|
وفاء سلطان .. مبضع متمرس ، لا زال يضرب في عمق الورم العربي .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2669 - 2009 / 6 / 6 - 09:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ونحن نتابع بشعور من الفزع ، ما يجري من تخريب لكل ما هو متصل بالمدنية وحقوق الانسان ، ويؤرقنا على الدوام ذلك الايغال في فعل أقذر وابشع عمليات التصدي لكل نشاط انساني يحمل سمات الحداثة ويسعى للتقدم ومواكبة ركب الحضارة الساعية حثيثا الى الامام ، ونراقب عن كثب تلك الارتدادات العنيفة في حركة مجتمعاتنا العربية والتي تنزع لقتل كل ما هو جديد حتى أضحى من ينادي بالحرية الفكرية والانعتاق من أسر الاحتكام القسري للدين وشرائعه في كل شيء ، أضحى وكأنه كائن ضار بل ومرض عضال لا مناص من استأصاله وبشتى الطرق أقول ونحن نراقب هذ كله ، يلفنا من الجانب الاخر، أمل يفتح أمامنا نافذة يبزغ من خلالها فرح مؤطر بالشعور بالقوة امام كل هذا الجبروت الآسن ، والمؤسس على ارضية استغفال المساكين وسوقهم ضحايا على مذبح الدين والايمان بالخرافة ومحاولة ايقاف عجلة التاريخ ، ولي رقبته ليعود رغما عنه الى الخلف المريض . انني أشعر حقا بريح منعشة ترطب محيطي العامر بالجفاف ، حين اسمع وارى واقرأ لافذاذ يحملون من روح المقاومة الكثير ، ويتمتعون بالقدرة القوية على المطاولة ، ويمتلكون نفسا طويلا في مقارعة سبل التخلف في بلادنا ، رغم هول ما يتعرضون له من نهايات محتملة على المستوى الشخصي والعائلي الى الحد الذي يجعلهم على الدوام عرضة للتصفية الجسدية . ومن هؤلاء المتقدمين علينا جميعا ، نحن الذين لا زلنا نسهم في حمل راية التغيير ، تقف الدكتوره وفاء سلطان شامخة على ربوة الجهاد من اجل نصرة الحق والحقيقه . لقد تميزت الدكتوره وفاء بأنها لم تكتفي بمس الدمل الظاهري في جسد الامة ، بل راحت تمزق بمبضعها وبفن مقتدر يحسب لكل شيء حسابه ، أعماق ذلك الجسد لتطال بالتشريح عفن قدر له ان يكون هناك ، في الاعماق البعيدة لتضرب فيه وبالمباشر ، واضعة عليه وبشجاعة فائقه مراهم من شأنها أن تعمل فيه كيا واستأصالا وازاحه .. انها لم تكتفي بانصاف الحلول ، ولم يثنها الخوف من رهبة الاعداء أن تتعرض للمقدس المملوء بالخرافه ، حيث كان لها حضورا متميزا وفي محافل شتى لتقول كلمتها وتبدي رأيها وتعزز معتقداتها دون تردد . انني وخلال مسيرتي المتواضعه ، والتي كنت خلالها نصيرا لقضايا المرأه في بلدي العراق ، وكتبت الكثير في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والطفل ، فلقد كنت وفي عدة مفاصل فكرية على المستوى الشخصي لا أرغب بذلك التصنيف المقرف والذي يقسم الانسان عموما الى امرأة ورجل ، واحساسي كان على الدوام بأن المسألة لا ترتقي ابدا الى حدود التفريق بين كائنين احدهما أدنى من الاخر ، ولم أقترب يوما من فكرة القوامة البذيئه من قبل الرجل على المرأة وبأية صيغة كانت .. بل وواجهت بعنف ولا أزال كل توجهات التخريف العقائدي والمذهبي المستند على الشرائع غير المدنية والتي تذهب الى أن المرأة هي كيان ضعيف لا تقوى على الخلق والابداع وصنع الافعال العظيمه ، ومع أن الحياة قد ألقمت الافواه المريضة حجرا والتي تطلق على الدوام ريحا كريهة حينما تنطق بمعادات المرأة والدعوة لهظم حقوقها بحجة كونها رقما لا يعتد به ، كانت تلهمني أسماء تحيطها هالات الفخر كوفاء سلطان لتعزز لدي روح الثقة بصحة التوجه وصواب الموقف . اذ ليس من السهل بالمره أن تواجه شخصية تحمل في ثنايا قضيتها ارهاصات مختلفة تجعلها امام اعداء شرسين يقفون منها موقف الضد لا لشيء الا لكونها أمرأة ، ثم تضيف لنفسها عدوا آخر هو أكثر استعدادا لحمل جذوة المرض واكثر شراسة واستعدادا على ارتكاب حماقات اتخاذ مواقف العنف لتقول له أنت كما أنت ، وتكشفه على حقيقته وتعريه وتجعله عرضة للسخرية حينما تكفر به وعلى رؤوس الاشهاد علنا جهارا وفي وضح النهار ، فهي اليوم تقف قبالة جبهة موحدة من سدنة الدين والمتخلفين الرجعيين ودعاة الفكر السلفي ومرضى تقديس الماضي السحيق ، وتتعرض بشكل يدعو للاسف احيانا لأسخف القول من اناء ينضح بما فيه من جهل وخواء لتوصم بعار هو ليس فيها ويدل على ضعف مطلقيه . الصراع برمته في بلادنا بين الحداثة والتخلف ، بين الرجعية والتقدم ، بين صنع التاريخ ومواكبة حضارات الامم وبين عبادة الماضي المطمور تحت ركامات زمن غابر ، الصراع المحتدم بين الرغبة في سن دساتير حضارية تؤمن بحقوق الانسان أيا كان جنسه وموطنه ودينه ، وبين الدعوة لاتباع سنن السالفين ممن لا دستور لهم غير انهم زيفوا لنا تاريخا على مقاساتهم وحسب اهوائهم ، هذا الصراع اليوم يبدو على أشده .. ومن الطبيعي أن يكون للجبهتين من يدافعون عن احداهما ضد الاخرى ، وحين يسطر العارفون بفن كتابة اسماء الفاعلين الرئيسيين عند جبهة التحرر والداعين لبناء الانسان على أسس رصينة متقدمة وحضارية ، لابد له لكي يكون منصفا أن يذكر أولا وقبل كل شيء أسماء النساء من الرائدات في احياء حركات التحرر، والدكتوره وفاء سلطان واحدة منهن بامتياز . وما يجعلني أقرر بثقة عاليه بأن هذه المرأة تحمل تميزا هو أنها كانت ولا تزال تستهدف بسهامها قلب جيوش الاعداء ، ولا تكتفي بمحاورة سطح الفكر الرجعي ، وقد ذهبت بعيدا لتضرب في المقدس ذاته ، آخذة دور من يرغب في مس كبد القضية ولكنه يخاف من التبعات ، أو أنه يقدر الامور بأبعاد فكرية قد لا تقترب مما اقتربت اليه هي وبشجاعة متناهيه . غير أنني وبروح يملؤها الاحساس بالرغبة في أن تتعزز مواقفنا بقوة أعظم ، أرى بأن للقضية أذرع شتى تسبح في فضاءات عالمنا المريض والمهووس بطلاسم التخلف ، ومن هذه الاذرع ان جاز لي التعبير على هذا النحو ، قضية حقوق المرأة في بلادنا والتي أضحت لا تسر عدو ولا صديق ، بل انها حيز وجدت فيه قوى الضلال والرجعية ارضيتها الخصبه لتزرع فيه شتى صنوف البذور الحاملة لامراض المجتمع ، وما ألتمسه من الدكتوره وفاء أن لا تبخل بعطائها الثر والمتميز كي توظفه وبقوة واستمرارية لا تنقطع لنصرة قضايا النساء والدفاع عن حقوقهن ، سيما وانها تحمل تصورا يرتكز على معرفة واسعة باصول معاناة المرأة في بلادنا . فتحية مني مخلصة للدكتوره وفاء سلطان .. ولها أن تفتخر بريادتها لجبهة الرفض الداعية لحماية ابناء جنسها رجالا ونساء واطفال من رجس التخلف والتبعية المشينة لاعراف الماضي المندثر . وتحية لكل النساء اللواتي لا زلن يسهمن وبقوة وعناد في صنع المستقبل الزاهر للاجيال القادمه .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا والأبيض المتوسط ... والمفوضية الساميه لرعاية شؤن اللاجئي
...
-
بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل ال
...
-
من منكم يعرف ( صبيحه ) ... سمراء العراق ... ضحية الزمن المكر
...
-
ما هو السبب في انقراض حضارتنا ، كما يقول أدونيس ، وماذا علين
...
-
هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فه
...
-
ألمشهد العراقي من خلال بيان نيسان للحزب الشيوعي العراقي .
-
منابر ألفتوى ألدينية وعواقب اجترار ألتاريخ ألبائس
-
تجليات فكرية من وحي الواقع .
-
معهد ألفنون ألجميلة في بغداد .. مهدد بالاغلاق وتحويله الى مؤ
...
-
ألمهندس سلام أبراهيم عطوف كبه .. ومحنته مع وزارة ألهجره وألم
...
-
مصادر فكر ألتنوير .. وضرورات ألتوحد لكسر شوكة ألمقدس .
-
الاستاذ منير ألعبيدي وعقلية ألمثقفين ألحزبيه .
-
أبشروا بزيارة قريبة لامير ألمؤمنين من ضواحي أفغانستان الى أل
...
-
هل حقا أن أمتنا قد دخلت مرحلة ألانقراض ؟!
-
آن ألاوان لاحياء ذكرى ألخالد فهد ورفاقه ، وتأسيس متحف يحكي م
...
-
أنا والامام ألعباس .. وألطواشه !
-
ألشيوعيون في العراق .. رموز نضالية عالية ألشأن لا تطالهم رمو
...
-
سيبقى ألحزب ألشيوعي ألعراقي لونا مبهرا في نسيج ألحركة ألنضال
...
-
أيها ألعراقيون .. لا تستغفلكم دعوات ألمصالحة فتعودوا ضحايا م
...
-
مع خالص تحياتي للمرأة ألنموذج بيان صالح .. ألمرأة في بلادنا
...
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|