نائل الزامل
الحوار المتمدن-العدد: 2684 - 2009 / 6 / 21 - 02:58
المحور:
الادب والفن
الصورة في مخاطفتها للزمن تعطينا ثبوت لحضوي لجزء معين من الثانية يبقي اعمارنا وملامحنا المشتركة مع المكان ازلية مستمرة طالما حلم الانسان بها ,انها توقف لزمن يأبى الا ان يخرجنا من واقع الحركة الحيوية ويعيدنا الى العدم . لكن بقيت الصورة تمثل الهاجس الاكبر في نظر الموت انها تحدي للدلالة على اثرنا ووجودنا ولعل هذا الهاجس هو ماجعل الحضارات القديمة تعلن عن نفسها من خلال نقش لوحات على حجارة بلا اطار حقيقي لتخلد وجودها وتثبت ازليتها واتصالها بنا في مواجهة الموت والاندثار فالرسومات والمنحوتات ما زالت تبعث بداخلنا ردة فعل مختلفة من خلال ما نحملة من افكار تجاه هذه الصور وهي العلامة الفارقة بين ملامح زوار الاضرحة والحزن الذي لابد ان يرسموه او يفتعلوة على وجوهم والوان ملابسهم وبين زوار المتاحف والاثار , ملامح البؤس تقابلها ملامح الاعجاب والدهشه , الوان الموت القاتمة تقابلها الوان الحياة الزاهية هي ذاتها المفارقة بين اصرار الفراعنه في جعل قبور موتاهم تحمل رسومات اكثر حيويه وتحدي من تلك الرسومات التي تزين معابدهم ذات النمط الجامد والقاسي والمنهزم امام الموت ان الفرق بين زوار المعابد والاضرحة وزوار الاثار هو الفرق بين الانهزام للموت وبين تحدية . هل استطاع الانسان الذي يخشى خطر الموت ان يجعل الموت في خطر ؟
ان لكل صورة ردة فعل سواء كانت هذة الصورة ثابتة ام متحركة موحشة ام مبهجة منطفئة ام مشتعلة مرعبة ام مطمئنة فهي لابد ان تعبر عن فعل معين ينطلق من جرائه ردة فعل مختلفة مرتبطة بزمن معين وتبقى ردة الفعل غير محسومة وابعد ما تكون عن الجزم لارتباطها بزمن معين متحرك ومتغير في حين يبقى فعل الصورة المليء بالاشارات والمعاني ازلي العطاء . وهذا ما يفسر لنا طلب احد اباطرة الصين من كبير رسامين القصر محو الشلال الذي رسمه في لوحة جدارية لأن صوت خرير المياة يمنعه من النوم , وكذالك يمنحنا فهماً معقولاً للآفتات التي كانت توضع داخل دور السينما العراقية في عقود الستينات والسبعينات وتشير الى منع الهتاف اثناء عرض الفلم , بل تفسر حتى المظاهرات المنطلقة من تلك الدور, وهذه ردة الفعل تدعونا الى عدم الاستغراب حين يقوم احد بابوات كاتدرائية السكسين في روما من ستر عورات الرسومات في سقفها بنباتات اضافية او قيام الزعماء الدينيون الايرانيون في احالة الرسومات العارية لبوشيه الى المخازن في متحف الفنون الجميلة بطهران او تفجير تماثيل البوذية من قبل طالبان في افغانستان. هذه المفارقة بين ردود الافعال تؤكد سلطة الصورة واشاراتها الايجابية او السلبية في منظوريين مختلفيين قد يستهزء احدهما بالاخر لكنها تدل على حيوية الصورة ومدى قوة تاثيرها واستمرارها الازلي في مواجهة الفناء والاندثار (الموت).
لابد اننا الأن وخاصة في عصر الانترنت والفضائيات اصبنا باشباع من الصور فمن صورة المذيع الاخباري الى صورة الحدث الى رجل الدين الى التقرير الى عارضة الازياء الى الفيديو كليب ....الخ فهذا الاشباع اضعف الاتصال الروحي مع الصورة واعتمد على واقع الحياة التي حتى باتت العرفانية بعيدة عن الشاشة فلانجد اي ممارسات لاهوتية عند عرض معبد او ضريح , هذا التقارب مع الاحداث بقدر ما يحمل من ايجابية يحمل سلبيات من جانب اخر فهو يقتل المتخيل الانساني ويضعه امام الحدث المرئي وهو ما يحملة مذيع الاخبار من رؤية مصورة عصية الرفض اذا ما قورن باخبار المذياع و ذات الضرر في اغنية الفيديو كليب التي تفسر الاغنية بشكل حرفي دون ترك اي مجال لانطلاقنا الخيالي فتحول المعنى من الشاعر والملحن والمطرب الى الصورة المتحركة
المفسرة ممايبعدنا عن رمزية المشهد السينمائي الى بساطة الفيدو كليب. ان سلطة الصورة اخذت تحتل مكان الأبوية في تسيرها لقناعتنا مما زاد في عجزنا لأستعادة خيالنا الحالم المفكر في ما نراه. بالتاكيد ان للصورة حياة قديمة تمتد الى عشرات الاف السنين لكنها في العقود الثلاثة الاخيرة تداخلت في تفاصيل مهمة جعلتنا محايدين امام سلطتها علينا فنحن لانملك الا ان نعلق عليها. هل اصبحت للصورة حياة ام اصبحت حياتنا هيه الصورة؟
لنعد الى جذور المفارقة بين الصورة والموت ,فالغريب ان المدافن كانت اولى صورنا وكان اغلب هذه المدافن مغلق باحكام عجيب والى اليوم نتكهن في كيفية بنائها وتشيدها ودقة عمرانها وكانت هذه المدافن مدهشة التصميم وغريبة غرابة الموت الذي تحتوية , ولكن المدافن شيدت كصروح للاحياء كدليل على وجودهم المبدع الغريب ,ففي حين كان الموت نهاية لحياة احد عظمائهم كانت المدافن المشيدة علية تمثل حياة ازلية فكأن لكل مدفن نهاية وبداية نهاية الجسد وبقاء الصورة وهنا اتحدث عن مراسم دفن الموتى والمختلفة بكل تاكيد عن حرقهم,لأن دفن الميت بوضعية الجنين المولود واعادتة الى الارض الأم تجعلنا امام اشكالية الموت كنهاية ام كعودة الابن لأمه الارض هذة الثنائية النهاية/العودة هي مساحة الجزء الميتافيزيقي والوجودي ,اما الصورة فهي تتجاوز هذة الثنائية المنبثقة من الموت لتكون نداً للموت نفسة فتتحوله الى مجرد غياب امام الحضور القوي والحي للصورة , الايذكرنا هذا بكلكلمش الجسد الميت والصورة الدائمة الحياة الحضور .هل استطاعت الصورة في المدافن القديمة ان تجعل من الموت غياب وليس فناء ,ومن ثم تقلصت سلطة الموت في مقابل خلق سلطة اخرى للصورة ؟
ان تمسكنا بالصورة التاريخية بانواعها يدعو الى تامل لاننا نحاول ان نعبر عن وجودنا وخلودنا من خلال حمايتنا لآثار تصاعدت معانيها في خلود المبدع الاول –الانسان- للصورة القديمة والحديثه, المتحركة والثابته ولكن الصورة بدأت بالتمرد عليه واخذت تمارس نوع من السلطة المتنامية حتى انها بدات تستعيد مجدها القديم مجد الصورة في الديانات الوثنية وعباداتها وعلى الرغم من هذا التاثير تضائل وتغير الى مراسيم اخرى كالصليب والنجمة والهلال والاولياء وهذه تمثل مرحلة متطورة بالنسبة للديانات الوثنية ولكون الصورة ابداع انساني استمرت بالتطور في حين بقيت ديانات ما بعد الوثنية مستقرة فتحولت الصورة الى جزء مهيمن في مفاصل حياتنا اليومية وباتت تنقل الواقع دون الحاجة الى شهود او قسم لدين معين واصبحت خطابا يصعب الرد عليه .هل ابالغ حين اقول ان انتمائنا للصورة في مواجهة الموت ادخلنا في وثنية الصورة المتطورة ,حتى بتنا نؤمن بما تقوله ونصدقه خاصة وهي تخاطب العاطفه والعقل معاً
#نائل_الزامل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟