|
ثلاثية العطش العراقي الماء والخضراء والحكم الحسن !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2674 - 2009 / 6 / 11 - 08:00
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تذكرت الفلم العراقي الضامئون ـ فلم روائي من انتاج المؤسسة العامة للسينما والمسرح ايام السبعينات يتحدث عن معناة الفلاح العراقي ومشكلة السقي للارض البعيدة عن مصادر المياه والعلاقات الانسانية في الريف ـ عندما شاهدت تلفزيونيا سامي قفطان وناهد الرماح ابطال الفلم وهما يقومان ببروفات على عمل مسرحي يتحدث عن الغربة ، ثم تذكرته ثانية وانا اهم بالكتابة عن مشكلة شحة المياه في انهار العراق وجداوله ، وما سمعته من تقارير مقلقة ومن جهات مختصة تؤكد ان عام 2040 سيشهد حالة جفاف شبه كاملة لنهري دجلة والفرات ! ماذا يعني ذلك ؟ ماذا يعني ان يكون العراق بلا دجلة والفرات ؟ ماذا يعني ان تقطع شرايين الحياة المتدفقة عن العراق واهله ؟ ان لا تكون الكهرباء موجودة امر يمكن ان يفهم على اعتبار ان الكهرباء قضية صناعية ، حيث تتوفر الماكنات والموتورات وتحضر المحروقات اللازمة ستتوفر الكهرباء وستعمل المحطة ، وما عليك الا ايصالها الى المستهلكين ، اما الماء الجاري فهو امر طبيعي لا دخل لاي انسان فيه وهو هكذا ربما منذ ان تشكلت تضاريس اسيا الصغرى كان النهرين العظيمين يجريان بعنفوان والى حيث المصبات في الخليج مرورا بالسهل الرسوبي الذي قامت عليه اعظم حضارات العالم القديم ، هل ياتي يوم وتموت الانهار الخالدة كدجلة والفرات وبفعل فاعل ولاسباب اصطناعية تعمل بالضد من مجاري الطبيعة وفطرتها ؟ يالعبث الاقدار ، يالعبث بني البشر عندما يختلون فيخلون بتوازنات البيئة لخدمة اغراض لا يمكن ان تدخل الا بحسابات الربح والخسارة سياسية كانت ام مادية ! ثورة السدود التركية التي ابتدأت وبزخم هائل منذ ستينات القرن الماضي لاهداف اقتصادية وزراعية واستراتيجية ولا زالت مستمرة بالتعامل مع النهرين وكانهما نهرين غير دوليين وليسا بعابرين للحدود ، وكان لتركيا وحدها الحق بالتصرف بكامل موجوداتهما المائية ، هي تتعمد خزن المياه لجعلها سلعة مخزونة يمكن ان يتم بيعها لمن يريد من دول الجوار او اسرائيل ، وقرات مرة لاحد المسؤولين الاتراك قوله : اذا كان لديهم نفط فنحن لدينا الماء ، وسننظر مسقبلا بامكانية مبادلة كل برميل نفط بمثله من الماء ! تفاقمت المشكلة فالاصرار التركي على مواصلة نهج سد الدرب على المياه الجارية في النهرين وتقطير ما يصل للجوار العراقي والسوري مما حفز ذلك الجوار كله لحصر ما لديه من مياه لزيادة مناسيبه عندهم هكذا فعلت سوريا بسد طبقة على نهر الفرات ، وهكذا تفعل ايران ببناء سدودها على روافد دجلة المنحدرة من اراضيها كانهار سيروان والكارون والكرخة ، والان يسعى جماعة اقليم كردستان ايضا لبناء سدين لحصر الماء في مناطقها ورفع منسوبه مما سيفاقم المشكلة على مناطق وسط وجنوب العراق ، واذا علمنا بان اضخم السدود التركية لم ينجز بعد ـ سد اتاتورك ـ وهو بحاجة الى تخزين لاكثر من ثلاث سنين متتالية ليكمل طاقته الاستيعابية فاننا نستطيع تخيل الحالة البائسة التي ستحل على وادي دجلة والفرات وخاصة داخل الحدود العراقية ! الزراعة العراقية وخاصة في الوسط والجنوب تعتمد على نظام الري بالواسطة ، اما الشمال فيعتمد على الري الديمي ، واذا عرفنا ان نسب تساقط الامطار قليل ولا يفي بالاحتياجات الزراعية فان ذلك سيجعلنا نتنبأ بخراب زراعي وبيئي ـ جفاف وحرارة وقلة في نسب الرطوبة ـ اضافة الى انقراض للثروة السمكية وجفاف الاهوار الذي سيحرم العراق وجنوبه من كنز متعدد الوجوه ـ نباتي حيواني ـ ناهيك عن شحة مياه الشرب ، وانقراض الغطاء النباتي المتغذي على الضفاف وعلى المياه المتسربة ! ان العراق امام مشكلة استراتيجية خطيرة لها تاثير كبير على حاضره ومستقبله وكل مساعيه التنموية مما يستدعي وقفات متخصصة بعقل استراتيجي يضع دراسات للبدائل الممكنة والتخصيصات الازمة لها بالتوازي مع جهود اخرى تقوم بها جهات فنية وسياسية لدراسة المشكلة من كل جوانبها ومفاتحة الجهات الدولية المختصة لطلب المشورة ، ومطالبة تركيا بعدم المساس بالحقوق المائية المسلم بها ودراسة امكانية عرض القضية امام المحاكم الدولية ! غياب الماء المتدفق يعني ضربة جدية للقطاع الزراعي المصاب اصلا باضرار كبيرة نتيجة تدهور حالة الارض ووسائل الري ، مما يعني مزيدا من البوار والتصحر الزاحف حتى على اخصب مناطق الوادي ! ان العطش والانحطاط الزراعي سيجعل من اي حاكم امين في حالة طواريء دائمة لا يكف عن العمل فيها لاجل تحقيق نوعا من البدائل المناسبة والمستدامة الى جانب ما يبذله من مساعي حثيثة لمعالجة الاسباب المباشرة ! الحكم الحسن هو الذي يحسب حساب الانكسار الاقتصادي والاجتماعي القادم وتاثيره على الامن الاقتصادي والسياسي للبلاد ! تشكيل مجلس اعلى بدرجة وزير وبرئاسة رئيس الوزراء او نائبه لتولي مسؤولية الملف المائي ، مكون من مختصين واكاديميين وعلماء في مجالات الزراعة والري والتخطيط والجيلوجيا وممثلين عن وزارات الري والزراعة والثروة الحيوانية والاسكان والتخطيط لدراسة البدائل المتاحة والخروج بتوصيات ملزمة وعملية ، قريبة وبعيدة ، ومتابعتها ومراجعتها مركزيا من قبله سيكون مدخلا ملحا لابد منه للتعامل مع مشكلة بهذا الحجم ، فمشاريع تحلية المياه ـ مياه البحرـ واطلاق حملة لمد اوسع شبكة ابار في كل ارياف ومدن العراق بعد عملية اجرائية دقيقة لمسح شامل ولكل احتياطات المياه الجوفية المالحة والحلوة ، ودراسة الجدوى الاقتصادية من ربط مشروع انابيب المياه من المداخل الحدودية للانهار وحتى مشروع الثرثار او الحبانية لخزنها واعادة توزيعها ووضع صندوق خاص في كل ميزانية سنوية عامة لتنفيذ المشاريع المعتمدة ، كلها مفردات متكاملة لجدية التفكير بسد العجز المائي ! كل هذا الى جانب لجنة طواريء وزارية لمتابعة حيثيات وتبعات المشكلة المائية مع تركيا وسوريا وايران مكونة من خبراء وفنيين في القوانين المائية الدولية وفي السياسة الخارجية وتجري تقييم للحالة ونتائج اتصالاتها وبشكل متواصل ! ان شحة الماء والخضرة والحكم الحسن ربما تؤدي الى بروز نوع جديد غير مالوف من الاعراض والازمات التي قد تزيد الخردلة في العراق فينتج عنها موجات جديدة من الهجرة الداخلية والخارجية اضافة الى تدهور غير محسوب اقتصاديا وسياسيا !
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احبونا نحبكم !
-
وطني حقيبة وانا مسافر !!
-
الرؤوس الفاسدة التي تحكم العراق لا تزيده الا فسادا وانقساما
...
-
عمو بابا آية حقيقية من آيات العراق !
-
أوباما يريد ان يسترعرض المنتهكين العراقيين فمنع نشر الصور !!
-
في مصر وصفات جاهزة لمنع الحمل الثوري !
-
مستقبل حالك ينتظر العراق المكتوب يقرأ من عيون اطفاله !
-
موت أحمر !
-
الاحتلال واليسارالانتهازي في العراق !
-
الم تر كيف فعل اصحاب الفيل والحمار بالعراق والعالم ؟
-
الثورات التي تآكل نفسها بنفسها!
-
انفلونزا جنون البشر!
-
بشتاشان جريمة بلا عقاب !
-
عمال بلا معامل !
-
ما هي المسألة الاساسية في - الماركسية - ؟
-
اوروبا احرقت اليهود وارسلت من تبقى منهم لاحراق الشرق الاوسط
...
-
لصوص وكلاب !
-
قراءة نقدية لمواقف الحزب الشيوعي العراقي حول موضوعة المناطق
...
-
الحوار المتمدن ومستلزماته الضرورية !
-
14 نيسان يوم السباع !
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|