فوز ية الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 2664 - 2009 / 6 / 1 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كمتابعة لما يحدث في الحراك الثقافي السعودي بكافة أطيافه الثقافية وتوجهاته في العقدين الأخيرين , وهي فترة التصعيد لقضايا ملحة يتطلبها الواقع المعاصر والحال الذي ظل في تنافر وإقصاء وعدم قبول الآخر المختلف.
وفي المواجهة الفكرية بين تيار الحداثة والمؤسسة التقليدية على مستوى العمل الثقافي كان للمثقف السعودي دورا بارزا في ذلك وفي التأسيس لتنمية ثقافة الاختلاف وهي الفترة الأكثر ثراء من وجهة نظري . هذه الفترة لم تكن في صالح الثقافة فقط بل في صالح الخطاب الدعوي الديني, وفي صالح المرحلة ولو بالحد الأدنى من النتائج, هذا المنتج الذي لا يمكن له أن ينفصل عن الحراك الثقافي العام وفي ا لجزء المهم منه , ويتمثل هذا في توجهات الداعية المثقف والمفكر الشيخ سلمان بن فهد العودة على سبيل المثال, وبملاحظة برنامجه التلفزيوني المميز
(الحياة كلمة )وهذه نقطة مهمة للانطلاق من الداخل والقبول بالمختلف القريب !! وفي تقييم مدى استعداد المجتمع وتفاعله مع الاختلاف, ودرجة وعيه واستيعابه ومكوناته الثقافية, والتي من ضمنها أعرافه وعادته وتقاليده ومكتسباته, والاقتراب منه للتعرف على حاجاته وكيفية التخطيط لثقافة الحوار معه في ضوء المتغيرات. وهكذا نلاحظ أنه لا يكفي التحدث مع المختلف بفتح حوار معه فقط , بمثابة أن الحوار هو حركة ثقافية وتربوية شاملة , تؤسس له المجتمعات المتقدمة في العالم منذ البدء, و في تنشئة الفرد حيث تدخل ضمن استراتيجياتها وبتخطيط مدروس ,وثقافة الاختلاف بقيت في معظم المجتمعات العربية طريقة اجتهادية وغير منظمة بعكس من سبقونا حضارة ومعرفة.
وبلادنا حالة من حالات مشابهة في الحراك الثقافي العربي وكانت للتقاطعات الفكرية والاتجاهات المعاكسة الدور الفاعل في الصدام مع الأفكار وتحليلها , وفي تفكيك الخطاب المغلق والمسلم به , وفي التصدي والنقد لبعض القناعات السائدة المبنية على ثقافة الخرافة, وهي مواجهة ثقافية مع الحالات والظواهر التي تشكل إعاقة لعملية التقدم و التحديث, و قد لعبت الملاحق الثقافية في الصحف السعودية دوراً بارزاً في الحداثة وما بعدها, وكانت بمثابة الصوت الآخر المختلف في الحراك الثقافي وفي الصدام مع الخطاب التقليدي . إن المجتمع القابل للاختلاف هو المجتمع السوي القادر على احتضان الأفكار والاشتغال عليها لا الهروب منها بالاستعلاء والإقصاء وكأن الهارب يملك الحقيقة!! إن الركون إلى الخطاب الواحد والقراءة الأحادية للواقع وتطوراته ينافي توجهات الإسلام . كون الإسلام يدعو إلى
الحوار ويدعم العلم ويلبي حاجات العقل بالتأمل والتفكير والبصيرة والتحرر والحوار. فليس كل مايقوله عالم الدين بصحيح , وما هو إلا مجتهدا يخطيء ويصيب , وكذلك المثقف وكل ماينتجه العقل البشري ,هذا الحراك الثقافي على أهميته في التنوير بقي ظاهرة ثقافية لم تؤسس لمشروع فكري, رغم الأفكار الكبيرة المتناولة في الإعلام وأهمها الصحافة , مع عدم الالتفات للأفكار والرؤى وتناولها بالطرق العلمية والمنهجية والتي تؤسس لمشاريع فكرية على مستوى الصدام وفي عدم الخوف من الأفكار والخوض فيها بالرغم من وجود قامات فكرية وثقافية مؤهلة لنقاشات فكرية جادة على مستوى المشروع الثقافي , وفي
الوقت الراهن ومن خلال أجندة القرار السياسي السعودي في إنشاء مركز الحوار الوطني وهو خطوة تقدمية في مقاربة وجهات النظر و في التقاء كافة الأطياف على
طاولة واحدة في مناقشة المختلف عليه برؤى عصرية,والأخذ بالوسطية والاعتدال وكلها أمور مهمة يؤسس لها الحوار المذكور واتبعته السياسة كخطوة تقدمية في طريق الإصلاح وفي تفعيل المصطلحات المهمة كالعدل و الوسطية والتسامح والقبول بالآخر, وهي مفردات مهمة في التربية والثقافة بشكل عام. وفي الخطاب الديني كمنتج ثقافي وفكري على وجه الخصوص, كونه ينطلق تحت غطاء ديني
وهي مراجعات مهمة لمقتضيات الأحوال وما يحدث, وحاجة ملحة يحتاجها
الخطاب الإسلامي التقليدي في كافة المجتمعات الإسلامية, وليس حالة سعودية خاصة, حيث بقي هذا الخطاب بعيداً عن واقع العصر وقراءة المستقبل !!ومن المؤكد وفي حالة كهذه ظهور العديد من المشاكل والأزمات التي حدثت من خلال تبني الأفكار والمسلمات واغتصاب العقول بالخرافات والتكهنات والسيطرة عليها بفعل الأحزاب والجماعات والأخوان وهي إيديولوجيات منطلقة باسم الإسلام ,والإسلام من بعضها براء لأن الإسلام الحقيقي مصدره القرآن الكريم لا تصرفات الجماعات والأفراد وأصحاب المصالح, إن إحدى النتائج السلبية لهذا الفهم الأخذ على الإسلام بالتطرف والإرهاب ,وهنا اللبس الواجب مواجهته من قبل علماء الأمة ومفكريها و بالتصدي لهذا المفهوم الخاطيء والتمييز بين سلوك و تصرفات البشر القابلة للخطأ وبين الإسلام في حقيقته !! و الإسلام ليس وعظا وأذكارا فقط هذه مسألة نقلية لا عقلية, العقل هو أن تتأمل النص المقدس وكيفية تطبيقه وتطويعه مع ظرف الزمان والمكان وظروف التاريخ, ولو أخذنا مسألة الرق كمثال في القرآن وهي مسألة انتهت بظرفها التاريخي, هذا الرق كان موجوداً قبل ظهور الإسلام وفي كل المجتمعات, والقرآن عندما شرعه لم يشرعه لاستعباد البشر, وإنما شرعه في حالات الحروب ولظرف تاريخي, والغرض منه تحرير الإنسان من العبودية والمحافظة على كرامته بشكل نظمه الإسلام لا كما يفهمه البعض !!! وهو من أكثر الجوانب المتخذة بالإساءة للإسلام . في أدبيات وفكر الآخر!وهي إساءات غير موضوعية, وغير منهجية , وغير دقيقة, وهكذا يمكن قراءة النص لمن هم أهل لذلك,وبالعودة للموضوع نرى بتفوق العقل الناقل على العقل الناقد في المنتج الثقافي الإسلامي الحديث و الذي يجب أن يكون .ومن غير المقبول تطبيق مدارس فقهية كتبت وفق زمنها ومكانها ونقلها لعصر غير العصر, ورهانات غير الرهان !! وبالرغم من ذلك تبقى الرهانات ما بقي الإنسان وهذا هو الأهم !
#فوز_ية_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟