اكثم نعيسة
الحوار المتمدن-العدد: 2667 - 2009 / 6 / 4 - 09:11
المحور:
حقوق الانسان
ليس عيبا الاعتراف بما آل إليه وضع حركة حقوق الإنسان السورية الذي بات مثيرا للشفقة إلى حد كبير و لم يعد الأمر خافيا على احد في الداخل أو الخارج الوضع المزري لهذه الحركة وأيضا لم تعد خافية الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذا الوضع السيئ ، من المؤكد أن تردي حركة حقوق الإنسان يتماشي طردا مع تهاوي الحركة المجتمعية المدنية السورية أو في اقل تقدير مع تهاوي احد ركني تعابير العملية السياسية السورية " المعارضة " سياسياً وفكرياً وتنظيمياً "ليس فقط بسبب استمرار قمع السلطات لها ،وإنما أيضا لأسباب ذاتية، بعضها تتعلق ببنيتها الفكرية والتنظيمية، وبخطابها السياسي
وبآليات عملها وأداءها في المجتمع السوري، وبعضها الآخر تتعلق بقراءتها
الخاطئة للمشهد السياسي السوري، وبسوء تقديراتها لمسار التطورات السياسية
والأحداث التي عصفت بالمنطقة والعالم في السنوات الأخيرة". ، وفي رأيي أن الرابط بين المعارضة السورية وبين الحركة الحقوقية السورية يتمحور على اعتبار إنه في أي مجتمع عادي- طبيعي تصاغ عمليته السياسية من قبل كتلتين اساسييتين " موالاة ومعارضة " وفي بلدنا تعتبر المعارضة هي الطرف الأضعف في المعادلة السياسية العامة حيث تتعرض للاضطهاد من السلطات " الموالاة " مما يدفع بمنظمات حقوق الإنسان إلى الدفاع عن الانتهاكات الموجهة ضدها كمؤسسات أو أفراد ، واستطرادا لازلت أرى بان نقاط القوة في الحركة الحقوقية تكمن في استقلاليتها عن الايديولجيا الحزبية وعن الحكومة ومؤسساتها أيضا واهم نقاط ضعفها هي في تبعيتها لحزب أو كتلة سياسية منظمة ولعل التجربة العملية قد كشفت بجلاء ووضوح عن صحة هذا المبدأ، والرابط الثاني هي في كون حركة حقوق الإنسان جزء من حراك اجتماعي كلي يتشكل من مكونات أساسية "أحزاب جمعيات مؤسسات هيئات الخ تتأثر بصورة جدلية يبعضها البعض.
وفي كل الأحوال فان اعتبارنا لنشاط وحركية جميع مكونات المجتمع المدني السوري لاتزال في اضعف مستوياتها وأدناها لايشفع كثيرا لنا ولا يعطينا الحق في أن نستمر بالتفرج على أنفسنا ونحن نغرق كما تغرق مراكب الصيادين العتيقة عند أول عاصفة تصادفها ، ومن المؤكد إن الأمر يحتاج إلى وقفة من التفكير الملي ومن العزة من جانبها الأخلاقي، ومن إعادة صياغة آليات عملنا من الجانب العملي ، وهذا كله يتطلب بصورة أساسية من جميع النشطاء ومن جميع المنظمات الحقوقية أن يمتلكوا جميعا الشجاعة الأدبية الكافية ليقلبوا صفحة الماضي ويبدؤوا صفحة جديدة من النشاط ومن العلاقات الراقية والحضارية فيما بينهم والمبنية على أرضية مغايرة لما هو موجود ، تعكس في مضامينها روح المسئولية التاريخية العالية ، التي تتطلع نحو مستقبل ناشط لحركة حقوقية سورية راقية وحضارية بشكل خاص ومستقبل فعال ونشط للحركة المجتمعية المدنية السورية بصورة عامة.
وانأ أؤكد أن هذه الخطوة ليست بالأمر السهل أو الهيّن بل هي وبقدر مانراها خطوة سهلة المنال إلا أنها وفي ذات الوقت تتطلب درجات عالية من الوعي ومستوى راقي من المسئولية والاهم وكما ذكرنا كّم طيب من الشجاعة وروح الإيثار والتعالي عن الجراح والبعد عن الفر دانية والشخصانية وتغليب المصلحة الحقوقية أولا وتكريس روح الفريق والعمل الجماعي ، وبدءا تكريس الثقة قيما بيننا بعد توفير النوايا الطيبة أو بالأحرى ضرورة الركون في تأويل الأحاديث أو منقولات الكلام إلى النوايا الطيبة ، الأمر الذي يعد المدماك الأولي لبناء الثقة المطلوبة ، والذي تشكل بدورها جسرا نحو بناء نموذج راقي لحركة حقوق الإنسان في سوريا.
إنني ازعم بان حركة حقوق الإنسان تشكل العتلة الأهم في أية عملية للنهوض المجتمعي المدني وتشكل أيضا مسبارا يقاس به تطور هذا النهوض ، ناهيك عن كونها تشكل بيضة القيان في عملية التنمية الاجتماعية ككل اجتماعي ومن هنا تنبع أهمية تنشيط الحركة الحقوقية ليس فقط بهمم نشطائها المتطوعون وإنما أيضا من قبل الجهات الحكومية ومن منطلق أن لا وجود لتنمية اجتماعية أو اقتصادية بدون نشاط إنساني شامل ومسالم محترم ومصان قانونيا وسياسيا يجعل من واجبها أن تدعم نشاط الجمعيات الحقوقية سواء بإنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان أو منح تراخيص قانونية لهذه الجمعيات أو بالدعم المادي لها أو أن تسهل عملها على اقل تقدير وليس بمحاربتها وملاحقة نشطائها كما يحصل الآن .
و لعلي أرى أن صياغة ميثاق شرف الذي يعد مرجعا أخلاقيا وأدبيا وعمليا لهذه الحركة لهو خطوة رئيسية وأساسية في مسار عملية النهوض المرجوة ، ولايمكن لنا تصور صياغة لميثاق شرف بدون دعوة جميع نشطاء حقوق الإنسان أفرادا مستقلين وممثلين عن منظمات حقوق الإنسان داخل وخارج سوريا ودون استثناء احد " معارضة موالاة " ممن يرغب بالحضور ودعوة ممثلين عن مكونات المجتمع المدني أحزابا أو هيئات التي ترغب بالمساهمة أو المراقبة في هذا العمل الوطني الهام على قاعدة أن لافيتو لأحد على احد اياكان انتمائه أو نشاطه الحقوقي ، وبكلمة أدق ليس لأحد السلطة أو الشرعّية ليقّيّم الأخر ، وكل من يعمل في مجال حقوق الإنسان أيا كان انتمائه أو نشاطه الحقوقي هو مرحب به ، فلا تخوين ولا تشنيع ولااية مفردة من مفردات القمع الذاتي التي استخدمت طوال عهود مضت وكانت الشفرة التي قطّّعنا بها أوصال بعضنا البعض .
جميع النشطاء الحقوقيون مدعوون اليوم للبحث الجدي المسئول لوضع ميثاق شرف يحدد آليات العمل الحقوقي والاهم يشكل محددات البني الأدبية والأخلاقية للتعامل والنشاط الحقوقي الذي من المفترض أن تتكئ عليه هذه المنظمات في بناء العلاقات فيما بينها ويشكل أيضا أساسا أو أرضية أولية لميثاق شرف على المستوى الوطني، كما ورد في افتتاحية الصوت العدد الأول لعام 2009:
" إن خلق ميثاق شرف للعمل الوطني الديمقراطي يحتوي العمل الحقوقي ويحدد آليات ومعايير العمل فيه لهو غاية وطنية أولية وأساسية ، تشكل المدماك القوي لإعادة النهوض ليس بالحركة الحقوقية السورية بصورة أكثر جدية وتنظيما وحضارية وإنما أيضا للنهوض بالحركة الديمقراطية الوطنية السورية وعلى أرضية جدية وجديدة وأكثر رقيا وحضارة ، و تشكل من ثم الانعطافة المفصلية التي يبحث عنها الجميع ولايراها وهي أمامهم تنتظر".
اكثم نعيسة – باحث وناشط في مجال حقوق الإنسان .- سوريا
#اكثم_نعيسة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟