|
حول إعادة البعثيين السابقين إلى وظائفهم
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 817 - 2004 / 4 / 27 - 11:08
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أفادت الأنباء عن قرار السيد بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف في العراق، بإعادة البعثيين السابقين غير الملوثين بجرائم النظام الساقط إلى وظائفهم وذلك لما يملك هذا القطاع الواسع من الخبرة في إدارة مؤسسات الدولة وخاصة في قطاعي القوات المسلحة والتعليم. أعتقد أن هذا القرار صائب واعتبره حكيماً لا يتعارض مع برنامج (اجتثاث البعث) خاصة وإن أغلب الوظائف كانت محتكرة لمنتسبي الحزب فقط، الأمر الذي اضطر الناس أن ينتموا لكسب معيشتهم. ولا يمكن الاستغناء عن هذا العدد الهائل من الموظفين وأغلبهم من التكنوقراط، وإلا تصاب الدولة بالشلل، وهذا ما حصل فعلاًً خلال السنة الماضية.
المشكلة أن أغلب العراقيين اعتادوا على مواجهة أي قرار بردود أفعال عنيفة عاطفية يفسرونه بالطريقة التي تناسب توجهاتهم السياسية وانفعالاته العاطفية دون روية، فيواجهونه بالمبالغة والتهويل. فمثلاً عندما أصدر مجلس الحكم المؤقت قرار (اجتثاث البعث) راح القوميون العرب وفلول ومرتزقة صدام حسين يصرخون في الفضائيات بالويل والثبور وعظائم الأمور مدعين أن (الاجتثاث) يعني إبادة جماعية لمليوني عضو في حزب البعث العراقي. بينما فسر المعتدلون، وأنا منهم، القرار بأنه يعني المصالحة والمسامحة واجتثاث البعث كفكر. وبالمقابل عندما أصدر السيد بول بريمر قراره الأخير بإعادة البعثيين غير الملوثين بجرائم النظام إلى وظائفهم، حصل رد فعل عنيف مضاد من قبل خصوم البعثيين وصوروا القرار وكأنه تأهيل لحزب البعث ودعوته للمشاركة في السلطة أو حتى إعادته لحكم العراق. وهذا غير صحيح طبعاً.
لقد سبق لي أن كتبت مقالين عن هذا الموضوع في الماضي القريب ومما قلته في أحدهما: (( ماذا سنعمل بمليوني عراقي أرغمهم النظام بالإنتماء إلى حزبه؟ هؤلاء هم أبناؤنا وأخوتنا تعرض البعض منهم إلى عملية غسيل دماغ لتنفيذ الجرائم ومعظم المنتمين الآخرين تعرضوا للقهر والظلم وأجبروا على الانتماء من أجل ضمان لقمة العيش أو مقعد دراسي في الجامعة.. الخ وأغلبهم أبرياء. ومن هنا تأتي أهمية المسامحة لأننا لسنا ضد تأهيل معظم البعثيين كأفراد من الذين انتموا إلى حزب البعث مضطرين ولم تتلوث أيديهم بالجرائم. فمن المصلحة الوطنية إعادة هؤلاء إلى الوظائف غير الحساسة في الدولة كمواطنين صالحين لا كحزب خاص بهم وبعد أن يتعهدوا للشعب بالتخلي عن حزب البعث ومبادئه الفاشية وإدانتهم للعنف والإرهاب وقبولهم الديمقراطية. أما الذين ارتكبوا الجرائم بحق الشعب، فسيحاسبون وفق القانون ويشكل هؤلاء نسبة ضئيلة جداً من المجموع الكلي للمحسوبين على حزب البعث))[i].
وفعلاً فقد قرأنا مرة أن حصلت براءات جماعية من حزب البعث. ففي إحدى هذه المناسبات اجتمع ما يقارب ألف ضابط عسكري سابق في الموصل وأعلنوا براءتهم بصورة جماعية من الحزب مبدين استعداهم لخدمة العراق الجديد. يجب أن نرحب بهذه المواقف ونشجعها. فما الخطأ في ذلك، وإلا ماذا نعني بالمصلحة والمسامحة؟ وهل العهد الجديد هو عهد الانتقامات والإنتقامات المضادة ومتى سيتوقف مسلسل العنف هذا؟ وكما قلنا وأكده غيرنا وردده السيد بريمر قبل أيام «أن اجتثاث البعث يهدف الى انهاء الفكر البعثي وليس لمعاقبة اعضاء الحزب».
وأخيراً جاء هذا التأكيد في بيان صحفي(161) يوم الأحد 25/4/2004، لمجلس الحكم الإنتقالي الذي يتفق تماماً مع قرار السيد بريمر فيقول: "إن سياسة مجلس الحكم بخصوص اجتثاث البعث لم تتغير وليس هناك نية بتغييرها ونحن في هذا متفقون مع السيد السفير بول بريمر وهي السياسة الصحيحة ". ويواصل البيان قوله: "ان مجلس الحكم يعلن بان الخطاب وما جاء فيه حول اجتثاث البعث كان بالاتفاق مع المجلس ومع هيئة اجتثاث البعث وهو ينسجم مع سياسة اجتثاث البعث ولا يخالفها".
لذلك أرى هذا القرار صحيحاً وجزءً مهماً من عملية المصالحة والمسامحة لتضميد الجراح وإعادة الثقة بين العراقيين ومشاركة أكبر عدد ممكن منهم في بناء وطنهم بعد أن تخلص من الفاشية. كما وقد تمت إعادة الكثير من البعثيين إلى وظائفهم حتى قبل هذا القرار. إذ يقول السيد بريمر في خطابه الأخير( ان اكثر من 70% من رجال الجيش العراقي الجديد ورجال فيالق الدفاع المدني قد خدمت بشرف في الجيش العراقي السابق، ولقد عبروا عن رغبتهم في خدمة وطنهم ونحن نرحب بهم. وباعادة تشكيل هذه القوات فقد تم استفادتنا من خبرات ومهارات العديد من عناصر المجموعات المسلحة التي شاركت في الكفاح ضد صدام حسين. وسوف نواصل الترحيب بمثل هؤلاء الافراد في الجيش العراقي، وفيالق الدفاع المدني العراقية، وقوات الشرطة، قوات وحرس الحدود- إيلاف 24/4/2004).
كذلك هناك 70 ألف من المعلمين والمدرسين تم فصلهم بسبب انتمائهم إلى الحزب. وكلنا نعرف أن هؤلاء كانوا مهددين برزقهم ما لم ينتموا إلى الحزب. وعدم إعادة هؤلاء إلى وظائفهم فستكون هناك مشكلة تربوية وإنسانية كبيرة. فكما يقول بريمر: «ان استدعاءات المدرسين في مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي والذين كانوا سابقا في المرتبة الرابعة (بموجب هرمية حزب البعث) ولم تتم معالجتها بعد، ستعالج بحلول 20 يوما». وقال ايضا «طلبت من لجنة (اجتثاث البعث) معالجة حالة المئات من أساتذة الجامعات بالصورة المستعجلة نفسها». وهذا يعني أن (برنامج إحتثاث البعث) مازال معمولاً به ولجنة اجتثاث مازالت تواصل مهمتها ولم يتم إلغاءها كما يتصور البعض.
كذلك فيما يخص عودة العسكريين. فالجيش العراقي الجديد بحاجة إلى ضباط من أصحاب خبرة وسوابق نظيفة. ونحن نعرف أن صدام حسين قد أهان الجيش العراقي بمنح نفسه وأقاربه أرفع الرتب العسكرية دون استحقاق. إن عملية تأسيس جيش جديد واختيار ضباط سابقين نظيفين له أسهل وأضمن للثقة والسلامة مما لو تم إبقاء الجيش السابق على حاله والقيام بتطهيره من العناصر السيئة فيما بعد.
والقرار الجديد لا يعني مشاركة حزب البعث في السلطة الإنتقالية القادمة، حيث «.. صرح المتحدث باسم التحالف دان سينور ان هذا الخيار الجديد لا يمثل تعديلا في سياسة التحالف التي تحظر حتى الآن على مسؤولين كبار في حزب البعث شغل مناصب عالية في الادارة والجيش. وشدد على ان عملية تجنيد ضباط كانت مطروحة على الدوام بعد تجنيد عسكريين من رتب ادنى وستخضع ملفاتهم جميعا للتدقيق للتأكد من انهم غير متورطين في عمليات تعذيب او جرائم اخرى» (الشرق الأوسط، 25/4/2004). وهذا يعني أن قرار إعادة البعثيين السابقين الذين تبرؤوا من حزبهم لوظائفهم قد سحب البساط من تحت أقدام حزب البعث الذي سيخسر أغلب أعضائه إلى أن يختفي تماماًً فمكانه محجوز في مزبلة التاريخ.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمواجهة الإرهاب.. الأمن أولاً والديمقراطية ثانياً
-
أسباب نشوء الحركات الإسلامية المتطرفة
-
هل مقتدى الصدر مخيَّر أم مسيَّر؟
-
فدائيو مقتدى- صدام، يفرضون الإضرابات بالقوة
-
بعد عام على سقوط الفاشية..التداعيات وأسبابها!!
-
شكراً مقتدى!... على نفسها جنت براقش
-
البرابرة
-
الانفجار السكاني من أهم المعوقات للتنمية
-
تعقيب على توصيات مؤتمر أربيل رفض (اجتثاث البعث) وصفة لإفشال
...
-
ماذا يعني عندما يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع؟
-
مجموعة مقالات
-
مجموعة مقالات
-
مراجعة بعد عام على حرب تحرير العراق
-
التداعيات المحتملة لجريمة اغتيال الشيخ ياسين
-
نعم للمصالحة والمسامحة والاجتثاث!
-
هل إلغاء قانون الأحوال الشخصية أول الغيث... يا مجلس الحكم؟
-
رسالة إلى آية الله السيستاني حول قتل المسيحيين في العراق
-
حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟
-
حول تصريحات السيد الحكيم بشأن تعويضات إيران من العراق
-
عذق البلح - وعقلية أيتام صدام التآمرية
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|