|
الصحوة المسيحية 1-2
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2665 - 2009 / 6 / 2 - 08:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وأخيراً أفلح متطرف ديني، أواحد، على الأقل، من أولئك المناهضين للإجهاض، النابع من خلفية دينية وعقائدية في اصطياد الدكتور الأمريكي جورج تيلر الذي أردي قتيلاً داخل الكنيسة التي يعمل بها في كنساس في إحدى الولايات الأمريكية. وكان الدكتور تيلر قد اعتاد على إجراء عمليات إجهاض في عيادته الخاصة، ودافع كثيراً عن موقفه هذا في وسائل الإعلام المختلفة، غير أن هذا على ما يبدو لم يقنع الجميع بصحة موقفه ومزاعمه وحججه حول الإجهاض. ومن الجدير ذكره، بأن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض لها هذا الطبيب لمحاولة اغتيال. فقد تم نسف منزله ذات مرة، بقنبلة، وأفلت من أكثر من محاولة مماثلة لإطلاق النار عليه. ففي التاسع عشر من آب/ أغسطس من العام 1993، مثلاً، تم إطلاق النار، أيضاً، على الدكتور تيلر خارج عيادته في كنساس، وأصيب جراء ذلك بجروح بليغة في أعلى ساقه اليمنى، وقم تم سجن راشيل شانون لمدة أحد عشر عاماً لمسؤوليتها عن إطلاق النار هذا. وهناك، في الحقيقة، تاريخ حافل من استهداف لأطباء يجرون عمليات إجهاض في الولايات المتحدة، لعل أبرزها قتل الدكتور جون بايارد ومرافقه المتطوع جيمس باريت، وذلك خارج عيادة في بينساكولا- فلوريدا في 29يوليو/ تموز من 1994، وقد حكم على بول جيننغز هيل بالموت لمسؤوليته عن تلك الجريمة، وهو عامل كنسي ومن خلفية وتربية دينية. هذا ويعتبر الإجهاض واحداً من أكثر المسائل المتنازع عليها أخلاقياً، ودينياً، وسياسياً في الغرب، حتى يومنا هذا ويثير الكثير من الحساسية في أوساط عدة ومختلفة. ولا زال، موضوع الإجهاض، يتصدر، حتى اليوم، معظم البرامج الانتخابية لمعظم المرشحين لمناصب سياسية أو رئاسية، ناهيك عن أنه لا تخلو عظة، ولا مناسبة دينية، أو قداساً من تلك التي تعقد في أيام الآحاد من الإشارة إليه بطريقة أو أخرى. ولا يزال كثير من ألمع الساسة وأكثرهم جرأة، حتى في أعرق تلك الديمقراطيات التي نسميها بالغربية، يهابون التطرق لهذا الموضوع الحساس والشائك، ويؤثراً الابتعاد عنه، والمراوغة، وذلك لضمان أصوات المناهضين والمؤيدين للإجهاض على حد سواء. ولا تزال الأحزاب الديمقراطية المسيحية تتربع على عرش معظم البرلمانات الأوروبية حتى تلك القادمة، للتو، من الطوق السوفياتي البلشفي الملحد السابق، وتم، لاحقاً، إعادة الكثير من الممتلكات للكنائس في المنظومة الشرقية "سابقاً"، والاعتذار لأصحابها، بعد انهيار الرأس الشيوعي في الكرملين، وساد هوس وحمى دينية ورجوع للأصول المسيحية بعد ذلك التاريخ المثير في المجتمعات التي كانت تحكمها وتتحكم بها الماركسية اللينينية.
وتحظى اليوم برامج الوعظ الديني التي تبث فضائيات بحضور عرمرم وطاغ من شرائح مختلفة في داخل الغرب، وأصبح هناك نجوم وعظيون كبار يحضرني منهم، وعلى الفور، الواعظ المتشدد والنجم الديني التنلفزيوني بات روبرتسون ذو الشعبية الطاغية، إضافة لجورج فالويل مثلاً، الذي قال ما لم يردده أي أصولي سلفي، في تصريحه الشهير: (لا أظن أن لدينا خمسين عاماً من الوقت، ولا أعتقد أن أولادنا سيعيشون حياتهم بأكملها، فنهاية العالم على الأبواب)، أو ما قاله، حتى، جيمس واط وزير الداخلية الأمريكي الأسبق أمام مجلس النواب الأمريكي في معرض حديثه عن التغيرات المناخية : (لأن عودة المسيح وشيكة، وبالتالي نهاية العالم، فلا مبرر للقلق على مسألة تلوث بيئة الأرض ولا التذمر من تخريب الموارد الطبيعية)، إضافة إلى جيمس دوبسون، وغيرهم الكثيرين من المتحمسين والمتدينين في الغرب المسيحي. وبالضبط، على نمط ما لدينا من أمثال عمرو خالد، والجندي، والفيشاوي، والبقية المعروفة.
ولقد كان الرئيس جورج بوش مثلاً واحداً من كبار، وعتاة المناهضين للإجهاض، وهو المعروف عنه بتطرفه الديني والمسيحي. وكان البابا بنيديكتوس السادس عشر قد عـبّر، أيضاً، في زيارته الأخيرة لإفريقيا عن معارضته لاستخدام الواقي الذكري، كواحد من الأساليب المحتملة للوقاية من فايروس الأيدز، نقص المناعة المكتسبة، وإنقاذ الملايين من المصابين به في القارة السمراء، لأن ذلك يتعارض، بكل بساطة، مع القيم الدينية والروحية الغربية، وحق الحياة، والأهم الطبيعة البشرية، وقد يؤدي إلى عدم الإنجاب، وهذا ما أثار ضد الحبر الأعظم، عاصفة من الاحتجاجات في حينه، من أكثر من جهة سياسية وحقوقية، في طول العالم وعرضه.
فالأصولية الدينية هي واحدة في جميع الأديان والمجتمعات، ولا تختلف من دين لآخر، وقد سقنا هذا المثال للتدليل فقط، على حساسية هذا الأمر في التفكير الغربي بشكل عام، في الوقت يعتقد فيه البعض، ويردد، جهلاً، وخطأ، ويشتغل عليه، وخاصة في أوساط أصولية وسلفية شرق أوسطية، بالمعظم، أن الغرب منحل دينياً وخلقياً. وأن تلك الحرية الشخصية العالية التي يتمتع بها الفرد هناك، ما هي إلا وجه، ودليل على انحطاط هذا الغرب، وتحلله، وانعدام الأخلاق فيه، وهذا خطأ شائع وفظيع يقع فيه كثيرون من أصحاب هذا النمط من التفكير السطحي فالقضية، بالتأكيد، أعمق من هذا بكثير. ولا نسمع كثيراً عن احتجاجات في مجتمعاتنا على هذه القضية الحساسة مثلاً، بسبب انعدام الشفافية، وقلة المعلومات المتوفرة عن عمليات الإجهاض التي تجري بعيداً عن أعين القضاء، والهيئات الرقابية الصحية والقانونية، ورغم اعتقادنا بأنه لا يزال هناك نازعاً دينياً وخلقياً لدى الكثير من الأطباء في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية، يرفضون اللجوء، أو إجراء عمليات الإجهاض، بغاية الربح، أو الفائدة المادية، وإن كان هناك عمليات من هذا القبيل تجري بدافع صحي وطبي. غير أن الأهم، أن هذه القضية لا تأخذ طابع النقاش العلني والأخلاقي العام، ولا يتم تناولها، والتطرق إليها في معظم الإعلام. هل هو بسبب " ازدراء عدم احترام الحياة"، العام، حتى للكبار، وتقديس الموت، وطلبه، والدعوة إليه في هذا الجزء من العالم، أم لجملة أخرى من الأسباب؟
وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي يمكن القول بأنه لا يزال هناك الكثير من الناس في عمق الغرب الحضاري، حتى اليوم متمسكاً بتلك القيم الدينية البسيطة التي عرفها أجداده إلى حد الهوس. ولا يمكن البتة الجزم، بأن هذا الغرب قد تخلص من روحاينته، وتدينه، وغرائزيتاته الميولية اللاهوتية المغروزة في عمق النفس البشرية، أي نفس بشرية، ولا تهم هنا الهوية، ولم يتحول بالمطلق نحو الماديات. فالأخلاقيات ذات المنشأ الديني ما زالت تطغى على تفكيره وعقله، وتسيطر على سلوكه وأفعاله، وربما نرى هناك متطرفين دينيين في الغرب يبزون أقرانهم المتدينين حتى في مجاهل، وأغوار هذا الشرق الأوسط بشقيه القديم، والجديد.
وإذا كنا قد شهدنا، وتكلمنا كثيراً، عما تمت تسميته بالإسلام السياسي، فهناك، اليوم، وبحق، ما يمكن أن نطلق عليه انبعاثاً جديداً للمسيحية السياسية، ليست بعيدة، ولا مختلفة كثيراً، عن الإسلام السياسي، وربما يكون هو المساهم الأول والمسبب بانطلاقتها، وهذا ما سيتم التطرق إليه، لاحقا في هذه الدراسة. ومن يتخوف من أصولية إسلامية، عليه التفكير أيضاً، بصعود ألترا أصولية مسيحية في الغرب، سيرى الجميع تجلياتها في انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث تسجل التوقعات والاستطلاعات صعوداً غير مسبوق لأحزاب التدين واليمين المتطرف الأصولي. يتبع
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تفلت المعارضة السورية من المحكمة الدولية؟
-
هل تكون أفغانستان مقبرة الأمريكان؟
-
كيلو: أخطأ ام أصاب؟
-
شكراً لمحكمة الحريري؟
-
طرائف من العالم: لغز السروال الزهري!!!
-
هل هناك أمل بإعادة تأهيل الأصولي؟
-
إيروتيك تشاينا
-
مذبحة التاميل: لا نفط عندك تهديها ولا مال
-
لماذا تشوش سوريا على فضائيات المعارضين؟
-
الصحوة الكويتية: لا للإسلاميين ونعم للمرأة
-
ثورة البراقع اللامرئية
-
-أماه: أني أرى الأنشوطة تقترب من عنقي-: القصة الكاملة لإعدام
...
-
إفلاس المعارضة السورية
-
الحرب على الفئران والخنازير
-
من قتل الحريري إذن؟
-
انهيار النظام القضائي العربي
-
الخنازير وأمراضها
-
العدالة المأجورة
-
العرب والتخلف الإليكتروني
-
تحوّلات إيران الكبرى: هل تعترف إيران بإسرائيل؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|