|
بين بَطَر السلطة و بؤس المعارضة تضيع الاوطان- أنظمة - بطرانة - و شعوب يائسة و - معارضات من ورق -
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 814 - 2004 / 4 / 24 - 11:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعروف أن الناس حين يُصدمون بخبر جلل لا يملكون سوى أن يقولوا : لا إله إلا الله .. تعبيراً عن عجزهم وليس بالضرورة إيمانا منهم بأن ذلك هو الصواب أو الحق بعينه .. هكذا هي الشعوب المغلوبة على أمرها : تميل إلى الخنوع والصمت والعزوف عن السياسة و الاهتمام بالشأن العام .. هذا ما أريد خلال عقود و ما يراد لشعوبنا إلى اليوم . فقد مورست عليها كل الأساليب التي أوصلتها إلى حالة ذلك الفأر المخبري ، الذي أكررُ " قصته " منذ سنوات في جلسات الأصدقاء .. و إليكم التجربة ( وهي بالمناسبة تجربة علمية معروفة في عالم البحوث النفسية و الاجتماعية ... ) : قفص مؤلف من حجرتين . إحداهما يمكن تعريضها لتيار كهربائي ، والثانية معزولة عن تأثير هذا التيار .. وفي الحاجز بينهما توجد نافذة صغيرة . يوضع فأر مخبري ( أو شعب مخبري ـ يقال أن مراكز البحوث الغربية تقترح نتائج هكذا أبحاث لحكام الدول النامية من اجل إدارة شعوبها بسهولة ) في الحجرة الأولى ويقوم الباحث بلسعه بالتيار الكهربائي .. فيحاول الفأر الهرب ويدور و يدور إلى أن يكتشف النافذة في الحاجز فينتقل إلى النصف الآمن .. يأخذه الباحث ويعيده من جديد إلى القسم الأول و يقوم بلسعه بتيار الكهرباء .. يدور الفأر بعض الوقت ليكتشف النافذة فيهرب .. وهكذا دواليك .. و بحيث أن الفأر مع تكرار التجربة يصبح أسرع في الهروب عبر الثقب .. المرحلة الثانية : يربط الفأر في النصف الأول برباط يمنعه من الهر ب ويتم تعريضه للتيار .. يحاول الفأر الهرب بكل ما أوتى من قوة .. لكن هيهات : إنه مقيد .. و مع استمرار الضرب بالكهرباء والإحساس بالعجز يستكين الفأر إلى درجة انه لا يعود يرتكس على " التعذيب " .. المرحلة الثالثة : يفك اسر الفأر .. وتعطى له فترة نقاهة واستراحة من التعذيب .. ثم يعاد الفأر من جديد إلى القسم المكهرب ويجري ضربه بتيار الكهرباء .. وهنا نكتشف أن الفأر لا يبدي أي إرتكاس و لا يقوم بأية محاولة للهرب . لقد اصبح خانعاً مستكيناً يائساً . هكذا هي حالة شعوبنا . للأسف الشديد . فقد أوصلوها إلى مرحلة عدم الثقة بكل ما تقوله أو تفعله أو تعدهم به الأنظمة .. وتلك الأخيرة أصبحت في النهاية تعرف تماماً ما لديها من شعوب .. و أن القنوط بلغ منها لدرجة اصبح بإمكانها فقط أن تردد : لا حول و لا قوة إلا بالله . لذلك نحن جميعاً ، للأسف الشديد ألف و ألف مرة ، فقدنا الأمل في قدرة أنظمتنا على النهوض بالأوطان و بالشعوب من اجل اللحاق بركب الحضارة و بقطار الحداثة ـ و ما أدراك ما الحداثة وما بعد الحداثة ، لا فرق . بل إن الواقع يبين أننا نسير ـ إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال ـ نحو الخروج من التاريخ بشكل نهائي ، أي إلى تحقيق مقولة فوكوياما حول " نهاية التاريخ " بالنسبة لنا قولاً و فعلاً كما أشار إلى ذلك أستاذنا الدكتور طيب تبزيني منذ حين .. لكن ما يزيد الطين بلّة هو انه ليس فقط أنظمتنا صارت تعلم ماهية الحالة التي وصلت إليها شعوبنا فراحت تفعل كل ما يحلو لها : التصريح بأن المعارضة عاجزة عن إدارة مدرسة ابتدائية ـ وكأن ذلك وسام على صدر مجتمعنا و جبهتنا الوطنية التقدمية والحزب القائد ، كذا ـ ، مروراً بطرد الطلاب من الجامعات لأنهم عبّروا سلمياً عن قلقهم تجاه المستقبل بعد أن تخلت الدولة عنهم بجرّة قلم .. وكأن الطلاب لا يتحدثون عن ذلك في السر والعلن فيما بينهم ، وصولاً إلى الاعتقالات التي لم تتوقف في أوساط الأكراد و كأن الكبت والتراكم في نفوس المواطنين الأكراد يمكن أن يُقضى عليه عن طريق أجهزة أمنية السواد الأعظم فيها حاصل على شهادة سيرتفيكا من الوزن الخفيف ، إلى اعتقال اكثم نعيسة أخيرا .. ومن هذا الاكثم نعيسة كي يعكر اتقاد الذهن عند حملة السرتيفيكا .. فالطامة الكبرى هي أن المتربصون بأوطاننا وبثرواتنا و بمستقبلنا ـ التحالف الانكلو ـ سكسوني من جهة ، و كذلك العدو الإسرائيلي من جهة أخرى ـ اصبحوا يراهنون على غياب أي تفاهم أو الحد الأدنى من الثقة بين الأنظمة العربية وبين شعوبها .. لقد أدركوا أن الهوة بين الشعوب وبين قياداتها لا قاع لها .. ( وهل من داع لتكرار المعلومة التي تؤكد أن الأمم تنحدر حين تغيب الثقة بين التحت وبين الفوق .. ) فراح الأمريكيون يمارسون ابشع أنواع القتل والاضطهاد بحق أبناء الشعب العراقي المنكوب أصلا بنظام صدام سابقاً فكما لو انه لم تكفه عقود من القتل والتهجير و الاغتيال النفسي والجسدي .. فكل يوم نشاهد المجازر الجماعية و الإذلال على الحواجز الأمريكية بوصفة إسرائيلية بحق الشعب العراقي . كما راح الإسرائيليون ، بالتنسيق وبالتعاون مع الإدارة الأمريكية ، يقتلون أبناء الشعب الفلسطيني بدون أي رادع أخلاقي و إنساني ، إلى جانب كل أنواع التعذيب والاضطهاد والحصار .. إلى أن وصل الأمر ذروته باغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ـ بغض النظر عما إذا كان المرء قد يختلف مع رؤيته و مع خطه السياسي أو لا . بل راحت إسرائيل تهدد باغتيال خالد مشعل وغيره من الزعماء الفلسطينيين داخل الأراضي السورية .. إنهم يعرفون أن ردود الفعل في القاهرة وعمان وصنعاء والرياض و دمشق .. و.. و .. لن تتعدى التنديد والاستنكار .. وان الأنظمة ستسمح لبعض الشبان الإسلاميين أو بعض بقايا التنظيمات القومية هنا وهناك بالتظاهر وبحرق العلمين الامريكي والإسرائيلي .. وبمقاطعة البضائع الأمريكية شفهياً !. وكل ما ذكرناه يجري بعد أن قدمت واشنطن إلى المجرم شارون الضمانات المعروفة والرامية إلى القضاء الكامل على القضية الفلسطينية برمتها وعلى قضية اللاجئين .. وهنا يجب أن أشير ـ أرجو عزيزي القارئ أن تتذكر ذلك ـ إلى أن الوثيقة الجديدة الموقعة بين واشنطن وتل أبيب هي إلى حد ما تعادل وعد بلفور .. نعم إنها وعد بلفور جديد !! فهل استفاقت الأنظمة على جدية الموقف وخطورته ؟!ّ.. أم يكفينا احتجاج رئيس وزراء الملك عبد الله الكوميدي ، أم يكفينا " الموقف المتأني والمتفهم " من الرئيس مبارك العريق في ديبلوماسية التطنيش ، أم نراهن على الدور السوري ولدى القيادة السورية ما يكفي من الملفات الشائكة داخلياً وإقليميا ، أم ننتظر الفرج من ملك المغرب ورئيس اليمن المناضل ، أم من الأخ معمر كائد الثورة ، أم من المملكة السعودية التي لازالت تقاتل " السوفييت الكفرة " في الشيشان.. إلى آخر المسلسل ؟؟! باختصار إن شعوبنا صارت مثل هديك المَرَة اللي قالوا لها أن زوجها أبو علي كان مع امرأة ثانية فأجابتهم : أنا بعرف شو عندي .. أي أنها تعرف أي صنف من الرجال لديها . أو كما قال لي أحد " المواطنين " بعد اغتيال الدكتور الرنتيسي : " مساءً سيجتمع الناس في بيوتهم ليتابعوا أخبار star academy وسوف ينسون الفلوجة* والنجف و .. الرنتيسي . و لا تؤاخذونا . فقد انتهى الكلام المباح .
طرطوس 20 – 04 – 2004
* لست بالضرورة ضد برامج من أمثال star academy .. بل ربما إن هذا البرنامج قد جمع الناس في مختلف البلدان العربية على اختلاف مشاربها اكثر مما جمعته شعارات أخرى .
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احذروا دجوبولّلو أو قواعد الإمبريالية العشر
-
مقال فــي الصحة النفسية
-
- استعمار روسيا - حول دور روسيا في النظام العالمي الجديد
-
وصــفة من أجل شباب دائم
-
و في العـــراق ... قلقٌ و حزن
-
معــاداة السامــية في روسيا :من ستالين حتى الطغمة المالية
-
بقايــا - آلـــهة - أو قصص غير مفيدة
-
الشاعر الروسي أوسيب إيملييفيتش مندلشتام قصة حياته و موته
-
مــلاحظات حول موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري- ا
...
-
يفغيـــني يفتوشينـــكو
-
الوصية السياسية - لـ : فلاديمــير . إ . ليـــنين
-
آنّا آحمادوفا .. عن نفسها
-
العولمــــة … ماذا تعـني حقــــــاً ؟
-
هل يبتلع الاسلام السياسي دولة - البعث - في سوريا أو تداخل ال
...
-
العــــالم من دون رسول حمزاتوف
-
نيكـولاي غوميليف
-
الولايات المتحدة الأمريكية والهيمنة على العالم
-
مبادئ الحرب الإعلامية
-
دروس من التاريخ : من الوثائق السرية للجنة المركزية للحزب الش
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|