُشَخَّّصَ بأعين العراقيين بأنه مع الاحتلال الأمريكي.
القوات الأمريكية تترك العراق في ظروف أمنية أفضل كثيراً من فترة حمامات الدم 2006-2007، لكن الاحتمال القائم هو أن العراق لا زال البلد الأكثر خطورة في العالم. يخشى الكثير من العراقيين عودة العنف والقتال مع رحيل القوات الأمريكية، وفي ظروف لا زال مستوى العنف عالياً.. أظهرت أحداث الأسبوع الماضي حصول جرائم تفجيرات خطيرة في بغداد، علاوة على شمال وجنوب العراق.. هذه الأحداث تضع علامة استفهام كبيرة بالعلاقة مع رخاوة حالة تحسن الأوضاع الأمنية. أكثر الهجمات المثيرة وقعت في جامع الشواف- ضاحية اليرموك- غرب بغداد باغتيال رئيس قائمة التوافق المشتركة في الحكم، حيث عُرف بجهوده مؤخراً في الدفاع عن السجناء والمعتقلين..
من ناحية أخرى، هناك حرب كلامية في شمال العراق بين العرب والكرد، وتحمل معها مخاطر تحولها إلى العنف الواسع النطاق. ففي العام 2003، تمكن الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة من الاستيلاء على الموصل وكركوك- أكبر مدينتين في شمال العراق. استمروا في سيطرتهم على الموصل لغاية الانتخابات المحلية في يناير هذا العام، حيث فازت قائمة الأغلبية العربية ومعها مجموعات صغيرة متنوعة لغوياً ودينياً (قائمة الحدباء). اتسمت هذه الفترة بحصول أحداث مستمرة في ظروف محاولة المحافظ الجديد وحكومة بغداد إعادة السيطرة على المحافظة.
القوات الكردية لا تعطي أية فرصة.. ففي 8 أيار/ مايس حاول al-Nujaifi دخول Bashiqa الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية. صدرت أوامر كردية بـ "الرمي لقتل.. وحالا تراجع النجيفي وعاد من حيث أتى.. لم تعترف أية جهة بإصدار أمر إطلاق النار،" حسب كلام دبلوماسي في بغداد.
ولكن لو قُتل النجيفي لتورط العرب والكرد بمجازر ضد بعضهما على مستوى محافظة الموصل، على الأقل.. عندما حاول رئيس شرطة نينوى دخول الجزء تحت سيطرة القوات الكردية من المحافظة بعد بضعة أسابيع، رغم أن هذه المنطقة تضم جنوداً وشرطة عراقيين، أُجبر مرة أخرى على التراجع من قبل القوات الكردية.
يمكن للأكراد أن يشعروا بأن توازن القوة يتجه لغير صالحهم مع مغادرة القوات الأمريكية، بخاصة في ظل تنامي القوة السياسية والعسكرية للحكومة المركزية في بغداد، علاوة على تزايد إصرار العرب في نينوى وكركوك للدفاع عن حقوقهم. ويلاحظ في هذا الصدد أن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني KGR- مسعود البرزاني- لم يجتمع مع المالكي منذ أشهر عديدة.. "لدينا علاقات أفضل مع انقرة مقارنة بعلاقتنا مع بغداد هذه الأيام،" قالها أحد القادة الأكراد. ويلاحظ كذلك أن على قمة الصراع بين الطرفين هناك انقسام عميق بشأن النفط، في ظروف إنكار وزارة النفط في بغداد شرعية العقود الكردية مع شركات النفط الأجنبية.
الحرب بين العرب والكرد أمر محتمل في شمال العراق، لكن الطرفين لديهما الكثير مما سيخسرانه. للأكراد مساهمة حيوية في حكومة بغداد، وهم أكثر مجموعة منسجمة ومنَظّمة في إطارها. وعلى مدى استمرارهم جزءً من حكومة بغداد، فلديهم قدرة أفضل للصمود أمام ضغوط تركيا، إيران، وسوريا.. كذلك لدى المالكي الكثير مما سيخسره إذا دخل في صراع مع الأكراد. اقترن الأئتلاف العراقي الذي حلّ محل النظام العراقي السابق بسيطرة الكرد والطائفة "الأسلامية" المذهبية الأخرى (الأكثرية). أظهر الكرد على مدى نصف قرن قدرتهم على زعزعة استقرار العراق حتى في عهد رأس النظام العراق السابق الذي فشل في سحقهم. وهنا ربما يكون المالكي مدفوعاً كذلك بإغراء الشعور القوي الحالي ضد الكرد بين العراقيين العرب لكلا المذهبين "الإسلاميين" وبعض المجموعات الصغيرة الأخرى، بُغية كسب ودعم "شعبيته" قبل الانتخابات البرلمانية في يناير القادم، لكن هذا الموقف سيُعبر عن قصر نظر short-sight وتحرك خطير.
رغم أن العراق يبقى ساحة عنف خطيرة، والحكومة العراقية فاسدة corrupt، وتُعاني من الاختلال الوظيفي/ ضعف الأداء dysfunctional، فإن المشهد المتوقع للبلاد ربما يكون كئيباً bleak، كما يظهر للعيان. دخلت البلاد في ظل الاحتلال في حربين بعد إسقاط النظام العراقي العام 2003. بدأت أولاها بحرب المتمردين..(المقاومة ولا زالت مستمرة ضد الاحتلال ووكلائه).. والحرب الدموية الطائفية (صنيعة الاحتلال). بغداد مقسمة حالياً إلى ثلاثة أجزاء: الكرد، طائفة (الأقلية) وطائفة الحكم (الأكثرية). وتسيطر الأخيرة على قوى الأمن وعددها 600 ألفاً.. وسيكون من الصعب، بل ومن المحتمل مهمة انتحارية لطائفة (الأقلية) السماح بعودة الحرب الأهلية.
عليه، ربما لن ينفجر الوضع باتجاه تجدد الحرب مع مغادرة القوات الأمريكية للبلاد، لكن هذا لا يعني أن الحالة القائمة تحل مشاكلها بذاتها. الحكومة مقسمة إلى زُمرٍ/ مجموعات factions.. قادة هذه الزُمَر من الطائفنين والكرد يخشون بعضهم البعض مع فقدان الثقة بينهم.. والحالة مماثلة وقائمة بين أتباع ومناصري هذه المجموعات.. ويبقى اقتصاد المجتمع العراقي محطماً shattered بالعلاقة مع ثلاثين عاماً من الحروب والمقاطعة والاحتلال. لكن إحدى الظواهر الكبيرة لعدم الاستقرار على مدى السنوات الست السابقة تجسّدت وما زالت في الحضور الكثيف للقوات الأمريكية.. ومع مغادرتها للعراق فإن العديد من النزاعات conflicts قد يمكن وضعها تحت السيطرة.
ممممممممممممممممممممممممممـ
A Whole New Ballgame in Iraq, By PATRICK COCKBURN, Counter Punch, American News letter, June 15, 2009.
Patrick Cockburn is the author of The Occupation: War, resistance and daily life in Iraq , a finalist for the National Book Critics Circle Award for best non-fiction book of 2006. His new book Muqtada! Muqtada al-Sadr, the Shia revival and the struggle for Iraq is published by Scribner.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟