رداد السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2681 - 2009 / 6 / 18 - 10:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المثاليات هي من ستهيمن على أي اتفاق أو مشروع ، وهي مثاليات بعيد عن سياق المجتمع وتكوينه وواقع البلاد ، وبالتالي ليس من المهم أن يحل مشروع بدل مشروع بصورة سريعة ، بقدر ما يجب أن يصاغ المشروع من منطلق يراعي الواقع الوطني ، بحيث يعاد توازن القوى على نحو جوهري ، لا على النحو الخطابي الذي من السهل لأن نترنم به ، ومن السهل أن يغدو نشيدا عذبا في أفواهنا ، لكنه يطرب الآذان ولا يصنع ما نبتغيه كيمنيين.
الوطن مثال كبير والوطنية أغنية الجميع ،غير أن خيراتها لا يجنيها سوى من يتعاملون مع الوطن بذهنية ضيقة،وبتركيز متماسك "عصبية" يبعثر الغالبية إلى أشتات تتصارع ، مهووسة بالقيم والمقدسات الرنانة فيما واقعها لا يشوبه غير البؤس ولم يعد الوطن يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف ، بقدر ما كرس المسيطرون الخوف فيهم لاستثماره فيما يجعلهم غير واثقون من ذواتهم في نضالهم وفي وحدتهم لتحقيق مطلب العدل والقانون والحرية والديمقراطية، لا يمكن أن تصنع لنا المثل المجردة واقعا صحيا يقترب منها ما لم يتحرك الجميع بواقعية تتحدث بلغة واضحة لا يشوبها إبهام أو غموض ،إن هناك واقعا مرئيا لا يستطع أحدا الحديث عنه إلا بتشفير مفرط يجعل الأمور غير مفهومة ، لا يدركها إلا من يرى الواقع كما هو دون فلسفة تخرجه إلى سياق أكثر غموضا وتشعبا، إلى حيث تتعدد الآراء ويصبح الإجماع مشتتا ، لا يصنع تحولا ولا ينجز سوى رؤى غير متماسكة لا تغادر الصالات ولا تخترق جدران الحوارات كي يتفاعل الناس معها ويحولونها إلى سلوكا ، تبني نظما ومؤسسات وقيم عقلانية وإدارية أكثر فاعلية وإيجابية.
إن ما يحدثك بلغة مثالية مستفيد كبير ، وموظف يتلقى ما يجعله في حالة بذح وترف ، توافرت له ضمانات نفعية ، ليضرب قدرتك على الحديث بواقعية تفسر المظاهر والأحداث ، ويصفك بالمأزوم ، كي لا تكتب ما تحس وتلمس ، وترى ، إن هؤلاء من طبقات أدنى ومن جغرافيا مسحوقة ومرحوقة ومستخدمة دوما في عملية تمتين هذا الوباء ، لكنه وجد مكمن وجود وفر له حياة مترفة ، ووجد مثالا مستساغا يظهره كمدافع عنه ، مع أنه يدافع عن دعاة المثل ورعاة التخلف والجهل ، الذين يلعبون بالمثل كستار يجعل مصالحهم ونفوذهم وسيطرتهم في ديمومة وتجدد .
هؤلاء تعرفهم بسيماهم من أثر التخمة ، حين تتحدث بواقعية فأنت حاقد على الوطن ، ومريض نفسي وأجير قوى تعادي الوحدة ، وعدواني ، وما إليها من التهم الجاهزة التي تتغير بحسب الحاجة ومدى فاعليتها ، لكنك تظل وفيا لقلمك ممسكا به تسحرك رائحة الحبر، كنوارس برية تعشق أريج السماء الطلق.
-----------------------------
*صحفي يمني
#رداد_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟