محيي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2676 - 2009 / 6 / 13 - 08:29
المحور:
ملف يوم الطفل العالمي 2009 - كيف نبني مستقبل أفضل لأطفالنا؟
" اهمال الطفولة تهديم مسبق لمستقبل العراق.. بلدا وشعبا "
قد لايدرك المعنيون بالواقع العراقي الراهن وهم في خضم الفوضى والارباك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي , ان ثمة خطر يهدد مستقبل العراق برمته . قد لا يدرك هؤلاء انهم ومهما اجتهدوا وحققوا بجهدهم, كل اهدافهم التي ارادوها , يظل عملهم انجازا منقطعا, "يقف على فراغ" وهو مهدد بالضياع الكامل في قابل الايام . بسبب الغفلة والاهمال اللتين تعاني منهما الطفولة العراقية التي تمثل المستقبل كله . واذا كان حال الانسان الراشد هو شاغل صاحب القرار السياسي والثقافي والاجتماعي العراقي, لان هذا الراشد هو الفاعل المباشر في الحياة العراقية المعاصرة والضاغط على صاحب القرار, فان المستقبل سوف لن يكون لهذا الراشد بل سيؤول الى انسان آخر هو "طفل اليوم" الذي يعاني من انعدام او نقص الخطط والبرامج والاليات التي تسمح له بان ينشأ وينمو بطريقة صحيحة ومعاصرة, تتوفر فيها كافة احتياجات الطفل, ليكون رجل المستقبل المؤهل للقيام بدوره الكامل والصحيح في بناء بلده , لا بل ان العيوب والمشاكل المستعصية حاليا والتي يعاني منها المجتمع العراقي وتهدد وجوده , قابلة للاختفاء تماما بل والانقلاب من مشاكل الى ثيم ايجابية تصب في قوة النسيج الوطني العراقي وتخلق خواصا جديدة سيتمتع بها الانسان العراقي في علمه وعمله وسعيه الى التقدم العلمي والتكنلوجي والتحضر الانساني , هذا اذا تم الانتباه للطفل العراقي واُعدت له كافة السبل والوسائل الحديثة في التربية والتعليم والثقافة والترفيه وكما هو الحال في الدول المتقدمة .
نعم , يوجد في العراق تعليم يناله غالبية الاطفال ولكنه تعليم متخلف بالمقاييس الدولية المعاصرة . ونعم , توجد في العراق تربية ولكنها اكثر تخلفا واعظم خطرا من التخلف في التعليم , ولكن الاكيد انه لاتوجد ثقافة واعلام يُعنيان بالطفل , وثقافة الطفل يعدها مختصون بانها الاهم, ذلك لانها المادة والوسيلة والاداة التي يمر من خلالها التعليم والتربية معا , ناهيك عن كونها مادة بناء راقية للذات الصغيرة , بناء فكريا وحسيا يعمل على رفع قدرات الطفل على صياغة حياة افضل واكثر رقيا انسانيا وعلميا في المستقبل . امّا صحافة الطفل فتعد معدومة بالمقاييس الوظفية لهذه الصحافة حسب ما معمول بها في العالم المتقدم , اما ثقافة الطفل فهي اكثر انعداما من الصحافة . اذ ليس هناك اية مواد ثقافية مدروسة علميا تقدم للطفل , مواد تعمل على توسعة مداركه وافق خياله وتحرضه على الانجذاب نحو الابداع والتميز في العطاء . فلا توجد مكتبات ثابتة او متنقلة تتوفر فيها الكتب المقروءة والمسموعة والمرئية المسموعة المناسبة "انقرائيا" للطفل وهي تحمل موادا يحتاجها هذا الطفل في حياته لينمو نموا صحيحا وصحيا , وتنعدم المسارح وورش العمل في الفنون والاداب والعلوم ووسائل المختلفة التي تغذي ذات الطفل . لا بل وجدنا مديريات التربية تحارب مثل هكذا ثقافة ووسائل . ولا توجد مراكز ثقافية للطفل تدرك وتعمل في هذا الاتجاه ولديها الخطط والستراتيجيات المناسبة وتتوفر لديها الامكانيات المادية والمعنوية والخبرات الكافية . ان حال الطفل وثقافته في العراق " هذه الايام " وكانها زائدة عن الحاجة , وينظر اليها اغلب المعنيين بالشأن العراقي وكانها قضية ترف .
وفي ظل هذه الحال تنبغي الاشارة الى اهتمامات شخصية بالطفل من لدن كتاب ومثقفين ومعنيين يعدون على على الاصابع كم يقول المثل . ومن اجل الاطلاع على هولاء والوقوف على عملهم ومعاناتهم ذهبنا الى محافظة كربلاء للتعرف على دار ثقافة الطفل فيها, والتقينا مدير الدار وهو القاص والروائي والناقد جاسم عاصي . الذي وجدناه في غرفة اضيق من ان تتسع له ولمن معه من العامليين , وسالناه عن هذه الدار فقال :
ـــ أقيم فرع دار ثقافة الطفل في كربلاء في تموز 2008وقد عـُيـّنت مسئولا ً عنه . بعد ذلك رُفد الفرع بثلاثة موظفين نـُقلوامن دار ثقافة الأطفال في بغداد . وكانت مشكلة الفرع عدم وجود مقر له ، فسعينا للحصول على مكان نبدء فيه عملنا وبعد جهد جهيد حصلنا على غرفة ضمن البيت الثقافي في المحافظة . وبدأنا العمل فيها ولكننا لم نتوان عن البحث عن مقر مناسب لنا حتى ً حصلنا على دعم السيد محافظ كربلاء السابق الدكتور عقيل الخزعلي ، فاستطعنا استقطاع مساحة من البيت الثقافي بقياسات 9×3 م . وأثثناها "كمقر لنا" بالضروري من الأثاث .
وعن أهداف الدار قال عاصي :
تهدف الدار الى احتضان الأطفال ذوي المواهب سواء كانوا في رياض الأطفال او المدارس الابتدائية ومن تلك المواهب, الرسم وكتابة القصة والشعر والخطابة وتلاوة القرآن الكريم والمسرح وإلى غير ذلك من فنون التعبير الخاصة بالأطفال . واستطعنا توفير الاجواء المناسبة بجهود مضنية ، من خلال أقامتنا لعلاقات واسعة مع المدارس ، ولمسنا بعدها تجاوبا ًمرْضيا من التلاميذ ومعلمي التربية الفنية ، وكان ذلك من خلال استجابتهم لإقامة المعارض الخاصة بالفن التشكيلي ، الذي ينفذه الأطفال .
وعن الانجازات التي حققتها دار ثقافة الطفل في كربلاء يقول جاسم عاصي
:ـــ إن ما أنجزتاه من أعمال يتركز في :
إقامة حفل افتتاح حضره أكثر من مائة طفل ، وشاركتنا روضة ومدرسة التكامل في تنفيذ فعاليات الحفل . وقد كرمنا أكثر من ستين طفلا ً بهدايا مناسبة . وتم في هذا الحفل القيام بفعاليات, منها الخطابة والأناشيد الوطنية والدينية ، وإقامة معرض ضم أكثر من ثلثمائة لوحة معدة بشكل جيد من قبل الاطفال وقسم منها مزجج .
وأقمنا معارض دائمة وما زالت لدينا في مقر الدار بعض لوحات الأطفال .
واستحدثنا هوية خاصة تحت تسمية ( هوية أصدقاء دار ثقافة الطفل ) والآن لدينا أكثر من ثمانين عضوا ً .
وشاركنا في حفل أقامه تيار الإصلاح للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، وقد كانت مشاركتنا بإقامة معرض تشكيلي أحتوى على مائة وخمسين لوحة من رسوم الاطفال . كما قدمنا فلما ً للأطفال من خلال جهاز( الداته شوب ) .
وسنشارك بخمسين لوحة في معرض سوف يقام في حدائق الزوراء بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي تقيمه دار ثقافة الأطفال ــ المركز العام في بغداد .
وهيئنا مكتبة متواضعة لكتاب الطفل ، ضم عددا ً من مطبوعات الدار .
وسوّقنا مطبوع مجلتي والمزمار ، وخلقنا إقبالا ً على اقتناء المطبوع . وقد كان الإقبال كبيراً .
ماهي الأهداف المستقبلية للدار ؟
الأهداف المستقبلية ؛ هي توفير مكان أوسع من أجل توسيع النشاط ، سيّما في نيتنا إقامة ورشات عمل لتدريب الأطفال في المجالات الفنية والأدبية ، وقد استجاب الحزب الدستوري في المحافظة "مشكورا" لتوفير المكان لمثل هكذا فعالية ، وابدوا استعدادهم لتقديم كل ما يـُسهم في إنجاح مثل هذه الفعاليات وسنباشر في التنفيذ اثناء العطلة الصيفية . وقد اعددنا برنامجا فنيا سنقدم فيه عروضا ً سينمائية ومسرحية للأطفال وخاصة مسرح الدمى ً .
وعن العلاقة بين الدار في كربلاء والمؤسسات الرسمية في بغداد قال عاصي :
العلاقة بمؤسسات الدولة منعدمة تماما ً . كما وأن العلاقة مع وزارة الثقافة لا تتعدى الجانب الإداري فقط ، فليس هناك ثمة دعم مالي للدار التي تحتاج لرعاية خاصة ، في ظروف تبلبل فيها عقل الإنسان العراقي الراشد ، فكيف بالطفل الذي انعدمت في حياته كافة المصادر الثقافية التي تحصنه ضد هذه البلبلة والانقسامات والصراعات التي لا تخدم العراق كبلد وشعب بل ولا تنسجم مع توجه البلاد الديمقراطي والانساني.. هذا ناهيك عن انعدام وسائل الترفيه التي تُعد حاجة ملحة وضرورية جدا وخاصة في هذه الظروف ....؟!
نستشف من حديث الاستاذ جاسم عاصي مدير دار ثقافة الطفل في كربلاء, الذي بدا متغاضيا عن كثير من حاجات الطفولة ربما لقناعته بما حققه او لانه لا يريد توجيه اللوم للحكومة والمعنيين كما يحدث من لدن تجار الانتقادات والخطب الرنانة الفارغة من تقديم الحلول . نستشف من هذا الحديث مقدار العوز الثقافي والمالي والاداري والتخطيطي الذي تعاني منه ثقافة وصحافة الطفل العراقي في المراكز المعنية بالطفولة فما بالك في ميادين الحياة الاخرى كالاسرة والمدرسة والشارع والحي والمدينة ووسائل الاتصال والاعلام المختلفة ! وفي اطلالة قصيرة على برامج عمل المجالس التشريعية العراقية كافة محلية ومركزية وبرامج وخطط الحكومات المحلية والمركزية سوف لا نجد شيئا يُذكر يُعنى بالطفولة العراقية واذا جرى حديث بهذا الخصوص فهو حديث خجول ومحدود ولا يلقى صدى يُذكر . وعليه يجب التنبيه الى خطورة الاهمال والتقصير الذي يواجهه الطفل العراقي في بناء شخصيته . لان أي تقصير من هذا النوع انما يعني تقصيرا خطيرا في بناء مستقبل البلاد برمتها وبالتالي هو نوع من التهديم المسبق للشخصية العراقية التي يأمل العراقيون الوطنيون المخلصون بناءها بناء سليما ورصينا يكفل للعراق مستقبلا يُعز به العراق كبلد ويُعز فيه العراقيون كشعب متحضر يضاهي شعوب العالم المتمدنة
#محيي_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟