|
اجتهاداتٌ في النظرْ إلى حفرةٍ ليست كبقية الحفرْ …!
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 813 - 2004 / 4 / 23 - 08:36
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
-1-
بعض الحكامِ يرتقون مراقي العز ْ ويشهقون بشعوبهم إلى قمم النبوغ والتفوق والوعي ، وترتفع قبب معاهدهم العلمية ، وترقى سقوف مصارفهم ومساكن شعوبهم ، حتى لتوشك أن تناطح السحاب …! وإذ يرقدوا رقدة الوداع الأخيرة … ففي الحال وبلا عناء ، ترقى أرواحهم إلى كف الرب في عليين ، آمنةٍ مطمئنةٍ مكرّمة…! أما البعض الآخر ، فأنهم يهبطون بأنفسهم قبل شعوبهم ، إلى هاوية الذلّ والهوان ، ولا يتركون خلفهم إذ يرحلون إلا قبوراً لمئات الآلاف من الأبرياء ، نساءٌ وأطفال وشيوخ …! …. مجهولين ، لا ترتفع فوق قبورهم حتى لوحة شاهدٍ صغيرة …! حِفرٌ …حِفرٌ ….حِفرْ …! ولا يتركون إذ يرحلوا ، إلا بيوتاً ومصانع وجيوش ومنشئاتٍ مهدمةٍ محترقة …! حفرٌ …حِفرٌ …حِفرْ …! ولا يتخلف من بعدهم إلا نقدٌ هابط … واقتصاد مدمرّ … وكرامةْ مستباحة … وحدود مشرعة ( كبيت العاهرة ) لكل وافدٍ خبيثْ ….! حِفرٌ ….حِفرٌ….حِفرْ….!! وهم ذواتهم …! يجدهم أعدائهم في النهاية ، مختبئين في حفرةٍ ، بالكاد تتسع لفأرٍ سمينْ …! شتان بين من يطاول السحاب ، ويداعب أطفال بلده ، صبحاً وعشيةْ ، أذيال النجوم …! وبين منْ يهبط بنفسه وأمته إلى عمق حفرةٍ قميئة قذرة …! شتان …!!
-2-
كنت أتألم حين يسألني الناس من أهل هذا البلد الطيب الذي أقيم فيه ، عن سرّ هذا التخلف الأخلاقي والسلوكي ، الذي ظهر عليه بعض أبناء شعبي ، عقب سقوط الصنم …! سلبٌ ونهبٌ وحرائق مفتعلة وسرقة لممتلكات الدولة …! كنتُ أُنظر وأفسر ، ولا أرى في الوجوه إلا إشفاقا وعدم تصديق …! حين عثر جُند المحرر الأمريكي على طاغيتنا ، خبيئاً في حفرةٍ قذرة … ، وإذ طالعت صورة الحفرة وساكنها في صحيفةٍ من صحف هذا البلد ، هرولت جهة الزملاء مبتهجاً إذ…. وجدت التفسير الذي أعياني … ! وجدته في الحفرة …! - انظروا … انظروا إلى وجه حاكمنا ، إلى ذقنه الشعثاء ، انظروا إلى مرقده الأخيرة عقب الهزيمة …! - ثم ماذا …! - هذا هو السبب ، وراء ذاك الذي رأيتموه أيها الأحبة …. الحفرة … ( أو تضنون أن حاكماً عادلاً شجاعاً ، يمكن أن يسكن حفرة ) - كلا طبعاً …! - إذن فهو ظالمٌ جبانٌ …! - وحيثُ هو كذلك ، فبالجبن والخسة والشك والخوف تعامل معنا ، وكانت النتيجة إن تشوهت أخلاقنا ، وهبط مستوى وعينا إلى درك الحفرة والمستنقع ، ليس كلّنا ، ولكن جُلّنا ، وإذ سقط ، هبّ الناس إلى موروثاته فأعملوا فيها السلب والنهب والحرق ، بلا … نحن لم نعش وعياً جمعياً وطنياً أو إنسانياً طوال أكثر من ثلاثين عاماً …!
-3-
حين يكون الحاكم في واقع الحال فأراً ، فأراً رشيقاً جباناً ….! ويأتيك من يأتي ليكسيه ثوب أسد …. ويقول لك بمحكم القول أن ما ترى أسداً لا فأر …! وكيف وهذا القائل الكاسي ، هو رمزٌ لا يشك الناس بحكمته وعلمه … واعظٌ له مظهر الملائكة وروح شيطان ، أو حاكمٌ مبتزٌ لشعبه بمعسول كلامه ، وجميلُ وعوده ، وهو في واقع الحال لا يقل جبناٍ وخبثاً عن فأره ولا ترى الناس منه إلا شحيح العمل …هزيله ْ …! ولكن الناس تصدق ، إذ هي قد أقامت في كهف ثقافة المظلومية والشكوى واللطم على الجياد دهراً ، والأيمان بأن الناس في كوكب الغرب المتحضر ، قد أذلوها وأهانوا وكادوا ولا يزالوا يكيدون لها ، فما هي فاعلةٌ إلا في أن تتعلق بأذيال هذا الفأر ، وهي تهتف له …! أسد …أسد … أسد …! وضاع الشعب العراقي ، هُدرت دمائه ، وتنكر الناس لصراخه ، واستنكروها عليهم ، إذ هي نشازٌ في سمفونية التطبيل للفأر _ الأسد ، الذي سيعيد القدس ، عروس المدائن ، لأهلها المنتشرين في مخيمات اللجوء لدى الأشقاء منذ نصف قرن …! وتنكر أهل الديموقراطية والعدل والحرية في الغرب ذاته لمظلومية أهل العراق ، فلهؤلاء مصالحٌ مع الأسد ، مصالحٌ في جوف أرضه ، وخلف حدود أرضه …! ويفتضح أمر الفأر – الأسد ، إذ تسقط فروته الزائفة ، فماذا يفعل الناس الذين بحت أصواتهم من الصراخ والعويل على قوافل موتاهم التي لم تنقطع ، لأكثر من ربع قرن …! كيف يكون سلوك الناس ، حين يتضح لهم أن من أذلهم لأكثر من ربع قرن ، ما كان إلا فأراً بزي أسد …! لا أشك في أن مظاهر فرحهم وهيجان عواطفهم المكبوتة دهراً ، لن تكون مثل مظاهر فرح الرومانيون أو البولنديون أو أهل جورجيا ، حين سقط حكامهم ….!
-4-
الحقيقة أن هناك دولٌ عديدةٌ في منطقتنا ، تمتلكُ أعلاماُ وطنيةٍ بلا دلالات حقيقية صادقة …! نجومٌ وألوان الدم والخضرة وسواد العمائم العباسية وبياض الوجوه في ساحات الوغى ، وهي في واقع الحال لا تمتلك شيئاً من هذا ، وحري بها أن تنقش على أعلامها صورة حفرة ، لتكن الحفرة الصدامية الأنيقة ، أو أي حفرةٍ حفرها هذا الحاكم أو ذاك لنفسه ، لحظة مجيء الأمريكان ….! صدقوني ، الحفرة أكثر دلالةٍ وطنية ، لكثير من الدول المؤدلجة والمدجنة والحالمة بالسلف الصالح أو بالرمز القومي الخالد ، عبد الناصر أو عفلق أو صلاح الدين أو صدام حسين ….! صدقوني … الحفرة إذ تنقش على البيرق الوطني ، تكون أكثر دلالة على الحال في القصر كما في الشارع …! بل ربما ، كان في الحفرة منجاةٌ من الطوفان الأمريكي القادم …! ربما يرأف هؤلاء بهذا الحاكم أو ذاك فلا يخسفون بقصره الأرض ، ويكتفون بالخسف بشعبه ومنشئاته …! الحاكم المتخشبّ منذ دهر في حفرة الجولان أو دار البلدية في رام الله أو مستنقع الجنوب السوداني أو في خرجٍ لناقةٍ سلفيةٍ في بطائح حضرموت ، حريٌ به أن ينقش الحفرة الصدامية على راية جيشه وشرطته وشرفة قصره …! أو أن يغير ما في نفسه ويتصالح مع ذاته وشعبه والعالم ، فيمكن له أن يلحق بالركب الإنساني المتسارع نحو مراقي المجد والعزّة والكرامة والوفرة ، للإنسان …. خليفة الله على أرضه ….!
-5-
الحفرة ….! قراءةٌ جديدةْ في موردٍ عربيٍ جديد : الحفرة …. هي القبر المجهول المنسي الضائع في صحارى الرمادي أو السماوة أو الشعيبة ، لفلاحٍ بسيط أو طفلٍ في الابتدائية ، خط بالطباشير على سبورة الدرس في مدرسة عتيقة متهالكة من مدارس البصرة وفي لحظة جوع وعريٍ ، كلمة يسقط صدام حسين …فلم يمهل حتى يصل البيت ( الكوخ ) ليأكل كسرة خبزٍ يابسةٍ ، يغمسها بمرق العدس الحافي ، بل أُخذ في الحال إلى أقرب ساحة إعدامٍ و ….أعدم ….! الحفرة …..هي الأيديولوجيا التي تختبئ تحت الأرض وفي الأقبية ، لكي لا تعميها شمس الحقيقة …! تفرّ من تحت عجلات السيرورة الإنسانية المتسارعة قدماً نحو مزيدٍ من التقدم والتفوق لبني الإنسان ، تفرّ بأن تحفر لها حفرةٍ في عمق الأرض … فتأمن من ضغط العجلات الثقيلة الفتية …! الحفرة …..هي حزب البعث العربي الاشتراكي …عفواً …. حزب المقابر الجماعية الدموي الانتهازي الطائفي …!! الحفرة …. هي المستنقع الجولاني واللبناني … هي …. كوبونات النفط الصدامية … هي العرب الذين باعوا الكويت لصدام ، من أجل وهم تقاسم الكنوز سويةٍ باسم القومية والإسلام ….! الحفرة … هي الأيديولوجيا… الناصرية …. البعثية … الأخوانية ….اللادنية ….!! الحفرة …. هي جحر الفأر ومقبرة الديناصورات القومية …!
-6-
أضن أن على المحرر الأمريكي ومجلس الحكم الموقر أن يحافظوا لنا على الحفرة ، كما هي أو … أفضل مما هي ، دون المساس بجوهرها الوضيع …! أضن أن من الفطنة التجارية والحضارية ، أن يكرموا الحفرة ، بحارس أو ثُلةٍ من الحرس ، على أن لا يكونوا من حزب ( الحفريين ) ، أي الحزب الذي يؤمن أتباعه بأن الغائب سيرقى من الحفرة في أي لحظة ، وأن الأمريكان شُبهه لهم ، ولم يصطادوه حقاً …! وحبذا ، لو زُرع حول الحفرة ورودٌ ورياحين …! وأن تحال الحفرة إلى مركز جذبٍ سياحي ، يرتاده الزوار من المتطفلين والفضوليين والباحثين عن الإثارة و… لا بأس بزيارة الأخوة الحفريون من أشقائنا في سوريا والأردن واليمن والسودان وروسيا و…و…و…! الحفريون من أيتام عبد الناصر والأخوانيون من أتباع اللجنة المركزية في قناة الجزيرة الفضائية ، وأيتام عفلق وساطع الحصري ودولة الخلافة العثمانية و…و….و…الخ . ولا أنسى طبعاً ، الجليل المهيب ، شيخ الإسلام بن لادن ، الذي أعمل في الصليبيين قتلا في عقر دارهم ، في مركز التجارة العالمي …! وأقترح أن تكون هناك ، حول الحفرة ، مجمعات سياحية وفنادق ومسابح ومسالخ للّحم على الطريقة الإسلامية ، وأن يتيسر للزائر المؤمن أن ينال بعضٌ نمن تراب الحفرة ، يأخذه معه لبلده ، ليريه لبنوه وزوجه ، فيصدقوا أنه فعلاً زار الحفرة المقدسة ….! وأقترح على وزارة الثقافة العراقية وكذلك الخارجية وهيئات السياحة ، أن توفر ملصقات جدارية بمختلف الحجوم ، وأن توزع على سفاراتنا التي ستفتح قريباً ، ومن هناك يتم توزيعها على المريدين وأهل الفضول بذات الآن …!! وبالنتيجة فنحن لا شك منتفعون …! أهلنا في المثلث ، سيتحسن رزقهم وتمتلئ بطونهم من جديد ، بعد أن ضمرت منذ غياب الغالي …! وإذ يتحسن الرزق ، يعتدل المزاج ، وتلين القلوب الغليظة ، و…تشفى الصدور ، وتتفتح براعم العقول فتمتص رحيق الحقيقة من خصلات شمس الرب البهية الساطعة …! وفي وجود الحفرة حكمةٌ …. تبعثُ على التواضع وتلجم زمام الغرور … فحيث يرى كل من يتوهم في نفسه المجد والتكليف الإلهي … يرى حقارة تلك الحفرة … وحقارة هذا الذي خرج زحفاً منها …فأنه لا شك سيتعظ ويرعوي ويؤمن أن الله حق وأن صدام قد ولّى ولكن الشعب … باقٍ إلى يوم الساعة …!
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمي التي ماتت من الفرح…! - قصة قصيرة
-
آية الله منتظري … إنك والله لآية صدقٍ شجاعة…!
-
رحل الرنتيسي فلمن تسلّم الراية يا فتى …!
-
خطوط المرجعية الحمراء … والخضراء …!
-
هنيئاً لأم المآذن ثمن ما لعبة السحل والحرق التي أجترحها الغل
...
-
معركة الإيرانيين الأخيرة في العراق…!
-
تعقيب على نحيب ….!
-
النحيب عند بقايا الكرسي المتحرك للحبيب …!!
-
الحفريين
-
مرحى للدبابات السورية التي هبت على عجلٍ لقمع الأكراد …!
-
ويوشك العام الأول من التحرير أن يأفل…!
-
وليلةٌ أخرى من ليالي الفأر في جحره - قصة قصيرة
-
ولِم لا يكون الأشقاء في سوريا وإيران هم الفاعلون …!
-
النصوص …. النصوص … حاضنة الإرهاب وراعيته …!
-
الكائن الإنساني إذ يتجاوز الحدود الزائفة لحجمه الفسيولوجي وا
...
-
الإسلام …هذا الدينُ اللعنة ….!
-
هذا الذي كان حبيس مستنقعه العفنْ …!!
-
شاعرنا الكبير سعدي يوسف … ما الذي يريده بالضبط …؟؟
-
هل أدلكم على حاكمٌ ….لا يظلم عنده أحد …!!
-
حكايةٌ عن الفأر لم تحكى من قبل ..! قصة ليست للأطفال
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|