مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 817 - 2004 / 4 / 27 - 11:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ابن لادن... حرب من اجل الإسلام أم حرب ضد الإسلام
تنظيم القاعدة بقتله الأبرياء لخدمة مصالح أمريكا ... هل هو تطبيق للأحكام الشريعة الإسلامية أم تدمير ما بقي من إسلام إن بقي حقيقة منه شيء.
ظهور الإسلام السياسي .. نهاية الإسلام ... أم إسلام جديد ... أم إسلام ضد الإسلام
الإسلام السياسي بكافه فصائله منذ ظهر على الساحة السياسية واجتاح كافة مجتمعاتنا ونصب نفسه على عرش المسلمين كما نصب أبو بكر الصديق نفسه على عرش الإسلام والغريب أن الاثنين يتشابهان في نقطة واحدة هي (منذ أن أصبح قادرا... اقتل الجميع), أبو بكر الصديق منذ تسلم زمام الأمور ونصب نفسه على المسلمين مكرهين عليه في خطبته الأولى
)إني قد وليت نفسي عليكم ......... إلى أخر الخطبة العصماء التي جلد فيها كافة التقاليد والشعائر الإسلامية (
حتى إعلان الحرب على القبائل الإسلامية في البادية باسم حرب المرتدين وإعدام أكثر من 40 ألف مسلم باسم حرب الردة لمجرد أنهم قالوا نريد الحرية التي قال عنها الإسلام (وأمرهم شورى بينهم) نريد خليفة منتخب وليس خليفة ينصب نفسه علينا.
لقد كلف هذه القبائل طلبها تطبيق حكم شرعي رؤوس رجالها.
ومع ظهور الإسلام السياسي على الساحة حتى أعاد التاريخ نفسه من جديد وقمع جديد وحرب اسمها (الإسلام ضد الإسلام) هذا بالحقيقة ما يمكن أن تسمى به الحرب التي يقودها المجنون ابن لادن ضد المسلمين والجاليات الإسلامية في العالم, فالحقيقة أن ابن لادن وأتباعه من إرهابيين هم اصل الإرهاب المتجذر والحقيقي ليس بالمقياس الأمريكي , فهي صفة تلميع او تشهير لإظهاره كأمير المؤمنين والحقيقة انه ليس سوى أمير المخبرين الأمريكي بل بالمقياس الإنساني والعالمي للإرهاب الحقيقي.
ابن لادن وأمثاله من السلفيين المجرمين الذين لا يريدون لهذا العالم سوى الخراب والدمار والهلاك أعلنوا حربهم ضد الإسلام والشعوب الإسلامية أولا وضد العالم الديمقراطي الرافض للهيمنة الأمريكية من ناحية أخرى.
وما يزيد الطين بلة من ناحية ويزيدنا وضوحا بشخصية ابن لادن قيامه بإعلان استعداده للهدنة مع أوروبا.. وعدم قبول أوروبا لعرض بن لادن – كما هو متوقع – يؤكد أن الحرب على القاعدة مستمرة.
لكن هذه الحرب التي ستسمر ضد القاعدة هل فعلا ستكون حربا بين طرفين طرفها أمير المؤمنين الذي نصبته أمريكا على صدور المسلمين الغلابة بدينهم وأفيونهم من ناحية ومن ناحية ثانية بالحرب التي اعلنها الغرب عليهم بأمر من إسامة بن لادن ؟
الغرب لن يعلن حربا على القاعدة إلا إذا قام بحرب على المسلمين جميعا.. لأن القاعدة جيش سري، وهذا الجيش ينتشر في أوروبا وأمريكا على الأخص.. وأفراده من المسلمين، ولأن هذا الجيش بدون أسماء وعناوين، فإن كل مسلم يُصبح مشبوها وعنوانا حتى يُثبت هو براءته. وسيظل هذا المسلم مضطراً لإثبات براءته كل صباح، ولا يستبعد أن تقوم الحكومات العربية عما قريب باستصدار شهادات جديدة تسميها شهادات خلو من الإرهاب كشهادات الخلو من الأمراض والإيدز, وربما سيتطور الأمر لاحقا حتى يصل إلى إصدار وثيقة براءة من الإسلام على غرار ما قام به البعثيين في الخمسينات من إجبار أعضاء الحزب الشيوعي العراقي على إصدار وثيقة الخلو من الحزب المسماة بالبراءة.
السؤال الذي يتبادر لأذهان البعض هل المسلمون وحدهم هم من دخلوا الحرب مكرهين تحت لواء ابن لادن ؟ وهم وحدهم من كانوا مجبرين على استصدار وثائق الخلو من الإرهاب ؟
الحقيقة إن ابن لادن أوصل الشعوب العربية جميعها بكل طوائفها من مسلم ومسيحي ويهودي وعلماني.... الخ, إلى مرحلة يضطر المواطن العربي أن يصحو صباحا قبل إعداد فنجان قهوته فيصلي ركعتين ولاءا لحكومته ونظامه حتى يظل تحت عين النظام الذي هو بالتأكيد كما تم ترتيبه سابقا ضد الإرهاب ( اللادني) المزعوم.
ابن لادن مع أمريكا قدموا للأنظمة العربية خدمة جليلة لا يمكن أن يقدمها اعز الأصدقاء والإخوة, فقد استطاع ابن لادن ان يجعل الشعوب المقهورة تصحو كل يوم لتقدم الولاء لحكوماتها خوفا من وسمها بالإرهاب من ناحية ,ومن ناحية ثانية أوصل الإسلام لمرحلة صار فيه نقيض الحكومات حتى الاكثرها تشددا مثل النظام الوهابي في السعودية الذي أنتج عينة ابن لادن , فجعل البعض يهرب من هذا الإسلام الوحشي إلى حضن حكومته يدافع عنها خوفا من هجوم ابن لادن, كالمسرحيات الهزلية التي نراها في السعودية حينا من ضرب حواجز عسكرية للأمن السعودية وسيارات مفخخة وغيرها من المسرحيات المصغرة عن 11/سبتمبر الفائت .
لكن هل العرب التي بداخل العالم العربي وحدها التي تعاني ويلات وثمار تأمر ابن لادن عليها مع الأنظمة الرجعية وأمريكا ؟
الحقيقة أن مؤامرة بهذا الحجم اكبر من أن تكون محاصرة ديمغرافيا , فعميل بحجم ابن لادن لا يقبل أن يضطهد بأجرامه فقط العرب داخل بقعة جغرافية كالعالم العربي , إذا فكيف يمكن أن نقطع أيدي العرب المشاغبة التي تحمل رايات المظاهرات المنددة بالحرب ضد العراق وغيرها وإسكات أصواتهم التي أخرستها الأنظمة فهربت لبلاد الغرب الديمقراطي لترفع أصواتها ضد الاضطهاد , هذه الأصوات أيضا مؤذية بالنسبة للأنظمة الرجعية وأمريكا , حتى العرب في داخل أمريكا أيضا يشكلون خطرا , فابن لادن بإعلانه الأخير الحرب على أوروبا إنما يعلن الحرب على الجاليات العربية والإسلامية بكل بساطة في داخل أوروبا الذين لم يصل اضطهادهم حده كما حدث في أمريكا بعد 11/سبتمبر المشؤوم.
فالحرب تدور اليوم في أوروبا وأمريكا، من مسجد إلى مسجد.. ومن حي إسلامي إلى آخر ومن حي عربي إلى أخر.. ومن مدرسة إسلامية إلى أخرى , كل عربي هو مشبوه في كل مطارات العالم , أي عربي سابق كما يمكن تسميته وأوروبي الجنسية هو مشبوه, البارحة في الأخبار خمسة مغاربة متهمين بتفجيرات مدريد... قبلها بأيام العثور على سيارة مفخخة في عاصمة أوروبية يعتقد أن القاعدة ورآها وعلى الفور اعتقال أربعة أوروبيين من أصول عربية, وللمصادفة الغريبة احدهم كان عضوا في احد الأحزاب الشيوعية العربية وهارب من الاضطهاد العربي له!!!!!!.
القاعدة تحاول تجنيد متعاونين معها من مسلمي الغرب ومخابرات الغرب، تحاول اختراق كل مجموعة إسلامية، والتجسّس عليها من اجل إفشال الضربة الوهمية القادمة.
القاعدة من جهة ومخابرات الغرب، من جهة أخرى، أما ساحات المعارك فهي الجاليات العربية و الإسلامية وبيوتها ونواديها ومدارسها في أوروبا وأمريكا .
والغريب أن هذه الجاليات لم تذهب إلى هناك لاحتلال الغرب،لم تذهب لأندلس أخرى, لم يقود هذه الجاليات طارق بن زياد, بل قادها هدف واحد حرية ورغيف خبز حر, رحلت من أوطانها بحثا لقمة عيش حرة غير مغمسة بالذل والقهر والهوان وعن عمل لم توفره لها بلادها الإسلامية، أو هروبا من دول إسلامية قمعتها وهتكت عرضها، او هروبا من مجتمع إسلامي ينتهك كل خصوصيات الفرد ويتدخل في ملبسه ومأكله ومشربه وكيفية قضاء ساعات فراغه.. هذه الجاليات هجرت الوطن، لأنها أصبحت غريبة في أوطانها..لان رغيف الخبز أوصلها لغربة.. غربة الوطن .. غربة رغيف الخبز, واستقرت حيث استقرت في الغرب( الكافر).. وجدت العمل والحرية، وجدت أن للفرد قيمة.. وجدت أن هناك قوانين ودساتير تحميها، وطاب لها المقام.. وأخذت تبني نفسها بهامات مرفوعة. تتظاهر، تطالب بقوة، ولا تخشى حاكما أو إماما أو مجتمعا يراقب حركاتها..وبعيدا عن حوزة علمية تتلاعب برجالها فمرة حركة مقاومة ومرة حزب سياسي , هربت من ازهر يكفر كل من يرفض تطبيع العلاقات مع اسرائيل , فهي هناك في مجتمع علماني يحقق لها العدالة والمساواة, هذه الجاليات اتخذت طرائق تفكير مختلفة، وراحت تمارس حرية الفكر لتكون صورة حقيقية للتعددية الممنوعة في العالم العربي والعالم الاسلامي.
وترى المسلم في وطنه يمارس هواية الطاعة للزعيم والإمام والمجتمع، وما ان تطأ قدماه الغرب حتى يتمرد على نفسه.. وعلى عبوديته السابقة، مع ان الارث الثقافي والاجتماعي الذي يحمله يظل مسيطرا عليه في قضايا المرأة.. فهو يريد هذا الغرب بكل فضائله، لكنه يخشى على زوجته وابنته من هذا الغرب.. وبالطبع يسمح لنفسه بأن يكون خطّاء بجريرة إبليس الذي حمله معه من الشرق ومهما كان التناقض الحضاري بين المسلم والمجتمع الأوروبي، فإن الجاليات الإسلامية في الغرب تفضل العيش في الغربة على ان تعود لأوطانها.. ولو فتح الغرب الأبواب لكل مسلم بأن يهاجر إليه، لفرغت بلاد الإسلام من المسلمين ولم يبقى سوى المخبرين وأمراء المؤمنين. ولولا شحّ المال وقلّة التدبير عن الملايين الباقية في بلاد المسلمين، لوجدنا عشرات الملايين تتدافع على أبواب الغرب طالبة دخول جنته او الهروب من مخيم بلاد المسلمين
المسلمون في الغرب، هم أكثر المسلمين حرية وثقافة وأمنا شخصيا واقتصاديا.. هم الفئة التي يحسدها المسلمون.. والمنطق يقول، بأن المسلم العاقل، يجب أن يشكر الغرب على استيعابه المسلمين وتأمين حرياتهم وتوفير العمل والحياة بكرامة.. والمنطق يقول، بأن المسلم المسؤول، يجب ان يتجنب أي عمل يورط المسلمين في بلاد الغرب، ويعمل بكل طاقاته لخلق مناخ في بلاد المسلمين يزاحم الغرب وينافسه، ويقطع الطريق على أي مسلم بأن يغادر بلاده واوطانه واهله..الا ان مثل هذه المساحة من الحرية التي يمنحها الغرب الكافر للمسلمين لم ترضي حكوماتهم وأنظمتهم الرجعية فضجت عليها بكل المقاييس وبدأت مرة تهاجم فرنسا لمنعها الحجاب بمدارسها , هذا ان دل على شيء فيدل على ان فرنسا العلمانية استطاعت ان تستوعب هذا العدد الضخم من المسلمين على أراضيها الهاربين من القمع والاستبداد , بنفس الوقت الحفاظ على هويتها العلمانية التي حاول المسلمون ان يصبغوها ..
هذه المساحة من الحرية لن ترضي امريكا بالطبع التي ترفض ان يرتفع اي صوت يهاجم حلفائها من الانظمة الخرفة ففتحت الباب بمشراعيه لابن لادن ليدلي دلوه في بئر اوروبا متوقعا مسبقا ما سيجده : الرفض
لذلك اعلن الحرب على اوروبا , كي تقوم اوروبا بالمقابل باعلان الحرب على العرب والمسلمين بداخلها
لعبة ذكية وحقيرة بنفس الوقت يلعبها ابن لادن وكما يقولون لعبها صح ضد العرب المهجرين والمسحوقين في بلدانهم العربية والمسلمين الهاربين من شريعة قطع اليد التي تسرق رغيف الخبز في السودان .
ان القاعدة، والجماعات الاسلامية التي تدور في فلكه.. لا تقاتل من اجل المسلمين.. بل تقاتل المسلمين.. حرب معلنة على الاسلام (اسلام ضد الاسلام) لأنها تقاتل الغرب الذي يحترم مواطنيه المسلمين، وتورطهم في قتال مع دولهم التي يعيشون فيها. وبدل ان تقاتل الانظمة الاسلامية التي تبدع في قمع المسلمين..
منذ ايام يأتي رجل يدعى سعيد بن زعير، في حوار مفتوح معه على فضائية الجزيرة , يدافع بكل ما اوتي من قوة وشيكات في رصيده البنكي عن ابن لادن وافعاله الارهابية, على الاثر تقوم الحكومة السعودية بأعتقاله بالجرم المشهود ويتم احالته على محكمة امن الدولة التي لا تحكم بالشريعة الاسلامية!! ، اما ضيوف الندوة فكانوا مع الصوت والصورة.. وكانوا اكثر "مزايدة" منه، لكن، لم يسألهم احد.. ولماذا؟ لأنهم من المسلمين الذي يحق لهم حرية الكلام، ولا بد ان القارئ قد ادرك ان هؤلاء من جاليات المسلمين في الغرب
وبالطبع، فإن السلطات السعودية، لم تفعل ذلك الا لمحاولات شتى يمارسها النظام السعودي لاقناع البيت الابيض بأنه يحارب القاعدة، لكن الغرب نفسه لم يقم بفعل مثل هذا ولم يقم بأعتقال فلان او علان لاجل كلام مشابه وبأمكانكم اخذ الاجابة من عبد الباري عطوان.. محرر القدس العربي اللندنية؟
هل مأساة المسلمين في مجتمع غربي يحترم المسلمين، ام في نظام اسلامي شامل يقمع كل مسلم؟ هل توفير الحرية للشعوب الاسلامية يبدأ في تدمير الجاليات الاسلامية في الغرب، ام في تدمير العقلية الديكتاتورية الحاكمة في بلاد المسلمين؟
نعم.. ان اسامة بن لادن يلعبها جيدا.. اعلن من قبل أمريكا خليفتنا يعلن السلم ويعلن الحرب على الغرب على حساب عشرات الملايين المسلمين في الغرب.. نغّص عيشهم.. وقتل الآلاف من الابرياء ..وحتى البلدان العربية التي تعاني الاحتلال الامريكي والصهيوني لم تكن بعيدة عن شر ابن لادن , فأبو مصعب الزرقاوي في العراق المصر على اقامة حرب اهلية بين السنة والشيعة لابعادهم عن الهدف الاساسي وهو مقاومة الاحتلال.. وفلسطين التي تعاني ويلات بن لادن وجنونه ... فحركات المقاومة الاسلامية في فلسطين والعالم كله صارت مصبوغة بجنون وارهاب ابن لادن حتى المنظمات اليسارية نالها ارهاب ابن لادن فالجبهة الشعبية التي ادرجت تحت قائمة الارهاب وجمدت اموالها لم تكن بيوم من الايام حركة سلفية ولا اسلامية متطرفة , لكن بن لادن استطاع ان يدخل ويدخل الجميع بدون استثناء الى حربه المجنونة , لقد قتلنا امير المخبرين جميعا دون استثناء وقدم اجسادنا لمحرقة الولاء الامريكي ..
ليس المسلمون وحدهم من عانوا من حرب اسلام ضد الاسلام , ايضا كل شعوب العالم الثالث عانت من حرب اسلام ضد الجميع لم تستثني احدا...
بقلم : مهند صلاحات
طلوزة / نابلس
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟