أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - الكتابة العمومية كسياسة كتابة














المزيد.....

الكتابة العمومية كسياسة كتابة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2662 - 2009 / 5 / 30 - 08:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نكتب عن العالم العربي أو الوطن العربي، عن الدول العربية أو الأنظمة العربية، مضمرين أن ما نقوله ينطبق عليها جميعا. فوق أن هذا قلما يكون صحيحا، فإن معظمنا لا يعرفون شيئا ذا قيمة عن غير بلدانهم. بلداننا أضحت معقدة، ومشكلاتها وفيرة إلى درجة أن المرء منا بالكاد يحيط بجوانب من أوضاع بلده. قد يمكن أن نعمم على البلدان العربية كلها أو بعضها، لكن في مجالات محددة جيدا، وبعد الدراسة التفصيلية لما يخص تلك المجالات وليس قبلها. نستطيع أن نقول مثلا إن أيا من البلدان العربية لا يعرف تداول السلطة. هذا صحيح بالفعل. لكنه يخفي تفاوتات أكيدة: في المغرب تداول على مستوى الحكومة؛ في الكويت حياة نيابية نشطة، بل صاخبة؛ في العراق أوضاع مستجدة لما تستقر بعد؛ في لبنان قد يتغير السياسيون لكن النظام السياسي الطائفي ثابت لا يتبدل.
القصد أن التعميم على البلدان العربية قد يكون ممكنا "بعديا"، لكنه خاطئ بالتأكيد "قبليا". بالطبع يمكن أن نتكلم على مستوى يتوحد فيه العرب فعلا: الثقافة العربية. نقصد اللغة العربية والثقافة العليا. لكن الثقافة في بلداننا لا ترتد إلى ذلك. هنا اللغات أو اللهجات المحلية، وهناك الثقافة الشعبية المختلفة، وهناك الاقتصاديات ومستويات المعيشة المختلفة، وهناك التجارب التاريخية المختلفة، وهناك فوارق ثقافية مترتبة على اختلاف البيئيات الاجتماعية والطبيعية.
لكن لماذا نعمم؟ أولا بحكم العادة. ولعل أصل العادة هو ضعف التخصص في مجتمعاتنا ونوعية البرامج التعليمية في مدارسنا، فصلا عن كون التعميم أسهل من التخصيص، ولا يحتاج ما يحتاجه هذا من مثابرة واجتهاد. وثانيا لسبب إيديولوجي يتمثل في إرادة حجب الشرعية عن دولنا القائمة؛ فقد افترض جيل كتاب عقدي الستينات والسبعينات خصوصا، أن معرفة الأوضاع العينية لبلداننا تعني الاعتراف باستقلالها وتقتضيه، وهذا أمر لم يكن مقبولا من وجهة نظر الضمير القومي العربي المهيمن آنذاك. نخشى أن يفضي الكلام على سياسة مصرية وثقافة سورية ومجتمع كويتي واقتصاد لبناني... إلى تثبيت تمايز البلدان المعنية واستقلالها عن بعضها، تشكلها كأمم مستقلة. ثالثا لأسباب رقابية. نخشى أن نتكلم على أوضاع سورية ينخرها القمع والفساد والتفرق الاجتماعي، فنتكلم على القمع العربي والفساد العربي وما إلى ذلك. والعنصر الرقابي حاضر بخاصة في الكتابة السياسية. نمارس السياسة في الكتابة (نعمم، "نلطِّش"، نتكلم بلغة الرمز..) حين نكتب في السياسة لأننا نخشى أن يطالنا ما لا يسر إن خصصنا. رابعا، ثمة لذة التعميمات الكبيرة. من يتكلم على هذا الشأن السوري أو ذاك ليس كمن يتكلم على شأن يهم العرب جميعا. وقد نضيف خامسا إن هناك منابر نشر عربية، وبدوافع الانتشار والتوزيع، تحرص على اعتماد لغة عمومية لا يعترض عليها أحد. الأمر هنا يتعلق باقتصاديات النشر ووسائل الإعلام. لكنه يتصل أيضا بالعلاقات الحساسة بين الدول العربية، نظر لكون أكثر منابر النشر مرتبطة بهذه الدولة أو تلك. هنا تكون الكتابة العمومية هي الكتابة الآمنة.
لكن أيا يكن السبب فإن اعتياد الكتابة العمومية يشجع على الكسل وتدني المؤهلات، ويدفع أكثرنا إلى ضرب من كتابة بلا ملامح، لا تزعج أحدا ولا ترضي الحقيقة.
وفوق ذلك لا يؤدي هذا الضرب من الكتابة إلى أي تراكم معرفي. وسبب ذلك بسيط جدا: هذه معرفة بلا موضوع، أي بالضبط بلا معرفة. نقول كلاما غير محدد لأننا لا نتكلم عن شيء محدد. كلام في كلام. هل "المكْلمة" العربية، كثرة كلامنا وقلة فعلنا وتدنى مستوى معرفتنا وتفكيرنا، منفصلة عن هذا الواقع؟
كيف يمكن الخروج من هذا الشرط البائس؟ حاولنا أن نقول إنه متصل بسياسيات الكتابة واقتصادياتها وإعلامياتها. هذا هو الواقع الذي يتعين تغييره. وأول التغيير أن نخرق، أفرادا وقدر المستطاع، القواعد الضمنية للكتابة السياسية. أعني أن نكف عن التعميم، وأن نحاول تسمية الأشياء (بعضها) بأسمائها. أدرك جيدا كما أن هذا صعب. وكم يمكن أن يكون خطيرا ومكلفا على الكتاب. وكم أنه فوق ذلك لا يكفي. نحتاج إلى منابر أكثر استقلالا ماديا وسياسيا، إلى مجتمع كتابة أكثر شجاعة وتضامنا، إلى تعليم وإعلام أكثر احتفاء بالمعرفة والمعلومة والواقعة والحقيقة، باختصار إلى ثورة على أوضاعنا الراهنة. لكن إن كنا عاجزين عن إحداث تغيير جذري في أحوالنا، فلعلنا (أعني الكتاب والمثقفين) غير عاجزين عن تغيير بعض ممارساتنا الكتابية والثقافية، باتجاه انتزاع مساحات أوسع لحرية القول وللحقيقة العيانية.
يتمنى المرء لو يكون خارج هذا الحال التعيس برمته. لكن ما دمنا داخله فإن علينا أن نعمل على تغييره. ولعل هذا في سورية بالذات أمر حيوي. قلما ألف سوريون كتبا عن سورية المعاصرة، أعني كتبا علمية وذات قيمة. ويقدر أن كل ما كتب عن سورية الحديثة في العالم وخلال 90 عاما من تاريخها يقل عن 950 كتابا. هذا قليل جدا. والسر فيه بلا شك التقاء الإيديولوجية العروبية مع شروط الرقابة الفكرية والكتابية الخانقة، ومع اقتصاديات الكتابة والنشر غير المؤاتية.
يبقى أن نرجو القارئ حسن النية ألا يتسرع ويحكم على كاتب هذه المقالة بأنه معاد للعروبة. الأمر بعيد جدا عن ذلك. نعتقد أن العروبة تكسب من التصالح مع دولنا القائمة، من الاعتراف بها ومعرفتها ومراكمة المعارف حولها، ومن عقلنتها وتكونها دولا سيدة مستقلة. دول كهذه تتعاون وتكتشف المشترك بينها، فيما من شان دول مهجوسة باستقلالها وشرعيتها أن لا تكف عن نهش غيرها وتقليل مساحة المشترك مع محيطها. وعلى كل حال، لا يليق أن تكون العروبة "قطاعا عاما" مستباحا، أو كيس ملاكمة "نفشُّ فيه غِلّنا" ممن لا نستطيع رميهم حتى بوردة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الحتمية الثقافية في الثقافة السورية مقالة ضد العناد
- الفكرة القومية العربية (والإسلامية) كإيديولوجيتي حرب أهلية
- مسار حرج لتطور الوضع الكردي السوري
- في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة
- العلم والفتوى و..الفوضى
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟
- مفهوم سيادة الدولة كأساس لحرية الاعتقاد الديني
- عولمة التقدم وانبعاث التخلف
- في عالم -الخطيئة الأصلية-
- أي رصيد للقوة بحوزة حركات المعارضة -العلمانية- العربية؟
- من يصغر مصر الكبيرة؟
- الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي
- في السياسة والثقافة وأزمة العام الوطني
- انفصال الإخوان المسلمين السوريين عن جبهة الخلاص.. ماذا بعد؟
- في نقد الأصولية
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - الكتابة العمومية كسياسة كتابة