|
الإعلام العربي بين التنوير والتغريب
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 2691 - 2009 / 6 / 28 - 08:45
المحور:
الصحافة والاعلام
لا يمكن لأي إعلام حقيقي أن يقوم بأدواره المنتظرة منه بدون أن يرتكز إلى أسس وأهداف مجتمعية حقيقية. فالإعلام لابد وأن ينبع في توجهاته من السياق المجتمعي المحيط به. وإذا كانت هناك مشتركات إنسانية عامة سواء على مستوى الشكل الإعلامي أو المضمون فإن هذا لا يتعارض مع الارتباط بخصوصية المكان وثقافته وقيمه المجتمعية المختلفة. وأغلب الظن أن الإعلام المرتبط بسياقه الجغرافي هو الأكثر قدرة على التأثير والتنوير الشاملين. وحتى يستطيع الإعلام أن يؤثر مجتمعيا فإنه في حاجة لأن يكون على دراية بالاحتياجات المختلفة للسياق الاجتماعي. وبدون التعرف الجيد على خارطة الأوضاع الاجتماعية فإن ما يقدمه الإعلام يصبح مجرد محاولة لسد الفراغ أو محاولة لتحقيق مآرب أخرى ليس من بينها مصالح الشعوب أو الجماعات والتشكيلات الاجتماعية المختلفة. وللأسف الشديد يمكن أن ينسحب ذلك على حال الإعلام العربي الراهن. فالملاحظ أن الإعلام العربي لا ينطلق من حاجات الجماهير العربية الملحة والمزمنة، بقدر ما ينطلق من خريطة المصالح السياسية الضيقة المحلية أو الإقليمية. ومن أهم الجوانب التي كان من المفروض أن يتعامل معها الإعلام العربي بشكل واضح وجلي مسألة التنوير، وهي مسألة على قدر كبير من الأهمية في ظل مستويات تعليمية منخفضة، وفي ظل تردي حالة الوعي الجماهيري العربي. فقد كان من المأمول به أن ينجح الإعلام العربي في نشر حالة وعي عامة في المنطقة يمكن من خلالها الارتقاء بمستوى المواطن العربي بما يمكنه من فهم القضايا المختلفة المحيطة به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما يمكنه من الفهم الواعي والبناء للقضايا الإقليمية المحيطة به. كان من الممكن أن يلعب الإعلام العربي هذا الدور بدرجة كبيرة من التأثير على أعداد غفيرة من الجماهير العربية بحكم مساحة تأثيره وبحكم سهولة انتشاره والتنوع الواسع المدى المرتبط به. لكن من الملاحظ أن الإعلام العربي ارتبط منذ بداياته الأولى بالدولة التي حددت ضوابطه المختلفة، وصادرت إمكانيات حرية حركته، وهو ما جعل الإعلام العربي منذ بداياته خاضعا لسلطة الدولة وتوجهاتها السياسية. ومن اللافت للنظر أن الكثير من الدول في عالمنا العربي قد أسست مؤسسات إعلامية لم تكن في حاجة إليها، لكن التأسيس جاء مثله مثل غيره من رموز الوجاهة السيادية مثل النشيد القومي والعلم والجامعات وغيرها الكثير من متطلبات إنشاء الدولة الحديثة والعصرية. وهو ما صبغ هذه المؤسسات بالطابع الحكومي الرسمي، كما صبغها بطابع العجلة في التأسيس بدون خطة عمل واضحة، وبدون توجهات حقيقية. ورغم الدور المتعارف عليه من جانب هذه المؤسسات الإعلامية المرتبط بخدمة الدولة والحاكم والإعلاء من شأنهما، فإنه وفي معظم الدول العربية لم يطور الإعلام نفسه ليؤسس منظورا تنويريا حقيقيا بمعزل عن رقابة الدولة وتأطيرها الرسمي ورقابتها الصارمة. ورغم ما قدمته بعض المؤسسات الإعلامية فيما بعد إنشاء الدولة القومية من جهود هائلة من أجل محاولة تأسيس إعلام عربي واعي وبناء إلا أن الهيمنة الهائلة من جانب الدول والحكومات العربية على عمل معظم هذه المؤسسات لم يؤدي إلى تطوير عمل إعلامي عربي حقيقي على مستوى التنوير والنهضة. وإن كان في المقابل قد أنتج كوادر مهنية على مستوى عالي من الحرفية والابتكار، لكن ضمن مواضعات الدولة أو المؤسسات التي ينتمون إليها. كما أن الخلافات بين الدول العربية طوال العقود الماضية لعبت دورا كبيرا أيضا في تحول الإعلام الرسمي إلى مجرد بوق للدولة من أجل الدفاع عنها في مواجهة الأبواق الأخرى التي تحاول النيل منها أو من حكامها. ورغم تلك الأوضاع التي اتسمت بالصراع بين بعض الأنظمة في عالمنا العربي في العقود الماضية، فإن الإعلام العربي قد حافظ على قدر ما من الاتساق على الأقل أمام الجماهير العربية، وبشكل خاص تجاه القضايا المصيرية الكبرى مثل الصراع العربي الإسرائيلي، ومقاومة الاستعمار، ودعم خطط التنمية. لقد دار الإعلام العربي في ذلك الوقت بدرجة أو بأخرى حول تلك القضايا ولم يحاول أن يكشف وجهه أمام شعوبه، فقد كان هناك قدر ما من الحياء يمنع الإعلام العربي من الحديث عن أي من هذه القضايا بشكل يجعله يبدو أمام الجماهير ممالئا لإسرائيل أو مدافعا عن أميركا أو معارضا للتنمية والتقدم والتحرر. حتى أكثر الأنظمة السياسية محافظة، وربما جمودا، لم يجرؤ إعلامها على التنصل من تلك المواجهات، وحافظ على قدر ما من الالتزام السياسي والوجاهة الأيديولوجية. ومع قدوم ثمانينات القرن الماضي، وتحولات الثروة في العالم العربي، وبداية تحويل المنطقة برمتها نحو الليبرالية الأميركية بشقيها السياسي والاقتصادي، أخذ الإعلام العربي منحى جديد نحو التغريب وعدم الاكتراث بأي من القضايا العربية المصيرية. وهو ما يستدعي توضيحا يتعلق بآليات هذا التحول، والكيفية التي فرض بها هذا الإعلام نفسه على شعوب المنطقة، وطبيعة القضايا الجديدة التي يدافع عنها أو يروج لها في المنطقة.
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية على الإنترنت
-
عناصر القوة الأميركية
-
عناصر الضعف الأميركي
-
مسألة التعويضات وتسعير الضحايا
-
المتحدث الرسمي باسم الحكومة
-
واقع التنظير في العلوم الاجتماعية والإنسانية
-
صورة أميركا في العالم العربي
-
محمود أمين العالم: مناضل من الزمن الجميل
-
البلطجي والضحية والمتآمرون!
-
استهجان المقاومة في غزة!!
-
لماذا لن يحدث سلام مع إسرائيل؟
-
تجسير الفجوة بين المثقفين!!
-
هل لدينا أجيال جديدة؟!
-
ثقافة -الإيمو-
-
-عايزة أتجوز-
-
عبء التاريخ
-
صورة الذات
-
المعنى العميق للثقافة
-
المعارك الصحفية في عالمنا العربي
-
حالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|