أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء النصار - حقووق االإنسان بين العالم واالاسلام















المزيد.....


حقووق االإنسان بين العالم واالاسلام


علاء النصار

الحوار المتمدن-العدد: 2663 - 2009 / 5 / 31 - 09:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد أن كان العالم أبواب مغلقة ، يمكث خلفها المتّحلقون كل حول ثقافته يعمل على إجترارها معتقداً إنها الينبوع الثر الذي لاينضب والإكسير الشافي لكل الأمراض حتى قيام الساعة ، فجاء وبلا مقدمات أقتلعت الابواب وتحطمت الجدران وكأن صرخة إلهية هدت كل مابنى الاسلاف من تحصينات وأسلاك شائكة ليواجه الانسان أخيه الانسان وهو يحمل في ذهنيته الكليلة شحنات عالية حد لايطاق من الإستعداء ، كنتيجة طبيعية للأمراض الكهنوتية لدى البعض والسموم الالحادية لدى البعض الاخر ، في تلك السورة الذئبية بدأ يلعن بعضهم بعضاً ويكفر الطرف الاول ويتوعد الطرف الثاني ، وكأنهم لم يكونوا في يوم من الايام من ابتدعوا نظريات الاخلاق وحاولوا خلال مسيرتهم الطويلة ترسيخ المثل العليا التي تتلائم وطبيعتهم الانسانية ، فالدينيين من جهتهم لايتورعون من إرسال أحد الفتية المغرر بهم ليفرغ رصاصاته في جسد من صدر بحقه الحكم الشرعي بوصفه مرتداً أو كافرا أو ملحداً ، واللادينيين لايتورعون من تأليب العالم لمحاربة أبناء جلدتهم من اولئك الذين وضعتهم قناعاتهم الفكرية في قائمة الدينيين القائلين بنبوة محمد (ص) ولو أستطاع السادة اللادينيين التغرير بأحدهم لدفعه للقتل لفعلوا ، وهو واضح وجلي من خلال ما تخطه أناملهم ( فما أضمر أمرءِ شيئاً الاّ ظهر على فلتات لسانه ) لإنه [ الديني ] لايعترف بحقوق الإنسان فقرآنه يتناقض وهذه المبادىء ،لذا يجب حذفه من قائمة الحياة التي لايستحقها سوى من اذعن للإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي خطته أقلام القوى المتصارعة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية المنادى بها من قبل الرابح الأكبر كما يعتقد البعض ، ولنكون محايدين قدر الإمكان علينا بحث الموضوع ضمن ثلاث نقاط :
(1) عالمية حقوق الانسان .
(2) التعامل السلفي المؤدلج.
(3) الفهم الاسلامي المعاصر .

(1) عالمية حقوق الانسان/ يرى بيخو باريخ (bhikh paerkh ) الاستاذ في كلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية (ise) وجامعة (hull) ( إن ثمة قيمة عالمية يمكن إستنباطها عبر تفحص الحاجات والقدرات التي يتمتع بها البشر جميعاً بصرف النظر عن أصولهم ) فهو هنا قد توصل بمنتهى الروعة الى ماهية الانسان بطريقة فذة مبتعداً بفكره عن المحددات الثقافية ، حيث يرى إن لدى البشر القدرة على( تفهم بيئاتهم والسيطرة عليها وأنسنتها ) جاعلاً من إستكشاف الخبرات خيالياً الطريق الامثل لتطوير الافكار عن الحق والخير والحب والجمال ، مما يعني بالتالي قدرة الانسان على الدخول في علاقات ذات مغزى مع أخيه الانسان من أجل إبتكار عالم ذي حميمية وولاء عميقين يسبغ على حياته عمقاً معنوياً وعاطفيا ً ، لاسيما وإن لدى البشر جميعا ً حاجات مشتركة فهم طامحون الى الحياة ويريدون الطعام وأقامة الأود البدني وأجتناب المرض والألم ويلتمسون الإكتفاء الجنسي لكن بطريقة تسمو بهم عن الحيوان ، وهو ما حاولة تجسيدة الوثيقة المؤسسة للخطاب المعاصر لحقوق الانسان التي أقرت عام 1948والتي كانت نتاج عقول شتى ، ويكفي أن نلقي نظره على اللجنة المسؤولة عن وضع الاعلان لنتاكد من عالميته بوجه من الوجوه لكن ليس بالفهم السلفي ، فقد كانت لجنة شديدة التباين وغير متجانسة تمثل مجموعة من الافراد شديدي الإختلاف مثلوا ثمانية عشر دولة عضو في الأمم المتحدة ضمت كل من مصر وإيران والهند والفلبين ولبنان والاتحاد السوفيتي والارغواي والصين وشيلي وأستراليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة حيث رأست اللجنة ( اليانور روزفلت ) وكان الناطق بأسم اللجنة الايراني ( غاسم غاني ) ومقررها اللبناني (تشارلز حبيب مالك ) في خلطة ثقافية مزجت الاسلام بالبوذية والمسيحية واليهودية بهما ، الا ّ إن هذه الخلطة طالما شكلت تهديدا ً لممارسي سلطة الإستبداد والإستعباد ( لإن حقوق الأفراد هي الميدان الذي يمارس فيه الآخرون سلطانهم في أغلب الاحيان) وهو مانراه جلياً في موضوعة ( غسل العار ) ، إن هذه الجرائم وعلى الرغم من ربطها بالإسلام أحيانا ً فإنها ليست عرفا ً إسلامياً ولاهي معضلة إسلامية خاصة ، ذلك إنها تقع في أصناف المجتمعات كافة ، وهو ما سنوضحه في النقطة الثالثة ، والتي سنناقش فيها أيضا ً المسألة التي تثار في بعض المجتمعات حول أذا ما كان من حق الرجال التمتع بالسلطة على النساء (القوامة ) ، والتحكم بمن يجوز لهن التحدث اليه والى أين لهن أن يذهبن ، لكن علينا أن لاننسى أو نتناسى حقيقة أن المنادى بحقوق الانسان ليست بالامر المطلق أذ تشير المادة (29) من الإعلان الى أن حقوق الانسان الفردية قد تكون محددة لضمان الاعتراف بحقوق الاخرين ، لإن أغلبية الحقوق تعني عناية فائقة بها ، لذلك فإن حقوق الانسان بهذا الشكل أو ذاك في السياقات الثقافية المختلفة برمتها تعترف في نهاية المطاف بأهمية الحكم الذاتي والتنوع في التطبيق الذي يحصل عادة ً ، مما أجبر المحكمة الأوربية لحقوق الانسان على تطوير مفهوما َ لهامش التقدير يسمح ببعض التنويعات المحددة في التفسير بين الدول ،الا ّ إن ذلك لم يكفي بعض الانظمة والزعامات الاجتماعية اذ طالبت اكثر من ذلك حداً وصل الى المساس بإنسانية الانسان بدعوى المحافظة على معتقداتهم وتقاليدهم غير أنه ما من سبب ( منطقي بيرر إستحسان ما هو تقليدي متوارث أو أن يكون سليما ً على المستوى الاخلاقي ولايمكن الزعم بجمود التقاليد ووجوب الحيلولة دون تغييرها ) كما نراه من دفاع بعض دول أفريقيا والشرق الاوسط عن ختان البنات على أساس من التقليد الاسلامية ، في الوقت الذي لاعلاقة بين ختان البنات والعقيدة الاسلامية ، كما أنه ما من علاقة بين الباس والعلمانية ، حيث حظر إرتداء الحجاب أو أي لباس ديني أخر في فرنسا على أساس الطبيعة العلمانية للدولة ، وكل ذي عقل سليم ينبغي أن يؤمن بوجوب السماح للنساء بحرية أختيار الملبس الذي يردنه ، وليس مانجده في هذه المناظرات تحديا لعالمية حقوق الانسان ولكن جدل حامي الوطيس عما تعنيه هذه الحقوق والواقع إنه إذا كانت حقوق الانسان تحدياً للحكومات غير الغربية فإنها تحديا ً على قدم المساواة للحكومات الغربية التي نراها وكأنها تحمل أوزار عالمية حقوق الانسان ) ، مما يجعل حقوق الانسان تتخذ شكلا ً هرميا ً أحيانا ً مما يتنافى وعالميتها ، وهو ما يفرض إيلاء هامش التقدير مساحة أوسع وتقنينا ً يضع حواجز أمام أولئك الذين يحاولون إستغلال هذه المساحة لمصالحهم الضيقة ، هذه هي الصورة شئنا أم أبينا بعيدا ً عن الضجيج الذي أرهق أسماعنا من أولئك الذين أجزم إن جلهم لم يقرؤا الاعلان العالمي لحقوق الانسان أبدا ً ، ثم إن هناك سؤال لابد أن يطرح وهو : هل يمكن أن تكون هذه الحقوق ثابته ؟ واذا ماكانت ثابته كما يزعم البعض فكيف سيكون تعامل الدول المعنية في الحالات الإستثنائية التي توجب تدخلا ً طارئاً يؤدي الى الحد من حرية الفرد . نستخلص مما مر إن الاعلان العالمي لحقوق الانسان يمكن ان يكون عالمياً ، ولكن ينبغي أن تتظافر الجهود لتجاوزالعقبات وأن تتفهم المجتمعات إن الأمر لايمكن له أن يمر على حساب البعض لصالح البعض الأخر ، هذا من جهة ومن جهة أخرى على العقائديون إسلاميون أو يساريون أن لاينظروا الى الواقع من خلال الأيديولوجيا بل عليهم أن يطوعوا أفكارهم من خلال الواقع ليكون الاعلان عالمياً .
(2) التعامل السلفي المؤدلج/ قبل البدء ينبغي لنا أن نوضح التمايز بين السلفية الغير مؤدلجة (البسيطة) والسلفية المؤدلجة ، أما ما إصطلحنا عليه بالسلفية البسيطة فيمكن القول إن هذا النوع موجود في المجتمعات العربية الاسلامية بصورة عامة ، لكنه يدور في فلك اللافاعلية لإنه يستند بالأساس على العاطفة الدينية المستمدة من الفهم الساذج للنص الديني ، قد يتحرك هنا وهناك بين الحين والأخر لكنه سرعان ما يخبو لإفتقاره لأدوات الإستمرارية التي تساعده على الصمود بوجه التطور الحضاري المتسارع وحاجته الدائمة للأخر المستعدى ، لذلك فهو يتعامل إزاء المستجد على الساحة بعفوية بلهاء تتمثل تارة ً بالرفض واخرى بالإبتهاج ، متى ماوجد من يذكى نار التعصب المصّنع بداخله وهو ما جسدته المظاهرات التي ملئت الشارع العربي إبتهاجاً بجرائم 11/ ايلول ، في الوقت الذي نرى أولئك الفتية الذين تراقصوا على دوي الإنفجارات يفضلون الهجرة الى الولايات المتحدة على دخول الجنة ، أما السلفية المؤدلجة فإن الحديث عن وجود تمايز بين مايسمى بالسلفية التقليدية والسلفية الجهادية فلا يعدو أن يكون كلاماً غير دقيق ، إن لم يكن محاولة لتجميل الصورة السلفية عوضا ً عن رفضها وإبراز الاسلام الواقعي المعاصر ، والذي يطعن به السلفيون ضاربين بعرض الجدار إتجاهات الفكر الاسلامي عموما ً ومن أبرزها ما ينعتونه بالمدرسة العقلية والتي تمثل لديهم ( خطا ً فكريا ً متواصلاً إمتد من الغزالي وتجسد عند الأفغاني ومحمد عبده ووجد ترجمته في [جُل] الحركات الحركات الاسلامية المعاصرة واصفين خلف وسلف هذه المدرسة بالحمق والطيش لما نشأت عليه من من عقائد فاسدة وما مارسته من توفيقية فكرية كان هدفها التصالح مع الغرب ) كما يزعمون ، لإن السلفية بمجموعها تتخذ من النص النقلي مرجعية نهائية في التدليل من غير نظر ودون أي محاولة لإستيحاء عناصر فكرية مستقلة للتداول الفكري ، مستغلين من أجل ذلك مفهوم البدعة أبشع إستغلال ، لتعني كل ماليس له وجود في القرآن [ وكأن الكاديلاك موجودة في القرآن! ] ، لذلك فإنهم يبنون كل ما حولهم على التوقيف فلا يصلح عندهم الحال الا ّ بما صلح به الاولون وأصلحوا . وقد يكون ذلك راجعا ً الى إسلوب المعرفة الدينية المعطاة لديهم ، والتي تتمحور حول بعض التقاليد الدينية البسيطة والتي لاتحتاج سوى الى إتقان اللغة ولا تتضمن أي تحليل إجتماعي أو نقاش فلسفي ، حيث ينتهي الحال بأحدهم الى وهم إمتلاك جوهر المعرفة الإلهية ، وسواء ً إنخرط الفرد في الحركات الجهادية أو التقليدية جدلا ً فإن كلاهما يتفقان على إن الهدف المنشود هو تلقين الايديولجيا السلفية ، بحيث تكون لديه المعرفة والعقيدة شيئا ً واحدا ً ليحمل بالتالي رؤية أحادية في تفسير العالم والأشياء ، مما يخلق حالة من التماهي اللاواعية ملدة ً بدورها نوعا ً من الكبرياء والتعالي والتعصب للجماعة والذي يفرز بطبيعته أحساس بالتمايز( عن العالم الخارجي وتوجيه العدوانية الرمزية تجاهه من طرف التنظيمات السلفية التقليدية [ والتي أحبذ تسميتها الخامدة بإنتظار الفرصة ] والمادية من طرف السلفية الجهادية ) ، إن الإنكفاء الذي تمارسه االسلفية على الذات المشبّعة بالنص الموضوع جُله أو ذلك االذي راعى مصالح آنية والقراءة المنقوصة والإبتعاد عن التفلسف وعدم تحديد معنى النص الا ّ بما حدده به الصحابة قبل أكثر من سبعمائة سنة كل ذلك أدى الى إعلاء دور النص على حساب العامل الانساني ،وعليه فإن وظيفتهم تنحصر في التلقي والتطبيق في عملية نسف مزرية للتأملات الاخلاقية والجمالية وضرورات الزمان والمكان والظروف السياسية والاجتماعية التي صاحبت ظهور النص ، فآيات من قبيل {وأقتلوهم حيث ثقفتموهم }أو{إن الله برىء من المشركين ورسوله} أو { إنما المشركون نجس فلا يدخلوا المسجد بعد عامهم هذا} ألغت لديهم آيات من قبيل { وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} أو{ لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } أو { ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين } أو{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم } ، كل ذلك أهيل عليه رمل الصحراء البدوية التي طبعت النفس السلفية بدمويتها ، فإن أي منتج غربي كإعلان حقوق الانسان وإن كان يتماشى وروح الاسلام فهو مرفوض لإنه سيدخل باب البدعة الواسع والمفتوح على مصراعيه في الايديولوجيه السلفية ، لذا فيمكن القول إن قيم التسامح والسلام والمحبة التي تضمنها الاسلام عوملت بطريقة إقصائية وإزاحة مفجعة ليحل محلها التعصب المقيت ، الذي أثمر تلك الثمار المرة فإطلالة صغيرة على كتاب منهاج السنة لإبن تيمية تبين إنه ( كيف يوّجه هذا الفهم عقلية المسلم البسيطة توجيها ً كريها ً يصل حد تكفير الآخر وبالتالي قتله) ، فلا يمكن أن يحدث أي تصالح ومهما كان نوعه بين الأيديولوجيا السلفية والاعلان العالمي لحقوق الانسان أبدا ً، ولكن تبقى ساحة الصراع مفتوحة حتى يثأر الانسان لإنسانيته من خلال إجبار الكل بلا إستثناء للخضوع لمفردات التعايش السلمي لاسيما وإن الاسلام ليس ضد أحد اذا لم يكن أحد ضده.
(3) الفهم الاسلامي الواقعي المعاصر / اذا كنا سنناقش الفهم الإسلامي ، فلزاماً علينا والحالة هذه أن نبحث المحور الآنف ضمن ثلاث نقاط (1) ماالمقصود بالاسلام (2) الاسلام الواقعي المعاصر والسلفية (3)الاسلام الواقعي وحقوق الانسان ..
(1) الاسلام / تعجبني في هذا الصدد كلمة لـ (لويس ماسينيون ) يقول فيها ( إن الاسلام هو إرادة العيش المشترك ) حيث يمتلك خصوصية ( إندماج الروحي بالزمني ) لذك فقد جسد بصورة أكيدة دين وثقافة وحضارة ، لذا يمكن القول إن الاسلام بمجمله يتمحور حول كتاب جسّد السلطة الروحية المستمدة من السماء ، والذي بدوره لايضع شرطاً للدخول في الاسلام سوى النطق بالشهادتين والإيمان بالأصول الثلاثة ، هذا الدين بدوره ينقسم الى خطاب ونص ، فالنص ( وهو كل ماثبت وروده عن الله ورسوله ) وهو فوق المحاسبة والإتهام وتحت التأويل والقراءة أما الخطاب فهو ( مايستنبطه ويفهمه الفقيه والعالم من النص وفقاً للمصادر ) وهو تحت النقد والتمحيص والمراجعة فلا قداسة ولاعصمة مادام الامر يدور مدار الظن لااليقين ، لاسيما وإن قسما ً كبيراً من الخطاب الحالي لايصدر عن فقهاء مجتهدين وإنما من وعاظ محترفيين بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة ، هذا ما يؤكد عليه الاسلام الواقعي المعاصر ويمكن أن يكون تعريفاً له .
(2) الاسلام الواقعي والسلفية / لقد شدد الاسلام على حياة الاخرين حيث أحصى المؤرخين 83 سرية أبدا فيها الرسول (ص) تحفظاً كبيراً في الدماء اذ لم يتجاوز عددالقتلى من المسلمين و اليهود والمشركين 1400 شخص وهو رقم لايشكل نسبة كبيرة في حروب تلك الفترة من تأريخ الناس في شبه الجزيرة العربية ، حيث كانت تحصد الحروب الآلاف من البشر ، هذا التحفظ الذي يستلهمه الاسلام الواقعي من سيرة النبي هو أول نقاط التمايز بين الفكرين المختلفين ، ثم إن الاسلام الواقعي يضمن تحقيق التطابق والتوافق بين ذهن الانسان ومبتنياته مع الواقع الخارجي ، فهو يمثل منظومة من المقدسات والقيم والافكار القابلة للتجدد والقادرة على جعل الفرد يعيش في هذا العالم من موقع التألف معه بدون الاحساس بالغربة المفضي الى الشعور بالخوف من الأخر الخارج عن الإنتماء الديني ، مرتكزاً بذلك على أساس أخلاقي قوامه العدل والإحسان ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) ذلك لإن أساس الدين أخلاقي فلو لم يكن أخلاقياٍ ( وكان يتقاطع مع القيم الاخلاقية فإنه يحكم على ذاته بالفناء والفشل فلا يمكن لأي دين أن يقف بوجه العدالة والحرية وحقوق الانسان ) ولاأعتقد أن هذا الدين يمكن أن يمثله من إستباح دماء غير المسلمين فضلاً عن المسلمين ومّثل بجثثهم وقطع رؤوسهم ثم تفاخر بتصوير تلك المشاهد تحت شعارات إسلامية وبثها للرأي العام العالمي مصحوبة بتكبير الجهاديين ومباركة التقليديين .
(3) السلام الواقعي وحقوق الانسان / لاأحد يستطيع إنكار البصمة التي تركها الاسلام سواءً كنص أو خطاب على روح الاعلان العالمي لحقوق الانسان مشاركاً بذلك جميع الثقافات في ولادة المفاهيم الإنسانية المعاصرة ، بيد إن ذعر الخروج عن المقدسات وهلع التخلي عن الهوية شكلا حجراً صلداً أمام إندماج العالم الاسلامي مع الثقافات الأخرى مما فسح المجال للخطابات التعبوية وخّلف أرضية مناسبة للتوجهات العنفية الارهابية التي شوّهت صورة الاسلام قاذفاً بها الى الحضيض لولا رحمة سبقت من ربك ، لذلك فنحن لانستوعب أن يتحول الدين الى حالة عنف ضد الاخر ، لاسيما بعد أن قدمت التيارات الفكرية التجديدية وعيا معاصراً لفهم الدين وأسست لمنحىً إيجابياً في التعامل مع الاخر على وفق مبادىء الحوار الحضاري والتي توصلت اليها البشرية بعد عهود طويلة من الاقتتال وحروب الإستنزاف وضمن دائرة إحترام حقوق الانسان بصرف النظر عن اختلاف الاديان والمعتقدات ، لاننا أذا ما إعتبرنا الاسلام كتلة متماسكة وثابته من المبادىء السارية المفعول بصورة دائمية فلن يتآلف الاّ مع ذاته وظيفته المقاومة والرفض والإقصاء كأي دين ينظر اليه من جهة الابدية ، أما اذا نظرنا اليه بوصفه حياً مرناً إستمراريا متطوراً متجاوباً مع ثقافات وقيم وتقاليد مختلفة وأوضاع تأريخية متقلبة فلقد أثبت بنفسه القدرة على الإستمرار والتوافق بدرجة مذهلة ، وهو ما نراه من نجاحه في أن يتجذر داخل مجتمعات متباينة طوال أربعة عشر قرنا ً ، بسبب قابليته على التأويل وإعادة القراءة والمراجعة ، لكيما يستمر في البقاء والإزدهار في ظروف يشتبك فبها الذاتي بالموضوعي ، لذا فإن أعمق قيم الغرب ( لم تكن دوماً على غرار ما تمثله اليوم وإن أعمق القيم الأصيلة المفترضة في العالم الاسلامي ليست بحاجة الى أن تبقى بالصيغة التي تراها بها الأن أو أن تستمر على هذا لنحو ) ، والذي يتطلب الابتعاد عن الذهنية المهووسة بالنظر الى العالم الخارجي والداخلي بإعتباره لايزيد عن مجال حافل بالكفار والمرتدين والملاحدة والفاسقين والضالين وكل هذه القائمة الاقصائية الطويلة ، وسلسلة التمايزات على أساس الجنس كلون فاقع صبغ أشكال التعامل مع المرأة مثلاً ، بوصفها عورة وشيئاً مخجلاً يتوجب إخفاءه والتستر عليه كما لو كان فضيحة تهين السيد الذكر ، ربما كان محقا ً ذلك الذي يعترض بإن هذه النتيجة طبيعية لمسلمات الاسلام والمتمحور حول الكتاب والسنة ، ولكنه يبقى محقاً الى حد ما بمعنى إن هذيّن المصدرين اذا نظر اليهن من ناحية الابدية حرفية فإنهما يمتلكان جموداً مخيفاً أما من الناحية الفلسفية فإنهما مرنان بل سيلان في بعض الاحيان ، واذا ما أخذنا أمثلة فإن تقاطع الاعلان العالمي لحقوق الانسان مع النص الديني يندرج ضمن نقاطتين (1) المساواة (2) الارتداد .
(1) المساواة / إن موضوعة المساواة تواجه في فهم النص مشكلتين (أ)المواريث (ب) القوامة .
(أ) المواريث / إختلف الفقهاء والمفكرين الاسلاميين في موضوعة إرث المرأة فمنهم من رأى إن الارث النصفي من التشريعات المرحلية التي مرت في حياة المسلمين في قرنه السابع وليس من الاصول التشريعية الواجب الايمان بها أو تطبيقها في الوقت الحاضر ، وبعضهم رأى في قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الانثيين ) إنما هي من باب الوصية التي يريد الله تعالى أن نلتزم بها ولاعلاقة لهذه الوصية بالنصيب في التركة فالله يقول (حظ) والحظ لايكون مع الإرث ، وإعتبروا الولد لإي آية الارث ( وإن كان له ولد ) ليس حصراً بالذكر وإنما تعني الذكر والانثى معاً ، ثم إن الأمر أوكل بالأساس الى الموصي فلو أوصى بتقسيم الإرث بالتساوي فلا إثم عليه ، إذاً المسئلة مثار نقاش من الناحية العلمية وليس الفهم الاسلامي السائد لحد اليوم، فلا يمكن أن تعتبر مثلبة لاسيما وهو تشريع عن صح فهمه التقليدي فإنما يلائم حياة القرن السابع في صحراء شبه جزيرة العرب ، التي لم تعامل المرأة الاَ كعنزة تباع وتشترى إن لم توءد بعد أن يسّود وجه وليها وهو كظيم .
(ب) القوامة / قال تعالى ( إلرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) هنا يستوقفنا أمران هما الفضل والإنفاق ، أما فيما يخص الفضل فلا قوامة كلية لرجل ليس له الأفضلية بحسب منطوق الاية ، والاّ كيف يكون الرجل قواماً على زوجة تملك من الصفات العلمية والاخلاقية والذهنية والادراكية ما لايملك وذلك بقرينة ( بما فضل الله بعضهم على بعض) وكما أكد أحد الفقهاء بالقول ( نقول للذين يعتبرون القوامة للرجال على النساء في كل شيء بأن ذلك غير صحيح ) وإنما القوامة تختص بالانفاق وليس هناك حالة يجب فيها على الرجل بما هو رجل أن ينفق على المرأة بما هي مرأة الاّ الحالة الزوجية فقط لاغير ، إذاً فالقوامة إنما هي قوامة الانفاق من الزوج على زوجته ، فليس ثمة حالة للرجل بصفته الذكورية تجعله قواماً على المرأة بصفتها الانثوية فالمترتب من المسؤوليات للرجل على المرأة محدود جداً ، وبالتالي فإن القوامة ليست إستعباداً او إستبداداً وليس حكماً وإنما هي إدارة جعل الله فيها للرجل حقاً وللمرأة حقاً ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) والاّ أي تشريع هذا الذي أعطى المرأة حق أن تتقاضى أجراً من زوجها حتى على رضاعة وليدها غير الاسلام أما الـ (درجة ) في الآية التي مرت فتتمثل في حق الطلاق وسائرالإستمتاعات لإلزامها نفسها بذلك في عقد الزواج الذي لايستطيع أحد إجبارها عليه كما هو الحال في سائر العالم اليوم .
(ب)الاإرتداد / ليس هناك نص قرآني يوجب صراحة وجوب قتل المرتد وبما إن أية حفظ الذكر حصرت المعنى في القران فإن الإفتاء بقتله لايعدوا كونه إجتهاداً قابلا ً للنقض أو قراءة منقوصة للنص لدوافع غالباً ما تكون سياسية ، أما الخلود في الناروالوعد الجهنمي فإنها من مسائل الغيب المختصة بالعالم الآخروي وأفترض هنا بإننا بصدد ماهو دنيوي ، لذا فإن تبعة المقتولين تحت شعارات إسلاموية إنما يتحملها الفقهاء المسيسون والساسة المتفيقهون لاغير ، وعليه فإن كل الدساتير في العالم العربي والاسلامي يجب أن تضمن حرية إعتناق العقيدة كما فعل الدستور العراقي إسوة بباقي العالم المتمدن ، والذي أكد على أن لايتعارض هذا الدستور مع ثوابت الشريعة ولو كان قتل المرتد من تلك الثوابت لما ضمن الدستور حرية الفرد في إعتناق الدين الذي يتماشى وقناعاته الشخصية ، هذا الفرد الذي كان ينتظره الحكم بالاعدام شنقاً حتى الموت ان هو تجرأ وخرج عن الاسلام في جمهورية الخوف اوعراق ما قبل نيسان /2003 . اما أن يقتل الفرد بإعتباره كافراً فكلنا يعلم ثبوت الدليل على ان قتل الكافر إنما يدور مدار المحاربة ليس بوصفه كافراً بل لضرورة الدفاع المشروع عن النفس او الحماعة التي تتعرض لعدوان خارجي يهدد وجودها . إن الكلام المار إنما هو ممارسة لعملية تنفس شيئاً من روح الاسلام بلا ايديولوجيات او غايات بل الاسلام كما هو قبساً من جوهر الوحي ، لذا فإننا اليوم بحاجة الى تشريعات تستند على أسس مدنية سليمة لاتحاول فصل الدين عن المجتمع ، في الوقت الذي تضمن فيه حرية المعتقد وتحافظ فيه على حماية الاديان ، من خلال سن قوانين للحد من الهجوم الغير مبرر ضد حملته من أنبياء وقديسين وأحبار وعلماء يستثنى من ذلك الطرح الموضوعي بلا تشنيع او شتيمة او إستهداف حتى لايدخل المجتمع في أتون السفك المعتاد ، وهو ما يحاول البعض فعله فقط لضمان الشهرة متغافلين عن النتائج الكارثية ، مدفوعين بإنانية قاتلة ومأخوذين بالهتافات التي تمجدهم والصادرة من اولئك الذين يحّملون الدين إخفاقاتهم محاولين عبثاً الانتقام منه ، وكأنهم إكتشفوا عقاراً لمرض إنفلونزا الخنازير فحرم الدين عليهم ذلك لإن الخنزير محرم فما بالك بعقاره ، او ان الدين يقف حاجزاً بينهم وبين التفوق على شركة مايكروسوفت ، ذاهلين عن حقيقة إن التقدم يصنعه الانسان وحده سواءً آمن بدين ام لم يفعل .



#علاء_النصار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانبياء وتاسيس الدولة المدنية
- حوارية الأسلمة والعلمنة
- (قراءة نقدية للإسلام) أو هكذا سُميت
- تجار مقدسون
- ايها الليبراليون..نقطة نظام


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء النصار - حقووق االإنسان بين العالم واالاسلام