فلاح علي
الحوار المتمدن-العدد: 2671 - 2009 / 6 / 8 - 08:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
جماعات الضغط هي ظاهرة إجتماعية وسياسية وتعد مؤشراّ حضارياَ وبحاجة لها كل المجتمعات وهي تتكون من مجاميع نشطة من الأشخاص تجمعهم رؤية وتوجة ومصلحة مشتركة , تقوم بنشاطات تهدف منها في التأثير بأتجاهين الأول هو الرأي العام لأستنهاضة لتشكيل قوة ضغط سياسية منه لغرض تحقيق الأتجاه الثاني هو في التأثير على السلطة السياسية وتغير سياستها وتوجهاتها لما يخدم مصلحة الرأي العام
فالرأي العام قوة كبيرة فاعلة ومؤثرة ولا يستهان بها في كل نظام سياسي , لهذا أن كثير من الأنظمة السياسية في العالم تسعى جاهدة للتعرف على إتجاهات الرأي العام في بلدانها وتراقب تحولاته وهذا ما تأخذه بنظر الأعتبار عندما تضع سياساتها وخططها وتوجهاتها وتتخذ قراراتها .
تعمل جماعات الضغط مع الرأي العام في التأثير فيه من خلال إحداث تغيرات في الوعي الجمعي والذي تنطلق بنشاطها من حاجات الرأي العام الأساسية ومصالحة في الجوانب ( الأجتماعية والأقتصادية والثقافية والسياسية والحقوق المدنية والقانونية والحريات ..... إلخ) . إن هذا الدور الذي تقوم به جماعات الضغط في تعبأة الرأي العام هو لغرض التأثير على السلطة السياسية وإنصياعها للرأي العام لهذا فأن جماعات الضغط لها خاصية متميزة هي بدلاَ من التوجه للحكومة بشكل مباشر فهي تتوجه للرأي العام لتشكل منه قوة ضغط كبيرة وفاعلة . وهي تعمل بأتجاهات متنوعة في البلدان الصناعية والمتطورة وقد يطلق عليها ب ( اللوبي ) ولكن ما يهمنا هنا هي ظروف بلدنا وأهمية تفعيل دور جماعات الضغط في التحرك على الرأي العام العراقي .
قوى اليسار والديمقراطية بحاجة لمبادرات عملية تهدف إلى تنمية دور جماعات الضغط :
بلا شك أن قوى اليسار والديمقراطية بنشاطها المتنوع تؤدي دور جماعات الضغط , وكذلك منظمات المجتمع المدني النقابات العمالية والمنظمات الأخرى وحتى الكتل البرلمانية ولكن بما أن التأريخ والمنجزات الكبيرة تصنعهما الجماهير . فأن هذه الأحزاب تؤمن في مشاركة الجماهيرفي صنع القرار السياسي وهذا أمر لم يعد أحد التقليل من شأنه . وما تؤكده الوقائع أن في ظروف العراق الحالية , أن لقوى اليسار والديمقراطية رصيد جماهيري كبير لم يتم توظيفه بعد أو لم يتم الوصول لعمق هذا البنك الجماهيري الكبير , لأسباب كثيرة وما يمكن تأشيره هنا ضعف إمكانيات قوى اليسار والديمقراطية في وسائل الأعلام والأتصال الجماهيري , رغم تطور تكنولجيا المعلومات التي أسقطت كل أشكال الأنغلاق والأبتعاد عن الجماهير , إضافة إلى غياب أشكال التنسيق والعمل المشترك بين قوى اليسار والديمقراطية وهذا الخلل هو من أحد أسباب الأنعزال عن الجماهير , صانعة الأحداث والأنجازات والأنتصارات العظيمة . ففي ظروف كظروف العراق الحالية أن التنسيق المشترك في دعم وتطوير إمكانيات ونشاط منظمات المجتمع المدني وتنمية وتطوير وتشكيل جماعات الضغط المتنوعه هو المدخل السليم للوصول للرأي العام العراقي ( في الأرياف والمدن) والتأثير عليه وتفعيل دوره ونشاطه وفق القانون في الضغط على الكتل الطائفية المهيمنة على السلطة السياسية . فالرأي العام قوة تأثيرية خاصة في ظل ردائة مستويات المعيشة وإنعدام الأستقرار والخدمات وتدهور الأوضاع الأقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية للجماهير .
المبررات التي تدفع بقوى اليسار والديمقراطية إلى التوجه لتشكيل وتفعيل دور جماعات الضغط :
1- أن الحياة السياسية في البلاد لا تزال مقيدة برغبات نخبوية وصراع مصالح وإستئثار وهيمنة وتدخلات إقليمية وغياب القانون , وهذا ما يجعل الواقع متلبداَبالغيوم ومتغير بالوقت نفسه , وما يمكن تأشيره هنا أن المراقب السياسي يجد أن حالة التباعد والفجوة كبيرة بين السلطة والنخب السياسية المهيمنة عليها وبين قطاعات واسعة وكبيرة من جماهير الشعب . وبنفس الوقت نرى المؤشر الآخر هو فقدان الثقة من قبل الرأي العام بهذه الكتل . كما أن الضغط الآيدلوجي الشمولي من قبل أحزاب الأسلام السياسي المهيمنة على السلطة في التضييق على الحريات الشخصية هو في وتيرة متصاعدة وهستيرية تكمن ورائها مخاوف من فقدان أحزاب الأسلام السياسي لكتلها الجماهيرية . وبنفس الوقت نجد أن جماعات الضغط في العراق هي حديثة النشأة والتكوين ولم تتبلور وجهتها وفاعليتها بعد كما أن ما يؤشر تطورات الوضع الأجتماعي والسياسي في البلاد أن جماهير الشعب قد سأمت من أحزاب الأسلام السياسي لأنها لاتلبي طموحاتها وهي تتطلع إلى القوى الديمقراطية لتلتف حولها إلا إنه ما يمكن ملاحظته و تثبيته أن قوى اليسار والديمقراطية أولاَ إن إمكانياتها محدودة ونشاطاتها الجماهيرية غير واسعة وثانياَ إنها غير موحدة وثالثاَ ليس بمقدورها أن تفرض هيمنتها بعد على الشارع وتؤثر على الرأي العام لظروف وعوامل عديدة , من هذا يتطلب منها مبادرات ومن هذه المبادرات , هي التوجه لتشكيل جماعات الضغط وتمكينها لتلعب دورها الفاعل في ظروف العراق الحالية جنباَ إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني .
2- أوضاع المجتمع المتدهورة في إنعدام الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية والأقتصادية وأزمات السكن وتفشي ظاهرة البطالة بين الخريجين وظاهرة الفساد الأداري والمالي .... إلخ . هذا مؤشر كبير لضرورة وجود جماعات الضغط للعمل مع الرأي العام العراقي لتعبأته من أجل أن يلعب دورة في التأثير على توجهات السلطة وخططها .
3- الصراع بين الكتل الطائفية والقومية المهيمنة على السلطة , رغم أن الصراع هو حالة طبيعية حتى في ظل الديمقراطية ولكنه يبقى صراع تنافسي . ولكن في ظروف العراق الحالية وفي ظل الصراع على المصالح الفئوية يتجه أحياناَ الصراع بين هذه الكتل نحو المنحى العدائي . وما يتلمسه المواطن أو أي مراقب للأحداث في العراق هو : غياب الأستقرار , وسيادة التطرف وتحجيم العقلانية وغياب الحوار والمرونة وسيادة روح الأستئثار والهيمنة . فالرأي العام هو المتضرر من صراع المصالح الفئوية فالمهمة التي تحظى بأولوية في الظرف الراهن هو العمل مع الرأي العام وتعبأته للضغط على المتحكمين في السلطة السياسية الذين يضعون مصالحهم الشخصية والفئوية فوق المصلحة العامة .
4- أن أحزاب الأسلام السياسي تعيش أزمة سياسية وهذا ما يلاحظ من التخبط في سياساتها وتوجهاتها ومن خضع لضغطها نتيجة حاجة أو خوف , قد فقد ثقته بها الآن ولم يحصل منها غير الوعود الكاذبه , ومن يمتلك رؤيا بعيدة يرى في الأفق البعيد ملامح إنكفائها وتحجيمها وأفول نجمها الباهت , وستتحرر الكتل الجماهيرية المغرر بها من هيمنتها وسطوتها , فهي الآن تحفر قبرها بيدها . وما يلاحظ على أحزاب الأسلام السياسي في العراق , أن مصادر قوتها هي خارجية ( من الدعم الخارجي الأقليمي) فهي تفتقر لمصادر القوة الداخلية لأن تطلعات الجماهير لا تلتقي مع توجهات أحزاب الأسلام السياسي الطائفي المنغلق المتحجر الفكر والممارسة . ومن الحقائق التي لابد من تأشيرها في هذا المجال أن الوعي الجماهيري هو ليس من العوامل الثابته إنه متغير , وبما أن أحزاب الأسلام السياسي جذورها سطحية في المجتمع فكلما تطور الوعي الجماهيري يؤدي إلى موت هذه الجذور السطحية التي تعيش بشكل مؤقت في الظروف الغير طبيعية . والظروف الطبيعية هي الديمقراطية وسيادة القانون والذي تخشى منها أحزاب الأسلام السياسي . ومع هذا فأن تحجيمها وأفول نجمها لايتم بطريقة ميكانيكية ذاتية تلقائية وإنما من خلال تنامي وعي الجماهير فهي تخشى نمو الوعي الجماهيري من هنا مهمة جماعات الضغط في العمل مع الرأي العام العراقي .
5- أن نماذج أحزاب الأسلام السياسي وتجاربة في كل البلدان قد عجزت عن بناء دولة العدل و القانون وتحقيق الرفاة الأجتماعي وضمان حق المواطنة . وإذا كانت تركيا مثال فالفضل يعود لجماعات الضغط العسكرية التي تضغط لتحافظ على علمانية الدولة وقد أثرت حتى على حزب العدالة والتنمية الأسلامي الحاكم ليكون أكثر إعتدالاَ .وعلى صعيد العراق فالديمقراطية الناشئة تواجهها مخاطر كبيرة نتيجة المحاصصة الطائفية والقومية التي مضى عليها 6 أعوام ويخشى الشعب أن تتجذر هذه الحالة . من هنا أهمية جماعات الضغط لأستنهاض الرأي العام للوقوف ضد المحاصصة الطائفية والقومية المقيته .
6- ومع هذا أن أحزاب الأسلام السياسي عملت وتسعى بكل السبل لتكون لها جماعات ضغط عنيفة تريدها أن تكون أقوى من القانون , لأنها توظف الدين لأهدافها الأنانية ( فكونت جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان بشكل غير معلن وتمتلك المال السياسي والأعلام والقوة لأنهامدعومة من قبل أحزاب السلطة السياسية .... إلخ ) وإنها تمارس الأكراه وتصادر الحريات العامة والشخصية وتروج للشمولية وتلغي الآخر . لأنها تهدف لأخضاع الناس لأرادتها وتأسرهم لغرض فرض هيمنتها على الشارع العراقي وبالتالي تريد أن تفرض مشروعها بالقوة ولكن بأسم الديمقراطية الذي شوهتها هذه الكتل وخضعتها لمصالحها وحجبتها وقننتها . نجدها في وسائل الأعلام تتحدث عن الديمقراطية بكلمات جميلة ولكن في الممارسة إنها تشوة الديمقراطية وهي تسعى لأسلمة القوانيين بدون وجهة حق وهي شمولية في الفكر والممارسة والسلوك , لهذا إنها لا تمتلك برامج سياسية وليس لديها رؤية فكرية لبناء الدولة الديمقراطية . فهي طرف أساسي في الأزمات التي يعيشها الشعب . وليس لديها أي حلول عملية . ستجد هذه الأحزاب الطائفية أن الشعب سيتخلى عنها ولا يمد لها يد المساعدة لمساعدتها للخروج من أزماتها . والمؤشر الذي يرصده كل مراقب للأحداث في العراق الآن أن الكتل الشعبية الجماهيرية بدأ ينمو شعور في وسطها بعدم الثقة بهذه الكتل المهيمنة على السلطة السياسية . من هنا أهمية تفعيل جماعات الضغط للعمل مع الرأي العام لتضغط وفق القانون من أجل ضمان توطيد أسس بناء دولة العدل والقانون .
7- لهذه الأسباب وغيرها فأن مصالح وتطلعات الشعب وضمان وحدته الوطنية وبناء الوطن وإستقراره وتطوره يدعوان إلى الحاجة لقانون ديمقراطي وهذا ليس بالمستحيل إذا ماتمكنت قوى اليسار والديمقراطية من صياغة تاكتيكات صائبه ورفع شعارات واقعية تنطلق من حاجات الجماهير وتعبأتها وتحويلها إلى قوة سياسية ضاربة , لاتصمد أمامها المحاصصة الطائفية والقومية فتتراجع أمام ضغوطها وهذا يحتاج لعمل صبور ومتفاني ونفس طويل والمدخل لذلك هو تفعيل نشاطات جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني .
8- إن جماعات الضغط في العراق رغم إنها لاتزال في بدايات التكوين , ولكنها ظاهرة حضارية تؤشر إلى نهوض في الوعي السياسي , وإنها تمتلك قوة ضغط جماهيرية كبيرة يخشاها أصحاب السلطة إذا ما جرى الأهتمام بها وتفعيل دورها . وأذكرعلى سبيل المثال نشاطها وتأثيرها المتميز في إلغاء قرار مجلس الحكم رقم 137 المنتهك لحقوق المرأة والذي شرع من أحد أقطاب الأسلام السياسي وأن هذا المثال يؤشر على قدرة هذه المنظمات في الضغط على مراكز القرار وفي أن تكون رقيباَ حتى على مجلس النواب من أجل الحفاظ على الديمقراطية التي تتعرض لفوضى السلبيات والأزمات من قبل الكتل الطائفية ( ملاحظة لا بد من التأكيد أن قوى التطرف والأرهاب وبقايا النظام المقبور والتدخلات الأقليمية لها دور في عدم إستقرار الوضع السياسي وفي إستمرار عمليات التخريب) لكن المحاصصة الطائفية هي سبب في عرقلة المصالحة الوطنية وفي عدم حل أزمات البلد وهي تعرقل إقامة دولة القانون .
9- لجماعات الضغط قوة تأثيرية هائلة في وقت الأنتخابات , لا سيما وأن الحملات الأنتخابية التي تمارسها أحزاب الأسلام السياسي هي بعيدة عن الممارسة الديمقراطية ( حيث تلجأ لأسالليب مفهومة لدى الشعب هي الأغراء والرشوة والتهديد وإستخدام الخطاب الديني المقدس في الحملة الأنتخابية وممارسة التضليل والخداع ويلجأ بعضها لأستخدام إعلام الدولة ومؤسساتها للحملة الأنتخابية ..... إلخ ) فأن جماعات الضغط تعمل مع الرأي العام لتحصينة ضد هذه الممارسات وتحريرة من الخوف وبنفس الوقت تفضح من يقف وراء هذه الممارسات .ويكون بمقدورها التأثير الأيجابي على المتطرفون والتقليل من تأثيرهم السلبي في المجتمع . ومن أجل الديمقراطية الحقة وضمان مصالح الشعب والوطن بدلاَ من المصالح الفئوية والشخصية الذاتية والأنانية لا بد وأن تكون أحد مهام جماعات الضغط الآن هو العمل مع الرأي العام العراقي من أجل الضغط على الكتل المهيمنة على السلطة للعمل بنظام الدائرة الواحدة في الأنتخابات البرلمانية القادمة .
10- هناك فرص كبيرة أمام جماعات الضغط للعمل في مجال كشف الفساد المالي والأداري والدفاع عن حقوق الأنسان وعن حقوق الطفل وحقوق المرأة وفي المجال الأقتصادي والأعلامي والسياسي وفي الريف أيضاَ . فقوى اليسار والديمقراطية أعتقد أن من أولويات نشاطها هو تنسيق عملها المشترك لتدعيم وتفعيل دور جماعات الضغط وتطوير نشاطها وتنوعة . وأن تقف في جبهه واحدة مع منظمات المجتمع المدني وأن تعمل جماعات الضغط وفق الدستور العراقي وأن تبتعد عن التمويل الخارجي حتى لا تكون أدات لجهات خارجية وأن تكون معروفة وغير وهمية وأن تضم المتطوعون النشطاء من كلا الجنسين لتكون قوى كامنة كبيرة في المجتمع وتشكل أحد القوى الداخلية كما هي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تعمل مع الرأي العام ليصبح قوة تأثيرية كبيرة غير محدودة ضاغطة وتقوم بدور الرقابة أيضاَ شريطة أن يكون نشاطها سلمي ووفق القانون .
#فلاح_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟