|
الإصلاح الزراعي... الثاني 1 2
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17 - 08:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقول المادة 37 من الدستور ما يلي بالنص: »يعين القانون الحد الأقصي للملكية الزراعية، ويضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال«. وبناء علي ذلك فإن تعريض الفلاح والعامل الزراعي لأي نوع من أنواع الاستغلال يكون مخالفا للدستور الذي هو »أبو القوانين«. والسؤال الآن هو: هل التلويح بتحويل ملفات آلاف الفلاحين المتعثرين والعاجزين عن تسديد مديونياتهم لبنك التنمية والائتمان الزراعي، إلي القضاء، بما يتضمنه ذلك من احتمالات قوية لحبس بعضهم أو معظمهم، يمثل اهدارا لهذا الحق الدستوري في ضمان »حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال«؟! والسؤال الثاني هو: هل يمثل هذا الموقف من الفلاحين المتعثرين خرقا للمادة 40 من الدستور التي تنص علي أن »المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة«؟! الاجابة التي يقدمها بنك التنمية والائتمان الزراعي بصورة خاصة، والحكومة بشكل عام هي: »لا«. فالمسألة من وجهة نظره ليست سوي قضية قروض.. وأن هذه القروض هي أموال المودعين التي يجب الحفاظ عليها واستردادها من الذين أخذوها وأخلوا بالشروط التي سبق لهم الموافقة عليها للحصول عليها وأن بنك التنمية والائتمان الزراعي حسب ما نسب إلي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أمين أباظة سينتهي أمره إذا قدم كل تلك التيسيرات من حين لآخر وأن هذا الملف »اتقفل ومش هنفتحه تاني«. وأكثر من ذلك فإن الحكومة قد راعت ظروف الفلاحين، وقامت بأكثر من مبادرة لتخفيف أعباء هذه الديون عنهم آخرها قرار الرئيس حسني مبارك في 21 فبراير الماضي باعفاء صغار المزارعين، الذين يصل أصل الدين في القرض الممنوح لهم إلي 25 ألف جنيه ويملكون أراضي لا تزيد مساحتها علي خمسة أفدنة، من نصف ديونهم المستحقة لبنك التنمية والائتمان الزراعي، مع اتخاذ التدابير اللازمة لتحمل الخزانة العامة هذه الاعفاءات، وسرعة حل مشكلات المتعثرين من قروض البنك، وتوفير جميع التيسيرات لسداد ديونهم، البالغة أكثر من مليار و900 مليون جنيه، وذلك من خلال شطب 50% من هذه الديون، والتزام الحكومة بأن تتحمل حوالي 800 مليون جنيه منها 300 مليون جنيه يتحملها بنك التنمية و500 مليون جنيه تم توفيرها من وزارة المالية. وأشار وزير الزراعة إلي أن آخر مهلة للفلاحين المتعثرين ستكون نهاية هذا الشهر »يونية 2009« ولن تكون هناك مهلة أخري »تم تمديدها إلي نهاية العام«. يعني باختصار.. أن المسألة من وجهة نظر الحكومة مسألة »قروض«، وأنها تحافظ علي أموال المودعين، وأننا يجب أن نشكرها علي ذلك. وهذا صحيح من وجهة نظر مصرفية بحتة. لكنه غير صحيح علي الاطلاق إذا وضعنا القضية في سياقها الاجتماعي والاقتصادي الأشمل. فالسؤال الأول الذي يطرح نفسه بهذا الصدد هو: لماذا تعرض آلاف الفلاحين للتعثر والعجز عن سداد القروض الهزيلة التي حصلوا عليها من بنك التنمية والائتمان الزراعي؟ لو أن المسألة تتعلق بواحد أو عشرة أو مائة فلاح لقلنا أنه خطأ هؤلاء الأفراد وسوء إدارتهم لشئونهم المالية لكن أن يكون هذا هو الوضع بالنسبة لنحو 150 ألف فلاح فإننا نكون إزاء »ظاهرة« عامة، لابد أن يكون لها أسباب »موضوعية« أخطر كثيرا من النزوات »الذاتية« وهناك بالفعل قائمة طويلة من هذه الأسباب أقلها يتعلق ببنك التنمية والائتمان الزراعي، وأكثرها يتعلق بالسياسات العامة المتبعة في ظل حكومات متعاقبة اختلفت عن بعضها في أمور كثيرة ولكنها اتفقت معظمها علي اضطهاد الفلاح. وقد وصل هذا الاضطهاد إلي درجات لا تطاق خاصة بعد التحول إلي اقتصاد السوق وتراجع دور الدولة الائتماني والانتاجي والتسويقي في مجال السياسات الزراعية، لصالح حفنة من المحتكرين الذين استفادوا من الغاء الحكومة الدعم علي مستلزمات الإنتاج الزراعي وترك الفلاحين نهبا لفوضي سوق عشوائي، وتحرير سعر الفائدة علي القروض الزراعية الائتمانية، وتفكيك المؤسسات النقابية والتعاونية الفلاحية. وكانت نتيجة ذلك - اجتماعيا - زيادة معاناة الفلاحين، كما كانت نتيجته اقتصاديا تدهور الإنتاج الزراعي واستفحال الفجوة الغذائية وزيادة الاعتماد علي الاستيراد من الخارج. ثم جاءت ممارسات بنك التنمية والائتمان الزراعي لتزيد الطين بلة، وبعض هذه الممارسات ليست سياسات رسمية وانما هي تصرفات فاسدة لموظفين صغار وكبار في البنك وفروعه تستغل الأمية المتفشية في صفوف الفلاحين لاستغلالهم بصورة بشعة، أما الممارسات التي تنتمي إلي السياسات الرسمية للبنك فإن الكثير منها أصبح يفتقر إلي البعد الاجتماعي، وإلي الرؤية الأصلية التي من أجلها ثم انشاء البنك، الذي تحول رويدا رويدا إلي بنك تجاري تقريبا أو يكاد. وحتي في التعامل مع مأساة تعثر هذه الآلاف المؤلفة من الفلاحين فإن البنك تصرف كبنك تجاري مائة في المائة، ونسي انه ذو طبيعة خاصة. بل ان ما هو أسوأ أن البنوك التجارية تعاملت مع المتعثرين من رجال الأعمال بصورة أفضل، فوفقا للمبادرة المدعومة من البنك المركزي قامت البنوك باعفاء المدينين الذين تقل مديونياتهم عن نصف مليون جنيه من 75% من إجمالي الدين، و70% ممن تقل مديونياتهم عن مليون جنيه شرط دفع النسب المتبقية نقدا في موعد محدد. وأعلن الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي أن هذه المبادرة يستفيد منها 13 ألف عميل، بينهم 10200 عميل جري تحويلهم بالفعل إلي المحاكم لتوقفهم عن السداد، وأضاف أن جملة المديونيات لهذه الشريحة من صغار المتعثرين تصل إلي 1،5 مليار جنيه، موضحا أن الهدف من هذه المبادرة هو اعادة 13 ألف منشأة متنوعة النشاط إلي الحياة بما يخدم 50 ألف شخص يعملون بها، كما أن التسويات التي قامت بها البنوك للعملاء المتعثرين أسفرت عن الإفراج عن 31 عميلا من السجون صدرت ضدهم أحكام قضائية بالإضافة إلي ايقاف الإجراءات القانونية ضد 4318 عميلا. فإذا كان هذا ما حدث مع رجال الأعمال الصغار، ناهيك عن رجال الأعمال الكبار، فإنه لا يقارن بالتعنت الذي يحدث مع الفلاحين الغلابة الذين تقل أصول مديونيات معظمهم عن 10 آلاف جنيه! فأين المساواة - التي ينص عليها الدستور - بين كبار المستثمرين الذين يتم اعفاؤهم من 75% من ديونهم للبنوك والتي تصل إلي مليون جنيه، في حين يتم الزج بالفلاحين إلي غياهب السجون بسبب تعثرهم في سداد قروض تافهة لا يزيد معظمها علي 30 ألف جنيه. حتي أن أحد أقطاب الحزب الوطني الحاكم، وهو عبدالرحيم الغول، اشتكي تحت قبة البرلمان من »سياسة الكيل بمكيالين التي تجري الآن في التعامل مع الفلاح« محذرا من أن هذه السياسة »قد تؤدي إلي عواقب وخيمة«. ولاحظ الغول أن »مختلف دول العالم تدعم إنتاجها الزراعي بشكل مباشر وغير مباشر بعكس الحال في مصر حتي أصبح الفلاح أقل من موظف درجة عاشرة، والمستوي الاقتصادي للفلاحين أصبح يسير من سيئ لأسوأ، فبدلا من السعي قدما في دعم الإنتاج الزراعي والأخذ بيد الفلاح نقوم بالقبض عليه وزجه في السجون، عكس علية القوم الذين يقترضون ما يشاءون من البنوك الأخري.. وفي النهاية نفرش لهم الأرض ونعقد معهم الصفقات التي تسقط 75% من ديونهم.. أليس من الأولي تقديم هذه التسهيلات وهذا الدعم للفلاح الذي يحمل عبء 70% من اقتصاد مصر؟«. هذه شهادة أحد قيادات الحزب الوطني الحاكم وليس أحد الشخصيات المعارضة، ولهذا فإنها تستحق الالتفات بشدة إلي كل كلمة فيها. وللحديث بقية
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطبيع .. وسنينه
-
خطاب ليس ككل الخطابات »2«
-
خطاب ليس ككل الخطابات (1)
-
الحرب الأهلية الصحفية .. الجديدة!
-
اقتصاد المعرفة: سلاح الأغنياء وأمل الفقراء (1)
-
اقتصاد المعرفة: سلاح الأغنياء وأمل الفقراء (2)
-
»الخصخصة« و»الفلفصة« »1«
-
-استثمار- الموت
-
دورة الزمان: من ترومان إلى أوباما!
-
مصريون -مع- التمييز!
-
مصريون ضد التمييز
-
نبيل العزبى وجمال أسعد.. ثنائية النجاح فى عيد أسيوط القومى
-
الطوفان.. قادم
-
وهابيون.. حتي في الكنيسة القبطية
-
-الست هدى- .. مرأة حديدية أقوى من فاروق حسنى!
-
أدب السجون: كتابات تقشعر لها الأبدان!!
-
عبدالملك خليل
-
إعطنى هذا الدواء
-
إمسك .. بهائى!
-
سيادة النائب العام.. شكرًا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|