|
هل القول بعودة المسيح او المهدي المنتظر -سماوي- ؟
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2682 - 2009 / 6 / 19 - 08:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فكرة المغيث مرتبطة دوما بحاجة صاحبها للاغاثة ، وذات الشيء بالنسبة لفكرة المنقذ فهي مرتبطة عضويا بحاجة صاحبها للانقاذ ، وهكذا الحال بالنسبة لكل مرادفاتها ـ المخلص ، الفادي ، الهادي ، المهدي ، المنجد ـ انها تجسيد حي لفكرة الحاجة الجماعية الماسة لتجاوز ظروف قهرية عاشتها مختلف شعوب الارض ، والتي لا يمكن عبورها الا بمساعدة هائلة من قوى كلية القدرة مجسدة بروح البطولة التي لا تقهر والجميلة بجمال اخلاقيات سعيها المطلوب ، احيانا يكون التشبث بالاوهام معين نفسي فطري لمواجهة اليأس والجزع المسبب بتعاسة الحالة المعاشة ـ لولا النسيان لمات الانسان ، ولولا الاوهام لكانت بعض الانتكاسات قاتلة ـ ! ارتبطت اغلب حالات الحاجة الروحية لعقد الامال على منقذ ما بمظاهر البؤس والحرمان والاضطهاد والاسترقاق والنزاعات والحروب الاجتثاثية المتواترة داخلية كانت ام خارجية ! قالوا ان محمدا كان يُنتظر فهناك اشارات لحاجة ظهوره ، وان الكتب القديمة ذكرته باسم احمد ، قالوا ان كورش ملك الفرس كان ينتظر كمنقذ لليهود المسبيين في بابل ، قالوا ان موسى كان ينتظر لانقاذ قومه من استبداد فرعون ، قالوا ان المختار الثقفي كان ينتظر للثأر من قتلة الحسين ، الشواهد كثيرة على القيل والقال ولكن القول برجعة المسيح او المهدي المنتظر كصاحب للزمان ومنقذ للبشرية بامر الهي لا يقبل النقض هو تعميم مأول واجترار سريالي لاصل واحد مرتبط بذات الجوهر الخاص بدوافع الاقوال السابقة والمستفيض بتجاوز مطلق لها ، كتقفيلة تصلح لتكون اطارا عاما لخواتم كل العلل ، تعليل النفس بالامال الكبرى المتجددة والمفقودة وما زالت ! لماذا لا ننتظر قيامة المسيح الكبرى اوخروج المهدي المنتظر من غيبته ؟ لانه وببساطة منطقية لن يأتي ابدا فالموتى لا يعودون ، وما بالك اذا كان السيد المسيح قد مات قبل حوالي 1975 سنة ، الا اذا عشنا في عالم افتراضي وباثر رجعي واعتبرناه حقيقة مطلقة ، حيث يكون هناك رب للعالمين اجمع قادر على الافناء والاقصاء والابقاء والاماتة والاحياء ، رب مالك لمفاتيح البداية والنهاية ، له مبشرين وانبياء ورسل ، خلق الانسان من تراب ويعيده اليه ، رب ينزل ملائكته على من يشاء من عبيده الذين خلقهم على شاكلته ، رب ميتافيزيقي خارق ، رب سوبر له تركع كل الكائنات ، رب سيقيم السراط المستقيم بعد ان تغطي الخطيئة الارض ، رب سينزل ابنه ثانية ليعلن نهاية التاريخ ، قال بعضهم انه سيعود بعد استكمال بناء الهيكل ثانية وقال اخرون انه سيعود ليعلن القيامة والحشر ، وقال غيرهم انه المخلص والمنقذ والمهدي المنتظر وعدم قدومه يعني العدم نفسه ، اي انه عائد عائد مجسدا بالمسيح او الامام المهدي الذي يعيش حاليا غيبته الكبرى ! يقول المؤرخ الفذ بندلي صليبا الجوزي في كتابه دراسات في اللغة والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي عند العرب : " من يطالع كتب الانبياء اليهود بامعان يرى ان اليأس استولى عليهم او كاد في باديء الامر اي على اثر سقوط دولتهم فاظلمت الدنيا في اعينهم واخذوا يندبون امتهم بعبارات لا مثيل لها في اداب سائر الامم ـ راجع مراثي ارميا ـ ولم يعودوا ينتظرون من شدة ما اصابهم مساعدة من احد ـ جميع اخلاء اورشليم غدروا بها وصاروا لها اعداء ـ ولما لم يبق لهم امل في الخلاص القريب اضطروا ان يعلقوه على المستقبل البعيد حين يبعث الله الفادي ... " ، ونستنتج من هذا ان فكرة منقذ اليهود هو قاعدة وجود مادية وروحية لفكرة المنقذ يسوع المسيح والفرق بينهما تاريخي ايضا حيث سيجيء مسيح اليهود لانقاذهم فقط ، اما يسوع المسيحية فهو سيعود لانقاذ الجميع ، علما ان جوهر فكرة المخلص كان زرادشتيا اي غير سماوي ، وهناك اشارة عابرة ولكنها معبرة في هذا المقام توردها سيرة ولادة المسيح في بيت لحم وهي مجيء وفد من المجوس ـ الزرادشتيين ـ للبحث عن المولود ـ المسيح ـ والسجود اليه ، فما علاقة معتقدات غير سماوية بعلامات واحداث سماوية ؟ ؟ الحقيقة الواقعة هي الحقيقة المبرهنة نظريا وعمليا ، واطراف اي معادلة منطقية لابد ان تكون منطقية ، حسب منطق اورسطو، والتغير المستمر صفة ملازمة للواقع المادي وافرازاته المؤدية لتغير جدلي في حقائقه ، ولا حقيقة مطلقة سوى وجود هذا الواقع المادي وافرازاته ، بحسب المنطق الديالكتيكي ، اذن باي منطق سيظهر من مات وشبع موتا ليكون منقذا للبشرية او لجزءا منها ، انه المنطق السماوي ، وبما اننا قد اثبتنا بانه غير سماوي ، بدلالة وجوده عند من سبق السماويين ، فانه سيكون حتما منطق التسليم بالانتظار ـ علاقة العجز والتسليم بالقدرـ ، اي انه منطق من لا منطق له ، منطق الغيب ، منطق الاسطورة المتحولة الى خرافة ، منطق القوى الخفية ، منطق التقليد والاسقاط الاعمى من قبل البسطاء المتعطشين لوهم يؤمن لهم السكينة على الاقل في الاخرة كتعويض وهمي عن فقدانها في حياتهم ، اذ ليس بالمستطاع تامينه بالدنيا الحاضرة كما يعتقدون ، منطق التعمد في التعصب كدوغما مقدسة ، وهذا الاخير لاغراض دنيوية بحتة !
الحياة الاخرى ـ الاخرة ، والبعث ـ معتقد مدور بالتدحرج التتابعي عن المعتقدات الدينية القديمة التي لها السبق في اختلاق عوالم اخرى غير عوالم البشر المدركة والمجسدة ـ عالم الالهة وربهم الله وملائكته والشيطان "ابليس" المتمرد عليه والجنة العليا والنار السفلية ـ والعرش الالهي الذي يصطفي من الخلائق من هو الاقرب لصورته حيث يصعد به الى السماء السابعة ويسري به حيث سدرة المنتهى ، كما في حالة صعود عيسى ابن مريم ، والاستضافة المؤقتة لمحمد في حادثة الاسراء والمعراج ! السبق هنا للمعتقدات غير السماوية القديمة على معتقدات الاديان السماوية طبعا ، حيث كانت قبلها جل سيناريوهات عودة الروح ، كما هي حالة المفردات الاخرى والتصورات والمعاني القاموسية الواردة في الكتاب المقدس والقرأن ، كمبدأ العقاب والثواب الالهي والفردوس والجحيم ، نعم نعم لان الاديان السماوية ذاتها هي نتاج تاريخي لتطور المعتقدات والتصورات التي سبقتها ! الفراعنة كانوا يحنطون موتاهم ويحافظون على هيكل الجسد ليكون مستعدا لاستقبال الروح ثانية ، حيث سيقوم الموتى ليعيشوا في حياتهم الاخرى ، لذلك كانت الاهرامات التي هي قبور مجهزة بكل مستلزمات السلامة والحفظ ، تحتوي على كل حاجيات الفرعون الميت بما فيها نسب معقولة من الطعام حتى لايجوع اثناء فترة القيامة ! العديد من ثقافات ما قبل الاديان السماوية وبعدها تعتقد بالحياة الاخرى ، وبانفصال الروح عن الجسد اثناء الموت ، وكان بعضها يعتقد بالاحلال، اي ان تحل روح انسان ميت في جسد انسان اخر حي ، واحيانا تختلط ارواح البشر بارواح الحيوانات ، وهكذا يتكامل المشهد بعالم مستنسخ بصوره يعيش في العلالي تحت الرعاية المخملية للرب وملائكته ملائكة الخير طبعا من وزن جبرائيل وليس عزرائيل قابض الارواح دون تمييز !! نرجع ونقول بان السماء لا تمطر انبياءا ولا كتبا مقدسة وهي لا تمطر ايضا افكارا ولا مخلصين وعليه فان فكرة المسيح والمهدي المنتظر هي افكار ارضية بامتياز !
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنتازيا الاديان السماوية !
-
ثلاثية العطش العراقي الماء والخضراء والحكم الحسن !
-
احبونا نحبكم !
-
وطني حقيبة وانا مسافر !!
-
الرؤوس الفاسدة التي تحكم العراق لا تزيده الا فسادا وانقساما
...
-
عمو بابا آية حقيقية من آيات العراق !
-
أوباما يريد ان يسترعرض المنتهكين العراقيين فمنع نشر الصور !!
-
في مصر وصفات جاهزة لمنع الحمل الثوري !
-
مستقبل حالك ينتظر العراق المكتوب يقرأ من عيون اطفاله !
-
موت أحمر !
-
الاحتلال واليسارالانتهازي في العراق !
-
الم تر كيف فعل اصحاب الفيل والحمار بالعراق والعالم ؟
-
الثورات التي تآكل نفسها بنفسها!
-
انفلونزا جنون البشر!
-
بشتاشان جريمة بلا عقاب !
-
عمال بلا معامل !
-
ما هي المسألة الاساسية في - الماركسية - ؟
-
اوروبا احرقت اليهود وارسلت من تبقى منهم لاحراق الشرق الاوسط
...
-
لصوص وكلاب !
-
قراءة نقدية لمواقف الحزب الشيوعي العراقي حول موضوعة المناطق
...
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|