|
عَلم ودستور ومجلس حكمهم ... كل ٌّ عن المعنى الصحيح محرَّف
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 820 - 2004 / 4 / 30 - 04:59
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ليس موضوع العلم الجديد الذي أعلن عنه مجلس الحكم المعين في العراق يوم أمس موضوعا سياسيا فقط ، بل هو ينطوي على الكثير من المشمولات المجتمعية والفنية والسياسية والثقافية . و مبعث الرفض الأول لهذا العلم هو أنه جاء نتيجة لتصرف شمولي فرداني من الدرجة الأولى ، فمن دعا إلى إيجاده وقرره - أي مجلس الحكم - ليس شرعيا البتة وغير منتخب إطلاقا وبالتالي فهو هيئة سياسية حزبية فوقانية لا تختلف في النوع ومن حيث الجوهر عن دكتاتورية صدام التكريتي الذي كان يستسهل إصدار القوانين والتشريعات مثلما يستسهل إطلاق الروائح الكريهة والغازات السامة . ومن حيث التفاصيل فقد سُلقت عملية تمرير العلم الجديد سلقا في ليلة ظلماء ومن وراء ظهر الناس الذين سيطلب منهم مستقبلا الانحناء أو التضحية من أجل هذا العلم . فلا أحد يعلم كيف تم ذلك ومتى وأين . أما الفنان الذي سارع إلى تلبية طلب المجلس أي رفعت الجادرجي ومع شديد احترامنا لفنه وإنجازاته ولكنه في هذه المناسبة كان لشديد الأسف أقرب إلى الإسكافي أو السمكري منه إلى الفنان والمصمم الفني فقد كان عليه التروي والتساؤل واستشارة الزملاء قبل سلق البيضات المجلسية ! ومن حيث التفاصيل أيضا ، ومهما تذاكى فلان أو علان من جماعة مجلس الحكم ، فلن يكون بمكنته إنكار وجه الشبه اللافت والقوى مع العلم "الإسرائيلي " من حيث الألوان الأساسية والمفردات التصميمية والخطوط . أما تحويل هذا الرمز السيادي أي العلم الوطني إلى منصة لإرضاء المتناقضات الحزبية والأيديولوجية فهو مثلبة أخرى بحق النموذج الذي تم التوصل إليه وبحق الفنان والسياسيين الذين وراءه . فالإسلاميون اشترطوا وجود رمزهم السياسي والديني أي الهلال ، والأحزاب القومية الكردية اشترطت وجود رمزها الحزبي وهو لون علم حزب البارتي ( الديموقراطي الكردستاني ) الأصفر لأن اللون الأصفر ليس رمزا عرقيا أو قوميا للأكراد الذين هم آريون كما هو معروف وليسوا من العرق الأصفر . وبصدد الهلال الذي -كما قيل - يعني أن الدولة العراقية القادمة ستكون إسلامية ، ألا يعني هذا القرار المسبق إهانة للأقليات العراقية غير المسلمة من الكلدان والآشوريين والصابئة الذين هم عراقيون أصلاء بل وهم السكان العراقيون الأصليون الذين وجدوا في بلاد ما بين النهرين حتى قبل أن تغمره الهجرة السامية العربية المسلمة الأخيرة قبل خمسة عشر قرنا ؟ سيقول البعض أن دولا عديدة علمانية تضع في أعلامها الوطنية علامات دينية فالصليب موجود في أعلام دولة الاتحاد السويسري وفي علم اليونان والعلم البريطاني والسويدي وفنلندي والنرويجي ، وهذا صحيح ولكننا نسجل عليه تحفظين يفرغانه من أي محتوى : فأولا هذه الدول علمانية وديموقراطية فيما يريد المطالبون بوضع الهلال في العلم العراقي دولة إسلامية أو أن يكون الإسلام دينها الرسمي ولا يريدون دولة علمانية تقوم على أسس المواطنة الحديثة كالمساواة والحرية ..الخ وثانيا فإن هذه الدول الأوروبية التي ذكرناها متجانسة من الناحية الدينية حيث أن السكان مسيحيون كلهم وليس ثمة سكان أصليون من ديانات أخرى كما هي الحال في العراق . ولنفترض مثلا أن في سويسرا أو اليونان مليون مواطن مسلم من السكان الأصليين فهل كان أصحاب الهلال سيوافقون على وجود الصليب في العلم السويسري أو اليوناني ؟ وقد يقول قائل أن المجتمعات في الجزائر و تونس و المغرب هي منسجمة ومتوافقة دينيا فهل يبرر هذا الانسجام وجود الهلال كرمز ديني على أعلامها الوطنية . شخصيا أجيب ودون تردد بنعم إذا حسمنا علميا أن الهلال هو رمز ديني إسلامي أصيل . ولكن من قال إن الهلال هو رمز أصيل للدين الإسلامي ؟ أليس الأدق والأكثر علمية أن نقول أنه رمز للسلطنة العثمانية وللعصبية التركية الطوارنية التي أبقت عليه بعد أن ولد بعد ولادتها ، و بقي بعد أن رحلت ، و قامت على أنقاضها دولة مصطفى كمال أتاتورك العلمانية القومية ؟ و هل هناك شاهد تاريخي واحد يزيد عمره على عمر الدولة العثمانية يؤكد لنا أن الهلال هو رمز أصيل للدين الإسلامي أو للحضارة العربية الإسلامية الراقية في طورها العباسي وعاصمتها بغداد ؟ على العكس من ذلك لقد أثبت الصديق الباحث والشاعر شاكر لعيبي في أحد كتبه التي أطلعني على مسودته المخطوطة قبل بضعة أعوام وأغلب ظني أن الكتاب نشر ، وأثبت فيه بالدليل العلمي والصور أن الهلال كان رمزا وثنيا في منطقة الهلال الخصيب ( العراق وسوريا الكبرى ) وهو مأخوذ من قرني الثور السماوي المقدس بعد عملية التجريد الفني التي حدثت عبر القرون .. وبعد هذا وذاك نتساءل : هل هذا العَلم - إذن - هو علم العراق أم هو علم حزبي لهيئة سياسية شكلتها سلطات الاحتلال الأمريكية تسمى مجلس الحكم الانتقالي ؟ وقد يقول قائل ترى ما البديل ؟ هل هو في استمرار استعمال العَلم الصدامي ؟ قطعا لا ، وإنما كان يجب العودة إلى العلم العراقي المعبر والجميل الذي كان موجودا قبل أن تبدأ سلسلة انقلابات البعثيين العسكرية في سنة 1963 . وكما قرر مجلس الحكم العودة إلى استعمال شعار الجمهورية العراقية الذي صممه الفنان العراقي الخالد جواد سليم كانت تنبغي العودة إلى العلم العراقي لذلك العهد ليكون هو العلم العراقي طوال الفترة الانتقالية حتى يبت الشعب العراقي عبر ممثليه في برلمان منتخب في العلم والشعار الثابت والأخير بعد استعادة السيادة والاستقلال الحقيقيين . وختاما أسجل تحفظي على وجود السيف الذي يرمز للعرب وعلى الخنجر الذي يرمز للكرد في الشعار الجمهوري القديم والجميل وأقترح أن يتم استبدال أدوات القتل هذه بنخلة ترمز للعرب وشجرة زيتون بسبعة أغصان ترمز للإثنيات والديانات العراقية المتآخية والتي تضم الكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والصابئة واليزيديين واليهود أو "الطائفة الموسوية " كما تسمى في العراق .
* العنوان يحاكي بيت شعر مشهور للشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي والذي هجا فيه النظام الملكي الطائفي وقال فيه :
علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرَّف .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبسط في النحو والإملاء الدرس الرابع والأربعون : الفعل المض
...
-
توثيقات بخصوص صهيونية سالم الجلبي .. و ردود أخرى !
-
هل ينقذ الناخبُ اليهوديُّ بوشَ الابنَ من المصير العراقي لأبي
...
-
عملاء الاحتلال يعاقبون شرطة البصرة وشعبها .. لماذا ؟
-
المبسط في النحو والإملاء الدرس الثالث والأربعون : الحال
-
باي باي مجلس الحكم ..مرحبا تكنوقراط !
-
التضامن الوطني أقوى من الهلوسات الطائفية !
-
من أجل تحقيق دولي في المجازر الأمريكية في الفلوجة والعراق كك
...
-
اليوم السابع للانتفاضة والغضب العراقي يعطي ثماره !
-
المبسط في النحو والإملاء : الدرس الثاني والأربعون : اسم إن و
...
-
اغتيالات ومختطفون ومذابح - غير قانونية - !
-
حقائق ومشاهدات من اليوم الخامس للانتفاضة العراقية
-
نحو تحالف سياسي يتقدم بالانتفاضة والمقاومة نحو النصر
-
الانتفاضة تتسع وبرنامجها يتقدم والاحتلال يترنح !
-
انتفاضة الصدريين أرعبت الاحتلال وعملاءه ، فهل هي بداية الثور
...
-
الإيرانيون يجرون عمليات جراحية لأنوفهم لكي لا يشبهوا العرب !
-
المبسط في النحو والإملاء الدرس الأربعون :المنصوب على التحذير
-
إعلان هام حول حملة جمع التواقيع ضد قانون إدارة الدولة الانتق
...
-
توضيح حول حملة جمع التواقيع ضد دستور بريمر !
-
المبسط في النحو والإملاء درس خاص في الإملاء:الأسماء المقصورة
...
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|