|
مجتمعاتنا لم تمر بما يسمونه مرحلة الطفوله ، وأطفالنا هم مشاريع للتخريب وليس للبناء .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2681 - 2009 / 6 / 18 - 10:42
المحور:
ملف يوم الطفل العالمي 2009 - كيف نبني مستقبل أفضل لأطفالنا؟
في مفهومي المتواضع ، لا توجد طفولة في عالمنا العربي ، ولا تحمل هذه المفردة من معنى غير انها تدل على فئة عمرية يشار لها في سجلاتنا لنعرف من خلالها عمر الانسان ليس الا .. فالطفل في بلادنا الواقعة بعيدا عن خط مسار الحضارة المتقدمه ، لا زال مجرد كيان لا تشكل حركته اليومية خطا واضحا ولا تؤطرهذه الحركة وتتحكم فيها قوانين بعينها ، فبدا ضائعا مضطربا مههوسا لا يعرف كيف يتصرف وسط سيل رهيب القوة من التغييرات اللحضية الدائرة من حوله .. ففي حين تضع الشعوب المتمدنة مسارا اجتماعيا طوعيا تسن من خلاله قوانين صارمة ، مهمتها الرئيسية هي حماية الطفل والطفوله ، تظهر من حول طفلنا وفي دواخله تأثيرات قسرية ، تقتل فيه كل ما من شأنه ان يكون صفة من صفات هذه الفئة العمرية خطرة التعامل وهشة الملمس ، والتي يسهل اختراقها سلبا أو ايجابا باعتبارها فئة لم تتسلح بعد بقوة ردود الفعل ، ولا تعرف لذاتها من معنى غير انها تبحث عن اللهو البريء والتلقي الدائم وعكس الآثار وترجمة الفعل بمثله .. وبعيدا عن الاحصاءات الرقمية والتي تطلعنا باستمرار عن حالات الطفل والمرأة في الدول الناميه حيث تتجسد اقصى الصور مأساوية حينما يكون الطفل والمرأة ضحية لذلك الاحتراب المقيت على السلطة والمال واكتساب فرص الوصول الى الغايات ، بعيدا عن تلك الارقام ، نجد بأن صور الحياة اليومية والتي نشاهد فيها اطفالنا اثناء تحركهم الاعتيادي سواء داخل اسرهم أو في الشارع او في المدرسه ، فاننا نجد الغالبية العظمى منهم عبارة عن كيانات تحكمها سلوكيات هي عدوانية في الغالب حتى عند ممارسة اللعب مع اقرانهم ، فالطفل عندنا ميال للاعتداء ، ولا يتراجع عن اي فعل من شأنه أن يمنحه فرصة سلب حقوق الاخرين من الاطفال ، ناهيكم عن سبله الاكثر عدوانية في استرجاع حقوقه هو في حالة شعورة بالغبن ، انه قلق دائما من اشياء مجهوله قد تحدث له ، فهو متوثب الاحاسيس لا يأمن لمحيطه ولا يحس بالاستقرار الا حينما ينام ، يهوى اللعب بالنار ، ويعشق المفرقعات ويحس بالفرح عندما يلقي بها على الماره ، ميال لقذف الحجارة على شبابيك وشرفات المنازل القريبه ، ويهوى الايقاع بالغير من زملائه ، اذ تصبح اية مشادة تجري امامه هي مسرح مبهج له بدل ان تكون مصدر للخوف .. المدرسة في اغلب الحالات هي اكثر مكانا يكرهه ولا يهوى التردد عليه ، والمعلم هو شخص قد يمثل له سطوة ابيه ونسخة من صورة الاصل لامه المتجبره , وكثيرا ما تراوده احلام تأتيه في المنام يرى فيه معلمه مشنوقا أو تدهسه احدى العربات .. انه بلا أصدقاء ، ومن هم قريبين منه في ساحات لعبه ليسوا الا أعداء يحسب لهم الف حساب ، يراقبهم ، يحاول الايقاع بهم ، يحذر منهم ، انه يحاول ان يكون على الدوام رئيسا للفريق ولا يقبل موقعا دون ذلك . في أحد أعياد الاضحى ارغمني جاري على ان احضر ومعي ابنائي عملية ذبحه لاضحية العيد ، ولم يحضر معي أحد منهم وقد استغرب هو لذلك ، كوني قد أضعت بنظره فرصة التطلع للدم النازف حين الذبح ، ففي تلك اللحضات تسجل للحضور اعلى درجات الثواب كما قال ، وما أرعبني حينها هو اصرار صاحبي على أن تمسك احدى بناته الصغيرات والتي لم تبلغ السادسة من العمر رقبة الشاة يعاونها اخوها الاكبر منها سنا ، ليقوم هو بحز رقبة الذبيحة امامهم ، وقد لاحظت بان اجسادهم كانت ترتعش مع ارتعاش جسد الشاة .. حاولت عبثا ان ابعدهما عن مسرح عملية الذبح ، غير ان الرجل كان مصرا على ان لا تفوت الطفلين فرصة اكتساب الاجر من حضورهما لتلك الواقعة... حينها أدركت بان تقديم الاضاحي وبهذه الطريقة هي باكورة اكتساب القدرة على استخدام السلاح الابيض لدحر اعداء العقيدة والانتصار للفضيله . ترى .. كيف لنا أن نتطلع لمستقبل زاخر بالمعاني المدنية السليمة المحتوى لطفل او طفلة في سن كهذا يداومون على ذبح خروف هو بحجم انسان وله ذات ردود الفعل لذبح بشر ، ويرون باعينهم المرعوبة كيف ينزف الدم ليضرج جسد الضحية ويساهمون في عملية سلخها وتقطيع اوصالها ؟ ! . كيف يمكن لطفل كهذا أن يفهم بان مشادة ما قد تحدث بينه وبين قرين له حينما يصبح شابا يمكن ان يجري حلها بعيدا عن استخدام السلاح ، وان شيئا آخر هو البديل الاكثر رقيا الا وهو الحوار ؟ .. أليس من المنطقي أن نؤسس لفكرة شاملة يقاس بموجبها مدى رقي مجتمعاتنا الحالي والمستقبلي لو عرفنا بان اطفالنا هم ليسوا اطفال بالمعنى المتعارف عليه ، اذ لايوجد طفل سليم البنيان نفسيا وجسديا وعقليا حينما يعرف للمخدرات طريقا وهو لم يزل في سن الثامنة من عمره ، وليس طفل بكل المقايييس ذلك الذي يهرب من مدرسته يوميا ليجوب الشوارع والازقه في حين ينعم اباه في عمله او يلهو في مشاغله الخاصه ضنا منه بان ابنه في المدرسه ، ولا تقوم المدرسة باشعار الاهل في الغالب بتصرفات الابن او البنت وغيابهما عن اغلب الحصص .. وفي الحصيلة المرعبه فان الطفل في بلادنا هو ضحية ركائز باليه من المفاهيم المعطلة للتفكير ، انه يولد مجهول المصير .. لا تدعمه قوانين بعينها تضمن له حياته بعيدا عن تقلبات القدر ، وينمو وهو في اضعف حالاته وسط ميدان هو اشبه بميدان الحرب ، مهدد في كل لحضات عمره في ان يكون ابنا لمطلقة أو يتيما او مشرد ، وفي افضل الحالات فهو اسير لنواميس وضعت له مقدما عليه ان يتلبس بها ولا يحيد عنها خشية ان يتهم ذووه بعار الخروج عن الدين ، او الافتقار الى فضيلة التربية الحسنه .. انني اشعر بالاسى حقا وانا اتطلع لطوابير الاطفال وهم يخرجون من ساحات المساجد بعد ان ترددت على مسامعهم نصوص لا يفهمونها ولا يعرفون كنه وجودها اصلا .. وحينما تسأل احدهم عما قرأ أو سمع فستجده لاهيا في مراقبة غيره من الاطفال يهوى في ان يلحق بهم لممارسة هواياته الخاصه بدلا من ان يجيبك على سؤالك ( البطران ) بنظره .. انهم يرغمونه قسرا على حفظ آيات احتار النابغون في تفسيرها واختلفوا في ايراد المعاني الثابتة لها ، ويتفاخرون في انه استطاع ان يكون حافظا لكتاب الله باكمله ويكتفون بذلك مفخرة لهم ، دون ان يسمحوا لمساحة اخرى تتبقى له لحفظ مباديء علم الجبر والتمكن من فهم اصول المنافسة العلمية ، أو التمعن في ميادين الفن السليم واتخاذ مسالك راقية في التعامل مع العالم المحيط . .. كارثة حقيقية تلك التي حلت ولا زالت تحل باطفالنا ، ولا أمل قريب في أن ينجو الطفل العربي من وضعه المزري قبل أن تنقلع مراكز التأثير المتخلفه والمعتمده على سياقات هي في الاصل بحكم الميتة وقد عافها العالم المتمدن منذ زمن ليس بالقصير .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألرشوة حلال .. والمرتشي له ثواب القبول .
-
ألعار سيبقى هو المصير المحتوم لجبهة الفكر الرجعي المقيت .
-
لمسات لشعار .. فليسقط الوطن ولتحيا المواطنه .
-
متى تنتهي عهدة الانظمة السابقه عن ما يجري في العراق اليوم ؟
-
وفاء سلطان .. مبضع متمرس ، لا زال يضرب في عمق الورم العربي .
-
أنا والأبيض المتوسط ... والمفوضية الساميه لرعاية شؤن اللاجئي
...
-
بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل ال
...
-
من منكم يعرف ( صبيحه ) ... سمراء العراق ... ضحية الزمن المكر
...
-
ما هو السبب في انقراض حضارتنا ، كما يقول أدونيس ، وماذا علين
...
-
هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فه
...
-
ألمشهد العراقي من خلال بيان نيسان للحزب الشيوعي العراقي .
-
منابر ألفتوى ألدينية وعواقب اجترار ألتاريخ ألبائس
-
تجليات فكرية من وحي الواقع .
-
معهد ألفنون ألجميلة في بغداد .. مهدد بالاغلاق وتحويله الى مؤ
...
-
ألمهندس سلام أبراهيم عطوف كبه .. ومحنته مع وزارة ألهجره وألم
...
-
مصادر فكر ألتنوير .. وضرورات ألتوحد لكسر شوكة ألمقدس .
-
الاستاذ منير ألعبيدي وعقلية ألمثقفين ألحزبيه .
-
أبشروا بزيارة قريبة لامير ألمؤمنين من ضواحي أفغانستان الى أل
...
-
هل حقا أن أمتنا قد دخلت مرحلة ألانقراض ؟!
-
آن ألاوان لاحياء ذكرى ألخالد فهد ورفاقه ، وتأسيس متحف يحكي م
...
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
المزيد.....
|