|
مشروع نهر البارد.. يجب أن لا يفشل..
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2665 - 2009 / 6 / 2 - 08:09
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كنتُ أخاف دوماً أن أمشي في مخيم فلسطيني في لبنان. ولكن عندما انفجرت أزمة نهر البارد، حدث وكنت أحد أعضاء كادر الأمم المتحدة، وكان علينا الذهاب إلى مخيم بلداوي Beddawi لمساعدة اللاجئين المشردين من نهر البارد. أتذكر عندما دخلت المخيم لأول مرة، صرتُ وسط عالم من الغبار، الصراخ وحشود لا تنتهي من الناس. وفي إحدى الليالي بدّلتْ أم فلسطينية حياتي. كنتُ في طريقي ماشياً للخروج من المخيم عندما سمعتُ عن قرب أصوات إطلاقات الرصاص. صرتُ مرعوباً. ركضت للخروج من المخيم. تعثرت وسقطت على الأرض. ولدهشتي أن إمرأة فلسطينية اسمها فرح ساعدتني على النهوض ونصحتني اللجوء إلى بيتها لدقائق قليلة. عندما خطوت داخل "البيت" وقفت مشدوهاً. لم يمكن هناك شيء ولا قطعة أثاث عدا كرسي مكسور. كان في الحائط ثقب واسع والطلاء أصبح مكشوطاً scraped off. ثلاثة أطفال جالسون على بطانية قذرة. اثنان منهما في بداية مرحلة المشي toddlers. وقريباً منهم تجري مياه قذرة من أنبوب. الرائحة الكريهة جعلت معدتي تتقلب. كمية ملابس ملطخة ومناشف ممزقة تغطي الأنبوب. لم يكن هناك ولا شباك واحد. فقط ضوء باهت من المطبخ. كل البيت كان أصغر من حمام bathroom سكني. أصرّتْ فرح على أن أشرب قبل أن أغادر. حاولتُ أن أرعى شعورها. قربتُ أنفي وجرّبتُ أن أشرب الماء من كوب ذو رائحة كريهة. اعتذرتْ مرات ومرات لأنها لا تملك من الأكل شيئاً لتقدمه لي. شكرتها بصدق. عندئذ جاءت اللحظة التي لا يمكن أن أنساها أبداً.. بدأت أمشي نحو الخارج بعناية حتى لا أسقط في طريق غير متواز uneven steps عندما رأيت زوجها يدخل البيت في نفس اللحظة وهو يُعاني من العطش، واكتشفت أن الأم سبق وقدمت لي القطرة الأخيرة من الماء لديهم!! ذهبت إلى البيت وبكيت.. كنت متأثراً جداً. في تلك الليلة عرفتُ أن من واجبي أن لا أظلّ مرة أخرى أبدأً ساكتاً عن معاناة الفلسطينيين في مخيمات لبنان. الحكومة اللبنانية، المدعمة من المجتمع الدولي، تحتاج أكثر من أي وقت آخر، إلى تطبيق خطوات آنية سريعة لخلق شيء من الأمل لصالح هؤلاء الناس اليائسين hopeless في لبنان.. البلد المتعدد الطوائف، الضغوط الإقليمية والدولية، تشكل عوامل في حالة صدام collidingباتجاه خلق وضع خطير سريع الاستثارة بحيث يمكن أن ينفجر في أي وقت.. بعد ستين عاماً، يستمر الفلسطينيون العيش تحت خط الفقر وفي أحياء فقيرة slums لا ترى النور أبداً. يستوعب لبنان 400 ألف فلسطيني منتشرون في 12 مخيم على طول البلاد. وفي مايو/ أيار 2007، تم تدمير أحد هذه المخيمات الأثنى عشر (نهر البارد) بالكامل خلال خمسة عشر أسبوعاً من المعارك بين الجيش اللبناني وبين فتح الإسلام. بررت الحكومة اللبنانية هذه المعركة بأن فتح الإسلام نحر عدداً من عناصر جيش لبنان وهم نائمون. في منطقة حيث تسود نظرية المؤامرة ، خلقت هذه المعارك إشاعات rumors عديدة زادت من التوترات بين أطراف معارضة في الحكومة ، وجعلت الحالة القائمة أكثر تحدياً لإعادة بناء العلاقات اللبنانية الفلسطينية لفترة ما بعد معارك نهر البارد. ثلاثة عوامل رئيسة اعترضت طريق تحقيق تقدم لإعادة بناء مخيم نهر البارد: قلّة الأرصدة، إدعاءات قانونية، وعوامل لوجستية logistics. رغم كثافة المناشدات والجهود المتواصلة المبذولة، فلم تتمكن انروا UNRWA المدعمة من الحكومة اللبنانية جمع المبلغ المطلوب المقدر بـ 440 مليون دولار لإعادة بناء مخيم نهر البارد. تلقت الوكالة الدولية على شكل وعود أو مبالغ مدفوعة من المانحين donors 52 مليون دولار فقط، وهو ما يكفي لبناء قطاع واحد أو قطاعين من القطاعات الثمانية المُدمّرة في نهر البارد. واجهت مهمة إعادة البناء المزيد من التعقيدات في سياق إدعاءات مالكين لبنانيين للأرض، على أساس أن الفلسطينيين بنوا عليها بصورة غير قانونية. وهذا ما زاد من ضرورة تحديد معايير لمخيم جديد. كما أن تصميم مشروع إعادة البناء يتطلب أن يتضمن المخيم والأراضي المحيطة التي تعرضت للأضرار في شمال لبنان. رغم أن الأزمة الإنسانية الفلسطينية تتعدى مخيم نهر البارد وتؤثر في حياة مئات آلاف الفلسطينيين في لبنان، لكنها تأخذ صورتها الأكثر قساوة في نهر البارد. كان هذا المخيم بيتاً لحوالي 30 ألف فلسطيني ممن فقدوا بيوتهم ومصادر عيشهم. وفّرتْ وكالة مساعدة وتشغيل اللاجئين للأمم المتحدة- انروا United Nations Relief Works Agency (UNRWA) سكناً مؤقتاً لبعض اللاجئين، لكن أغلب المشردين استمروا العيش في أماكن مكتظة معزولة. أكثر من 200 إمرأة من نهر البارد حوامل ويعشن في ظروف دون الحد الأدنى: ملاجئ مؤقتة، بنايات مشتركة أو كراجات محولة إلى سكن، وفي غياب دخل منتظم. فقط 25% من ألـ 1512 مشروعاً التي كانت تعمل في نهر البارد، تمت إعادة تشغيلها. بينما تكافح أغلبيتها بطاقة محدودة وعملاء محدودين، في حين أن مالكي أعمال تجارية أخرى صاروا معتمدين على المساعدات الغذائية. آخر بيانات عن البطالة، تم جمعها في أيلول/ سبتمبر 2007، تضمنت بأن حوالي 79% من قوة العمل في نهر البارد كانوا عاطلين، وبحدود 29% تم استغلالهم في النزاع conflict، مع معدلات بطالة أكبر لفئات الأعمار 15-24. الحالة أكثر إثارة بالعلاقة مع الأزمة المالية التي ضربت اقتصاد عامة الناس- الاقتصاد غير الرسمي informal economy، إذ أن أغلبية العمال الفلسطينيين يُعانون أصلاً من استغلال أرباب العمل. يعملون لساعات أطول، ويحصلون على أجور أقل، وذلك في غياب عقد ملزم، بخلاف ما هو حاصل في سوق العمل. مع تراكم أكوام من اليأس، كشف التاريخ مرة تلو أخرى بأن العنف والتطرف هما الحصيلة الآتية لاحقاً، ولتجعل من الحالة البائسة القائمة خطيرة قابلة للانفجار، وضاغطة باتجاه تصاعد التحذيرات الوطنية والدولية من مخاطر استمرار الإهمال الخطير للأزمة الفلسطينية- الإنسانية (والوطنية)- في لبنان. وفي ظروف اقتراب الانتخابات اللبنانية في يونيو/ حزيران القادم، تتطلب الضرورة وإلى درجة الالتزام من قبل السياسيين اللبنانيين أن يمارسوا دوراً محورياً لتغيير الخطاب العام من مناقشات غير مجدية futile discussion بشأن توطين settlement الفلسطينيين في لبنان، إلى حوار بنّاء يؤكد أهمية تحسين ظروف الحياة الإنسانية للفلسطينيين في لبنان، مع إعطاء انتباه خاص لمخيم نهر البارد. تحتاج لبنان والانروا إلى تحسين قدرتهما المشتركة لتفعيل الدعم الدولي لجمع المبلغ المطلوب (400 م.د.) بغية إعادة بناء مخيم نهر البارد، والتوجه بإلحاح نحو معالجة القضايا الأكثر رخاوة vulnerable، مثل ظروف الأمهات الحوامل. يحتاج المجتمع الدولي تطبيق معايير أكثر فعالية لضمان شفافية وتحسين كفاءة الأرصدة المقدمة. بينما يحتاج المانحون إلى التفكير وفق ستراتيجية طويلة الأمد بتوجيه أرصدة الاستثمارات نحو مشروعات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. والتركيز على الاستثمارات بدلاً من مساعدات آنية عاجلة تترك الفلسطينيين معتمدين على اونروا في خبزهم اليومي. إن تأثير الأزمة المالية على الاقتصاد العام غير الرسمي في لبنان يتطلب الفحص بعناية بتمويل المنظمات الملائمة للقيام ببحوث جادة للتوصية بالطرق المناسبة للتعامل مع الصعوبات التي تواجه حياة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر في لبنان. بغية تعلم الدروس الصحيحة من تجربة نهر البارد، تحتاج الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي أن تتحرك إلى أبعد من معضلة نهر البارد، باستثمار المزيد من الوقت والموارد لقلع الجذور التي تقود إلى خلق التطرف في مخيمات لبنان. على المجتمع الدولي، بخاصة إدارة اوباما، أن لا يسمحوا بفشل مشروع نهر البارد. هذه ليست مجرد مسألة لتوفير السكن وإعادة بناء حياة حوالي 30 ألف فلسطيني فقط، بل أنها تتعلق بتعزيز الحزمة الضعيفة من الثقة بين الحكومة اللبنانية وبين الفلسطينيين، باتجاه تقليص التوترات التي انفجرت في مخيمات أخرى.. مممممممممممممممممممممـ Nahr el Bared project must not fail, By Rima Merhi, Aljazeera.com, 28/05/2009. -- Rima Merhi is a researcher at Harvard working on role of media in promoting human rights during times of crisis; part of media and relief team presided by PM Siniora to manage the crisis in May 2007; human rights activist; and freelance journalist with publications in leading newspapers, websites, and think tanks. Source: AJP
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البنك الدولي: إسرائيل تستحوذ على أربعة أخماس مياه الضفة الغر
...
-
توقعات كئيبة بشأن عودة اللاجئين العراقيين
-
العراق: الفساد يُقوض برنامج المساعدة الغذائية الشهرية الحكوم
...
-
حرب اوباما في أفغانستان وباكستان
-
الإمبراطورية المنتفخة والانهيار المالي
-
سياسة اوباما الإمبريالية في الشرق الأوسط
-
أفغانستان: قصف بالفسفور الأبيض..إصابة طفلة بحروقات مرعبة..
-
تجاهل الأطفال ضحايا جرائم حروب بوش
-
خطط الولايات المتحدة لإحداث انقلاب في باكستان
-
البطالة والفقر في غزة والعقوبات الإسرائيلية ضد العمال
-
مذبحة الأقليات في العراق!
-
صموئيل هنتنغتون.. هل أساء الفهم؟
-
مُناشَدَة AN APPEAL
-
مَنْ هم ضحايا الحرب الجوية الأمريكية في العراق؟
-
وينك يا وطن وينك!!؟؟*
-
بقاء دائم في العراق..!!
-
خلف الجدران الصامتة (ليلى أنور)
-
الجانب الخاطئ من التاريخ ( الكاتب اليهودي: يوري افنري)
-
دماء محجوبة.. تجاهل مقصود وجريمة حرب أمريكية
-
الانقسام الفلسطيني الإلزامي
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|