|
افعل للغير ما تودّ أن يفعله الغير لك
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2676 - 2009 / 6 / 13 - 03:59
المحور:
المجتمع المدني
عن مركز " الحوار " للثقافة ( تنوير) صدرت الطبعة الأولى 2009 من ترجمة لكتاب في الحرية والديمقراطية لكارل بوبر ، والذي هو من أكبر الداعين إلى ما أسماه " المجتمع المفتوح " ، ذلك المجتمع الذي يفسح المجال لحرية التعبير والنشر والتغير الديمقراطي السلمي . وينبغي التركيز هنا على فكرة السلمي حيث أنه من أكثر الفلاسفة المعاصرين دعوة / تبنياً لفكرة اللاعنف ، كما جاء في الكلمة التي على الغلاف الخلفي للكتاب ، وقد قام بترجمة الكتاب الباحث والكاتب الكويتي وعضو مركز " الحوار " عقيل يوسف عيدان وراجعه وقام بتقديمه المفكر العربي محمد عبدالجبار الشبوط ، وهو الكتاب الأول في سلسلة " ترجمات تنوير " ، وألمح المترجم في مقدمته بأن بوبر يرى أن المجتمعات لا تتكوَّن من " الأغلبية " ( الدينية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية ، الثقافية ) فحسب ، ولكن من " الأقلية " أيضاً ، وبالتالي ينبغي علينا احترام حقوق هذه الأقليات التي تُغني هذا المجتمع بدورها ، وأن لا نسمح لفكرة الأغلبية أن تطغى على فكرة الأقلية لأن ذلك قد يغرس بذرة العنف في المستقبل . كما لا يفوتنا أن نقول بأن الكتاب عبارة عن محاضرة ألقاها كارل بوبر في ألباخ Alpach بتاريخ 25 أغسطس 1958. بعنوان " في الحرية - On Freedom - وفي محاضرته تلك يتحدث بوبر عن العقل أو العقلانية حيث يقول : " كل ما أعنيه عندما أتكلم عن العقل أو العقلانية ، هو الإيمان بأننا نستطيع " أن نتعلم " عن طريق نقد أخطائنا وزلاَّتنا ، وبصفة خاصة نقد الآخرين لنا ، وأخيراً عن طريق النقد الذاتي أيضاً . العقلاني هو ببساطة ، ذلك الشخص الذي يعتبر التعلم أكثر أهمية من البرهنة على كونه على صواب ؛ الشخص الذي يرغب بالتعلُّم من الآخرين ، لا بمعنى الهيمنة على أفكار الآخرين ، ولكن بمعنى أن يسمح بطيب خاطر للآخرين بنقد آرائه ، وأن ينقد بطيب خاطر آراء الآخرين . ما أشدد عليه هنا هو فكرة النقد ، أو بتعبير أدق، " المناقشة النقدية ". إن العقلاني الحقيقي لا يعتقد أنه أو غيره يمتلك الحقيقة ؛ و لا يرى أن مجرد النقد يساعدنا على الوصول إلى أفكار جديدة . ولكنه يرى أن المناقشة النقدية هي فقط ما تساعدنا على التمييز في حقل الأفكار بين الغث والسمين . إنه يعرف جيداً أن قبول أو رفض فكرة ما ليست مسألة عقلية بحتة ، ولكنه يعتقد أن المناقشة النقدية وحدها التي تمنحنا النضج اللازم الذي يمكّننا من رؤية الفكرة من جوانب عدة ، ومن الحكم عليها حكماً صحيحاً . لذا ، إنني أفكر قبل أي شيء آخر، بفكرة التحرّر الذاتي عن طريق المعرفة، تلك الفكرة ألهمنا إياها كل من كانتْ وبستالوزي. كما أفكر بواجب كل مفكر والمتمثِّل في مساعدة الآخرين على تحرير عقولهم وفهم المقترب النقدي – وهو الواجب الذي نسيه أغلب المفكرين منذ عصر فيخته وشيلينغ وهيغل . " وفيما يخص بساطة اللغة يطرح كارل بوبر سؤاله التالي : لماذا تمثل بساطة اللغة أهمية كبيرة بالنسبة لمفكري التنوير ؟ ويجيب عليه ، بقوله : " لأن المفكر التنويري الحقيقي، العقلاني الحقيقي، لا يستهدف التأثير على أي شخص بأي اتجاه. لا، انه لا يستهدف الإقناع؛ إنه على وعي طول الوقت بأنه من الممكن أن يكون على خطأ. وفوق كل شيء، إنه يحترم الاستقلالية العقلية للآخرين بدرجة عالية تحول دون استهداف إقناعهم بأشياء هامة. إنه يدعو بالأحرى إلى الاختلاف في الرأي، مفضلاً صيغة النقد العقلاني والمنظم. إنه لا ينشد الإقناع ، بل استنهاض الآخرين وتحدِّيهم لبلورة آرائهم الحرة. إن بلورة الرأي الحر هي ما تشكِّل أهمية خاصة بالنسبة له . وبناء الرأي الحر – وفقاً له – هو ما له قيمة فقط ، ليس لأن ذلك يجعلنا نقترب أكثر من الحقيقة فقط ، بل لأنه يحترم صياغة الرأي الحر أيضاً. إنه يحترمه حتى لو كان يعتبره على خطأ . يكمن أحد أسباب عدم رغبة المفكر التنويري بالتأثير على الناس أو إقناعهم في الآتي : لأنه يعرف انه ، خارج نطاق المنطق والرياضيات الضيق، لا يمكن إثبات شيء. من الممكن ، بالطبع، تقديم براهين وبحث وجهات النظر بحثاً نقدياً، إلاّ أنه خارج المبادئ الأولية للرياضيات، فإن براهيننا ليست حاسمة أو خالية من الثغرات . يجب علينا دوماً أن نعيد تقييم القضايا، وأن نقرِّر دوماً أيا منها ذات وزن أكبر؛ تلك التي تدعم رأياً معيناً أو تقف ضده. في النهاية، تتضمن صياغة الرأي، إذن، عنصر الحكم الحر. هذا الحكم الحر يجعل من الرأي ذا قيمة إنسانية ثمينة. لقد تبنّى التنويريون منذ جون لوك J. Locke هذا التقدير المرموق للرأي الفردي الحر. وكان هذا بلا شك، الثمرة المباشرة لـ الصراعات الدينية الإنجليزية والأوروبية؛ التي أنتجت ، في النهاية ، فكرة التسامح الديني. " . و إن فهم التسامح الديني على هذا النحو يقودنا إلى ما هو أكثر من ذلك. فهو يقودنا إلى احترام كل إيمان صادق، وبالتالي احترام الفرد ورأيه الخاص. أو بعبارة إيمانويل كانت، آخر فلاسفة التنوير العظام، فإن هذا يقودنا إلى الاعتراف بقيمة الإنسان ذاته. وفي حديثة عن قيمة الإنسان ، فإن كانت يعني أن كل إنسان ومعتقداته، يجب أن يكونا موضع احترام . حيث يربط كانت هذه القاعدة بمبدأ هيلل Hillelian Principle ، الذي يطلق عليه الإنجليز وبصدق القاعدة الذهبية ، ولكنه يبدو للألمان شيئاً مألوفاً : (( لا تفعل للغير ما تكره أن يفعله بك الغير )). و يعود هذا المبدأ لرجل دين اسمه هيلل Hillel ولد بعد السبي البابلي التاريخي . كان يعتقد بأن التوراة يمكن اختزالها في جملة واحدة أو مبدأ واحد هو: " افعل للغير ما تودّ أن يفعله الغير لك". كما شرحه ( المترجم ) . ويشدد كارل في محاضرته تلك على المناقشة النقدية ، حيث إن المناقشة النقدية هي أساس الفكر الحر لكل فرد . وهذا يعني، من ناحية ثانية ، أن حرية الفكر مستحيلة بدون حرية سياسية . ويعني ذلك أيضاً أن الحرية السياسية شرط مسْبق للاستخدام العقلي لكل فرد. ويقول بوبر في ختام محاضرته : " لقد حاولت أن أوضح باختصار ما أفهمه من العقلانية والتنوير. كما حاولت، في الوقت نفسه، أن أعبر باختصار لماذا تتطلب العقلانية – كما أفهمها – وكذلك التنوير حرية الفكر، والحرية الدينية، واحترام الآراء الصادقة للآخرين، وأخيراً الحرية السياسية. لكنني لا أدعي أن العقلانية وحدها من تحب الحرية أو تستطيع تسويغ مطلب الحرية . على العكس، أنا أعتقد أن هناك مواقف أخرى، وبخاصة المواقف الدينية، تتطلب حرية الضمير، ومن هذا المطلب وصلت إلى احترام رأي الآخرين وتسويغ مطلب الحرية السياسية ." .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف العضوي ومعنى الضمير
-
قوة الفرد في التغيير والحتمية التاريخية
-
دور الفرد في التغيير والوعي الجمعي
-
شهادة ميلاد للأطفال - الكويتيين البدون - وحالة الإحباط
-
قوة التغيير والخلاص من قوة سطوة الجبرية الدينية
-
قوة التغيير : الفرد بين فهم العالم ومعنى الضرورة
-
قوة التغيير والفاعلية الواعية
-
قوة التغيير.. متى تتحقق ؟ وكيف ؟
-
المرأة الكويتية في البرلمان وقوة التغيير
-
المتلصص: للحقيقة لست مقتنع بكلامك بأن القراءة والكتابة لها ف
...
-
لماذا لست متديناً ؟
-
الفرنكفونية
-
الإرادة العامة .. أو السياسية
-
القانون وعلم الأنماط
-
حرقة الأسئلة .. أو قراءة في المشهد الثقافي الكويتي
-
القولون السياسي
-
نريد حلاً
-
في البحث عن لحظة انعتاق
-
الرقابة والتطرف
-
ما هو شكل الطبخة القادمة في الكويت ؟
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|