صلاح الانصارى محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2676 - 2009 / 6 / 13 - 04:48
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
لم ينل اضراب من الاضرابات التى حدثت فى هذه الفترة - وهى كثيرة – من الاهتمام وعناية الراى العام والصحافة . مثلما نال اضراب عمال شركة الحديد والصلب بحلوان عام 1989 .
" جمال البنا – الحركة النقابية المصرية عبر مائة عام صـ 585 "
زكى بدر يقود عملية الاقتحام بنفسه ويقول : اذا مات 250 عاملا نجحت العملية .
" جريدة الشعب 8 اغسطس 1989 "
مدخل :
لعمال الحديد والصلب بحلوان تاريخ طويل من الكفاح المطلبى والنضال من اجل انتزاع حقوقهم وتحسين شروط وظروف عملهم ورفع مستوى معيشتهم , ولم يكن اعتصام اغسطس 1989 هو الاعتصام الوحيد فى تاريخ الحركة العمالية بالشركة التى بدأت انتاجها فى عام 1957 اى بعد العدوان الثلاثى على مصر بعام واحد . بل سبقه بـ 18 عام اعتصام شهير فى عام 1971 والذى حقق نجاحات فى اقرار بدل طبيعة عمل لعمال الحديد والصلب , وبهمنا ان نبرز موقف التنظيم النقابى الرسمى من الحركة الاحتجاجية للعمال فى ذلك الوقت , ويكفى هنا ان نشير الى تصريح "صلاح غريب" رئيس الاتحاد ووزير القوى العاملة انذاك حيث نشرت له جريدة الاهرام بتاريخ 31/8/1971 يعلن استياءه من القلة من العمال الذين اتخذوا هذا الموقف الخاطىء " يقصد الاعتصام" ؟!
ولم تكن المرة الاولى التى تواجه بها الاضرابات بارهاب المضربين , ففى عام 1975 فى شهر مارس اضرب عمال المحلة الكبرى . فقد ادى الامر الى (( استخدام الدولة لطائرات مقاتلة اخترقت حاجز الصوت لارهاب المضربين , لكن اهل المدينة تصوروا من هول الفرقعة وتحطيم الزجاج والنوافذ ان الطائرات تقصف المصنع بالقنابل .. " جمال البنا / نفس المصدر " صـ 575
وما نريد ان نلفت النظر اليه , هو ما جاء على لسان وزير الداخلية " زكى بدر " يوم الخميس الموافق 27 يوليو 1989 - قبل اعتصام الحديد والصلب بثلاثة ايام - فى كلمته التى القاها فى حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط بأكاديمية الشرطة وهو الحفل المذاع على الهواء عن طريق الاذاعة والتلفزيون ما نصه :
((نحن لا نتردد فى " طلقة قاتلة " نوجهها الى صدر " شقى " يستحق الموت , بحق المجتمع وبنص القانون وهو قول خطير يجاهر به الوزير المسئول عن جهاز الشرطة الذين يحملون السلاح لحماية الشعب فى حدود القانون والشرعية )) .
- وكانت الرصاصة القاتلة فى صدر شهيد الحديد والصلب العامل " عبد الحى السيد " , اخترق العيار النارى الصدر وادى الى تهتك الرئة اليسرى وفق ما جاء بتقرير الصفة التشريحية الابتدائى فضلا عن اصابة عدد اخر من العمال .
" راجع مقال الدكتور محمد حلمى مراد فى جريدة الشعب 8 اغسطس 1989 .
الحديد والصلب والموقع الجغرافى :
قبل ان يأتى شهر مايو من عام 1954 , لم تكن التبين سوى قرية من قرى محافظة الجيزة , تقع جنوب حلوان بحوالى عشرة كيلومترات , لكن فى السابع والعشرين من مايو من نفس العام صدر مرسوم جمهورى بانشاء شركة الحديد والصلب المصرية فى التبين . وهى الان احد احياء المنطقة الجنوبية لمحافظة حلوان , ولقد سميت بهذا الاسم لانها كانت مكان لتجهيز التبن وربطه واعداده لطعام الخيول الخاصة بالاسرة الملكية وسلاح الخيالة قبل ثورة يوليو 1952 .
ولا تقتصر التبين الصناعية على مصنع الحديد والصلب بل اقيمت فيها العديد من المصانع (شركة الكوك – المطروقات – العامة للمعادن – القاهرة للمنتجات الصناعية ) فضلا عن مصانع الطوب ومحطة الكهرباء . وأقترن انشاء المصانع بانشاء المدن السكنية للعمال حيث مساكن المرازيق ومساكن الصلب القديمة ومساكن الصلب الجديدة , واقامة العديد من المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم والمدارس الصناعية ومركزا للتدريب المهنى , وجمعية استهلاكية ونادى للشركة ومعهد للدراسات المعدنية ومركزا للفلزات . ونظرا لوقوع الحديد والصلب فى هذا الموقع الجغرافى فقد كانت عمالته تاتى من المناطق المحيطة بالتبين فى غرب وشرق النيل وحلوان والقاهرة .
كل هذه العوامل ساعدت بشكل ايجابى لخلق طبقة عاملة صناعية جديدة . اخذ يتشكل وعيها تدريجيا .
الواقع النقابي
شهدت الحديد والصلب جمودا فى العمل النقابى حيث استمرت الدورة النقابية من عام 1964 حتى عام 1971 , مدا غير مبررا فى استمرار دورة كل هذه السنوات . مما ادى الى عدم وجود قيادات نقابية جديدة , فضلا عن وجود الالاف فى صفوف القوات المسلحة بعد هزيمة 1967 وحتى انتهاء حرب اكتوبر 1973 , وكان الهم الوطنى هو الشاغل للعمال الموجودون بالعمل , ويعملون الى جانب انتاجهم انتاجا اخر للمجهود الحربى حيث ساهمت الحديد والصلب بمد القوات المسلحة بما يقدر بـ 100.000 طن من الحديد والصلب , لبناء منصات الصواريخ و دشم الطائرات وملاجىء الجنود – يؤكد ذلك خطاب الرئيس السادات فى خطابه فى عيد العمال 1 مايو 1974 . وخطاب الرئيس مبارك فى 6 أكتوبر 1992 –
وجاءت الدورة النقابية " 1976 – 1979 " ولاول مرة تشهد الحديد والصلب برنامج انتخابى لسبعة من العمال اطلقوا على انفسهم السبعة الاحرار .
بلوروا مطالب العمال فى عدة نقاط , وتنامى الوعى العمالى فى انتخابات عام 1979 للدورة النقابية التى تنتهى عام 1983 وجاءت البرامج متعددة تحمل المطالب العمالية بتوسع وهى الانتخابات التى احدثت تغييرا لاشخاص نقابية قديمة لتأتى بوجوه جديدة شابة , وحدث خلال هذه الدورة حدثا هاما على المستوى العمالى والوطنى ضد تطبيع العلاقات مع اسرائيل حيث رفض العمال ولجنتهم النقابية زيارة " اسحاق نافون " رئيس اسرائيل الى مصنع الحديد والصلب فى نوفمبر 1980 , وهى الدورة التى قدمت اول نظام للمندوبين النقابيين لاتساع دائرة ممارسة النشاط النقابى وخلق صف ثان من النقابيين . حيث تم اختيار مندوب يمثل كل مائة عامل بالانتخاب .
وجاء مؤتمر الانتاج الثانى الذى عقد فى مايو 1982 بمشروع لائحة نوعية خاصة تحقق العدالة لعمال الحديد والصلب كما هو مطبق فى قطاع البترول وقناة السويس , والتلفزيون والبنوك . نظرا لتسرب العمالة لدول الخليج والعراق والسعودية وغيرها بحثا عن رفع المستوى المعيشى . فنظام المندوبين عكس مطالب العمال بشكل ضاغط على اللجنة النقابية مما جعلها تفض هذا النظام الديمقراطى الوليد.
وبدأت تعكس تصرفات العمال ونشاطهم ترجمة حقيقية لاوضاعهم المعيشية . فقد انتشرت ظاهرة التجارة داخل المصنع رغبة فى زيادة دخلهم وحول نسبة من سكان مدينة الصلب البلكونات فى الادوار الارضية الى دكاكين لبيع مواد البقالة والصابون والسجاير والمرطبات , فضلا عن زراعة الارض المحيطة بالبلكونات بالجرجير والبقدونس والنعناع وبناء الافران البلدية . واقامة عشش لتربية الدواجن , كل هذه المظاهر انما تعكس صورة لتردى الاوضاع وحلها بالطرق الفردية .فى وقت وضح فية التباين فى الاجور بين القطاعات الاقتصادية المختلفة .
الانتخابات العمالية
تتميز الانتخابات العمالية فى شركة الحديد والصلب بالمهرجان من خلال تباين صوره واشكاله ودلالاته . فقد نجد البرامج الجادة الواعية بمطالب العمال والندوات واللقاءات مع العمال , والتحدث معهم فى الجراجات اثناء استعدادهم للاياب . وكذلك الالتقاء بهم فى جولات مرورية . وتتباين اشكال الدعاية حيث البيانات والملصقات واللافتات القماش وغيرها مما يبتدعه العمال من وسائل دعاية كالكتابة على الحوائط بالطباشير او البوية , ومن حيث محتوى الشكل للدعاية تجد من يكتب الايات القرآنية والاحاديث الشريفة , ونجد البعد التقدمى والثورى , وتجد من يوزع اذكار الصباح والمساء .
وعندما تحدثنا عن الموقع الجغرافى , لم نكن نقصد مجرد التعريف , بل انعكاس الموقع على الانتخابات العمالية والوعى العمالى . فأغلب من يدخلون الانتخابات يعتمدوا على العصيبات والعائلات الموجودة فى التبين والمراكز و القرى المحيطة بها حيث عائلة " لبنة " فى البدرشين , " المتناوى " و " الدالى " و "جبة" و"عنانى" و "ابو طفر " .
وكذلك الحوامدية والبدرشين والمرازيق وابو رجوان جيث عائلة " ابو هلال " و" ابو ديب " . واذا انتقلنا الى الشوبك نجد عائلة " السنوطى " و " الجعيصى " و " ابو رحيم " و "ابو فرج " و " ابو هيكل " فضلا عن " العزامية " . ولا تختلف قرى غرب النيل عن القرى الواقعة فى شرقه فى تقديم مرشحين فى الانتخابات العمالية مثل " ابو عكاشة " و " عليان " نسبة الى نزلة عليان . ولا يتسع المقام لذكر تفاصيل اكثر .
كثيرا ما نجد قوائم غرب النيل وشرقه وما تخلفه عن الواقع الانتخابى مم ممارسات تنافسية . كل هذا ادى بشكل كبير الى تمثيل عائلى داخل النقابات فى الحديد والصلب وغيرها . وكانت مهمة القاهريين وخاصة الذين يقدمون فكرا نقابيا صحيحا – وهم اقلية – نقل الوعى العمالى والتأثير فى القواعد العمالية , برغم اقليتهم العددية الى ان العمال فى مراحل تالية كانوا يعتمدون عليهم فى التصدى لمطالبهم . كل هذا الواقع يعكس وضع عمال المصنع من حيث تأثير الموقع ومن حيث رفع مستوى المعيشة ومن حيث انتمائهم الوطنى والخطاب النقابى المطلبى بشكله الاقتصادى والديمقراطى , ولم يقف عمال الحديد والصلب على الرهان على التنظيم النقابى كتعبير وحيد عن مصالحهم . بل كونوا الاسر فى الاقسام والقطاعات المستقلة " الصنايعية " واهالى التبين التى تصدرها لجنة قسم التبين بحزب التجمع .
الى اللقاء فى الحلقة الثانية
#صلاح_الانصارى_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟