عبدالمنعم الاعسم
الحوار المتمدن-العدد: 813 - 2004 / 4 / 23 - 08:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
البصرة التي هي أول العراق، وشهقته على البحر، ووسادته باتجاه الصحراء، شاءت ان تستيقظ صباح امس على مذبحة مروعة مسجلة باسم البرابرة الجدد المتحدرين من غابة مسكونة بالوحوش..البرابرة الذين استغلوا مصاب العراقيين في دولتهم لينكلوا بهم، قرأوا آيات من ذكر الله (تهدر دم الكافرين)، ثم فجروا خواصر البصرة المؤمنة، ومضوا، تاركين على ارض المعركة اشلاء وحقائب تلميذات صغيرات كن يمضين الى حديقة، وايدي ورؤوس نساء متلفعات بالسواد كن في طريقهن الى السوق، واجساد شرطة محترقة كان اصحابها قد سهروا الليل في مطاردة اللصوص وحماية المنازل وضبط امن الناس وهم نيام، وليس بين الجميع كافرا.
وخارج المشهد المروع بمسافة امتار، هبت البصرة التي هي أول الكون، وعين العراق على المجهول، من نومها الرطب على صوت التفجيرات.. لفت نفسها بالعباءة وراحت تحصي ضحياياها: عشرة، عشرين، ثلاثين، خمسين، ستين، سبعين ..يا ألله، ماذا فعلت البصرة لتكون موضع حقد البرابرة، فجاءها الصوت فصيحا: ألم تسمعوا بكربلاء ومحطات الانفاق في مدريد ومسرح دوبروفكا في موسكو والكاظمية وبناية الامم المتحدة، وعمارات الرياض، وشبكة مياه العاصمة، وشارع الليل في الدار البيضاء، وفندق مراكش، وبناية التجارة الدولية في نيويورك ومهرجان الجساد في النجف؟
وخارج هذا المشهد سيظهر اصدقاء البرابرة على واجهات الاعلام ليعلنوا ان اسرائيل وراء تفجيرات البصرة، فقد كان هؤلاء الاصقاء يوزعون التفجيرات واعمال القتل المتوحشة بكيمياء مقصودة: فالعمليات التي تشكل احراجا اعلاميا وانسانيا يسجلونها في مسولية (العدو الصهيوني) أو(الاحتلال) أو(الصراع بين جماعات مجلس الحكم) فيما العمليات التي تنفع في ترويج صورة (المقاتلين الابطال ضد الاحتلال) يأخذونها لهم..وهم في تلك يتشفون بالعراقيين، وفي هذه يوغلون في تفليش العراق بجعله ساحة حرب وتصفيات حساب.
وخارج كل المشاهد سيعكف محللون وزوار دائميون على واجهات الاعلام على البحث في كومة الاشلاء والدماء عن الرسالة التي شاء البرابرة ان يوجههوها من خلال مذبحة البصرة الى العالم، وسيقولون اشياء كثيرة باستثناء السطور الحقيقة الواضحة في تلك الرسالة: العراق رهينة بايدينا. اننا نقص اطرافه لكي يتعذر عليه التحليق.
البرابرة، على الرغم من كل ما يقال وبصرف النظر عن المؤيدين لهم والمعارضين لجرائمهم، يسعون الى تقويض الدولة العراقية ومعاقبة الملايين العراقية التي لم تدافع عن نظام الدكتاتورية حين ترنح متخاذلا ومهزوما، وهم إذ يدخلون الى فضاء العراق لتسميمه، يستغلون طيبة العراقيين.. فكيف إذا كانت هذه الطيبة قد سكنت البصرة، من بدء الخليقة، قبل ان تتشكل وردة العراق حتى.
ومضة:
"ما سرقت جارا وإن كان عدوا، ولا كريما، ولا كافأت غادرا بغدره"
أخلاق اللصوص –عثمان الخياط
[email protected]
#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟