|
جذور الإلحاد(11) الدين والصراع الاجتماعى
سامح سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 2675 - 2009 / 6 / 12 - 10:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*** لم أكن أتخيل نفسى يوما داعية إلحاد، ولم أرتد هذا الثوب يوما، ولكن ما دفعنى مؤخرا لإرتداءه، بعد طول تردد، أنى اكتشفت بعد كل تلك السنوات الطويلة من النضال السياسى الذى لم يؤت أى ثمار، أن التربة ليست صالحة للبذور التى نزرعها، بسبب السيطرة التامة للدين المنظم على عقول من نود أن يحرروا أنفسهم، والذين تعوقهم تلك السيطرة عن فهم مصالحهم والدفاع عنها، وتمنعهم من الاستماع لغير رجال الدين، واكتشفت أنه من أجل تحقيق تحرر فعلى للبشر، فإنه لا بد من تقويض أسس الدين المنظم باعتباره أساسا من الأسس التى يبنى عليه التسلط والظلم الاجتماعى واللامساواة بين البشر، فظهور رجال الدين كطبقة تستحوز على الفائض الاجتماعى، وتمارس تسلطها على البشر ببيع الأوهام لهم ، سبق تاريخيا ظهور ملاك الثروة والعبيد، وسبق الدولة ورجالها من مدنيين وعسكريين ومثقفين وإعلاميين، فلماذا إذن نناضل ضد اللاحقين ونترك السباقين ، وخصوصا إذا كان السباقين بسلطانهم على الناس يدعمون سلطة واستغلال وقهر اللاحقين. وما الفرق بين الرأسمالى و البيرقراطى اللذان يعيشان على حساب العمال، وبين رجل الدين الذى يعيش على حساب المؤمنين. *** عرف القرن العشرين ألوان من الأديان الإلحادية والعلمانية فى ظاهرها الفلسفى، وقد حلت محل الدين الغيبى عند المؤمنين بها، و تمثل هذا بشكل رئيسى فى اللينينية بمذاهبها و الفاشية بأنواعها الدينية و القومية، وتلك الأديان بدورها باعت أوهاما للناس بتحقيق الفردوس المفقود على الأرض بدلا من السماء، وأصبح لها أصنامها و رموزها بل وطقوسها الوثنية ، ولها كتبها المقدسة وأنبياءها ومقدساتها، ولها إلهوتها الإلحادى والعلمانى، و سيطرت مؤسساتها على الناس، وقيدت حرياتهم، وعاش رجال دينها من الحزبيين على حساب الناس العاديين عندما كانوا فى الحكم، وتدخلت تلك المؤسسات عندما حكمت فى حرية البحث العلمى، وطوعت العلم لخدمة إيديولجيتها، وارتكب بعض المنتمين لتلك الأديان العلمانية المذابح أيضا باسم العقيدة المقدسة، و أوهامها الخلاصية والفردوسية،شأنهم شأن أتباع الأديان الغيبية عبر التاريخ، أقول ذلك حتى لا تغرنا اللافتات، فليس كل ما يبرق ذهبا. *** حققت اللادينية انتصارات هائلة، وتقدمت بسرعة مذهلة خلال أربعة قرون منذ ظهورها فى غرب أوربا، فنمى اللادينيون من بضعة مئات من المفكرين والعلماء، ليصلوا الآن إلى حوالى خمس سكان العالم ، ما بين لا أدريين و ملحدين ، وكان هذا النمو مقترن بانتصارات البرجوازية على الإقطاع، والعلمانية على الدولة الدينية، والعلم الحديث على الخرافة، ولكن فى العقود السبعة الماضية بدأت تراجعات لهذه المكاسب، نتيجة استخدام الدين من الجانب الرأسمالى فى الحرب ضد الستالينية التى مثلت الجانب البيروقراطى الإلحادى، فى فترة الحرب الباردة، مؤكدة بذلك دور الدين التقليدى فى الصراع الاجتماعى والسياسى، وقد استفحلت ظاهرة تلك التراجعات مهددة ما حققته البشرية من تقدم صوب الحرية والمساواة، ومن تقدم علمى، ولذلك فقد بدأت منذ سنوات قليلة حركة لادينية نضالية جديدة ، كرد فعل على التهديدات الخطيرة للعلم والحرية والمساواة. منها الهجوم على تدريس التطور في التعليم، وأبحاث الخلايا الجذعية و نقل الأعضاء، الأمر الذى يهدد بمزيد من تدخل الدين فى البحث العلمى و التعليم، و انهيار الحواجز التى تفصل بين الدين والدولة بأشكال متفاوتة عبر العالم كله، وانتعاش ظاهرة الاستخدام السياسى للدين فى خدمة اليمين الفاشى والعنصرى، وانتشار الإرهاب الدينى عبر العالم، وكل تلك التهديدات ليست مقصورة على المسلمين، بل تشمل اليهود والمسيحيين والهندوس والسيخ على السواء، وهذه النتيجة تعمدت حدوثها ورعايتها النخب الحاكمة فى العالم لدفع البشر نحو سلاسل لا تنتهى من الحروب العرقية والدينية والطائفية، تخلصا من الفائض السكانى عن احتياجات الإنتاج، وانعاشا لصناعة السلاح، ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية والانفاق عليها على حساب الإنفاق على الصحة والتعليم والبيئة والرعاية الاجتماعية، وتقديم مبرر مقبول لتقليص الحرية الفردية لصالح الأمن العام. ولتوفير مبرر للاستبداد، و الإبقاء عليه بشكل عام، ولذلك وجب التشديد على أهمية نقد الدين المنظم فى مظاهره السياسية والسلطوية والكهنوتية والاستثمارية، أيا كان اسمه، لا نقد دين بعينه لحساب التبشير بدين آخر، وسواء أكان هذا الدين غيبي أم علمانى. *** فى مواجهة هذه التهديدات التى يمثلها الدين بالمعنى السابق، لا بد من الرد على المعتقدات الدينية بالمعنى الواسع للكلمة بما يشمل ما هو غيبى منها كالأديان الإبراهيمية أو علمانى كالفكر القومى ، وذلك عندما تتعارض تلك المعتقدات مع الحقائق العلمية أو تنتهك قيم الحرية الفردية والمساواة بين البشر، و لكن هذا الرد لن يكفى بمفرده إذ لابد من أن يصاحبه تقديم بديل متكامل للناس عن ما يقدمه لهم الدين، بديل يناضلوا من أجله، ويوفر لهم ما يوفره لهم الدين من تفسير للوجود و عزاء و أمل و معنى للحياة. *** فى مواجهة السياسات التعليمية والممارسات الإعلامية التى نحجت فى تسطيح عقول البشر وتحويلهم لكائنات وظيفية مبرمجة لأداء وظائفها فى خدمة مصالح النخب، لابد من طرح المعرفة العلمية الجادة ونشرها بكل السبل بين الناس باعتبارها هى وحدها التى تقدم التفسير المعقول للوجود مقابل تفسير الخرافة اللامعقولة، و رفع درجة وعي البشر نحو عجائب العلم وقوة المنطق. *** فى مواجهة أسلوب الحياة القائم على الإزدواجية بين عبادة الاستهلاك وتغطية ما تؤدى إليه من عفن سلوكى بالإنغماس فى الغيبيات الذى يصل لحد الهوس، لابد من تقديم فلسفة للأخلاق والسلوك الإنسانى قائمة على أسس موضوعية لا أسس غيبية، تؤكد على الارتباط بين سعادة الإنسان الحقيقية و بين سلوكه الخير، و تؤكد على الارتباط الوثيق بين أن تحقيق منفعته الشخصية مرتبط بتحقيق منافع للآخرين، و أن عدم إضرار الآخرين يعنى حماية الذات من الضرر، و أن العمل على نفع الآخرين والسعى لسعادتهم، يضمن أن يعملوا هم لمنفعه الشخص واسعاده، هذه الأخلاق تركز على أن حرية الأفراد تنتهى عندما تبدأ حريات الآخرين، وعلى أن السعادة الجماعية لا تتحقق إلا بالمساواة الفعلية فيما بين البشر،فالسيد يقهره تسلطه على العبد، والسجان مقهور بحراسته على المسجون، فلا سعادة و لاحرية للسيد إلا بعتق عبده، ولا للسجان إلا بتحرير المسجون، هذه القيم تشكل بديلا عن الأخلاقيات الدينية القائمة على الثواب والعقاب ما بعد الموت . *** ترتكز الخرافة الدينية على توفيرها عزاء وهمى للناس عندما تلحق بهم أو بذويهم الكوارث المختلفة ومنها الموت، وهى تعتمد على نرجسيتهم وغرورهم، ورفضهم الجبان لقبول حقيقة ذواتهم، والتسليم بها، و للرد على هذا يلزم التأكيد على أن تحقيق الذات وتحررها من كافة أشكال العبودية،هو معنى الحياة الذى يجب أن يسعى له الأفراد، وهو ضمان سعادتهم فى الدنيا، وفي هذا يتحقق عزاءهم الوحيد فى مواجهة الموت المؤكد، والكوارث المختلفة. *** فى مواجهة الدين السياسى، لابد وأن تتجمع النضالات من أجل تحويل كافة المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من مجرد نصوص من حبر لواقع ملموس، و لابد من تحرير البحث العلمى والتطوير التكنولوجى والقائمين به من تسلط النخب الرأسمالية والبيروقراطية والدينية ، لتنطلق الإمكانيات المكبوتة للعلم من أجل رفاهية البشر، لا رفاهية النخب وتدمير البيئة،نريد خبز للجوعى، لا سلاح يوجه ضد الجوعى.نريد علم فى خدمة الإنسان لا فى خدمة من يملك الثروة والسلطة.
#سامح_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور الإلحاد(9) المصمم الذكى
-
جذور الإلحاد(9) و هم الذات
-
جذور الإلحاد(8) صفات الخالق الغامضة
-
جذور الإلحاد(6) المعرفة الإنسانية والغيبيات
-
جذور الإلحاد(7) خصائص للفكر الغيبى
-
جذور الإلحاد(5) المعجزات والإعجاز
-
جذور الإلحاد(4) ردود على التعليقات
-
جذور الإلحاد(3) غموض و لا منطقية الغيبيات
-
جذور الإلحاد(2) تناقضات فكرة اللة
-
جذور الإلحاد (1)حجج وحجج مضادة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|