كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 812 - 2004 / 4 / 22 - 08:12
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في الأول من تموز/يوليو 2004 سيتم, حسب البرنامج المتفق عليه بين سلطة الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي, نقل السلطة إلى العراقيات والعراقيين. وسيتم نقل السلطة في وضع غاية في التعقيد والتشابك والتوترات السياسية والاجتماعية والمصاعب الاقتصادية وبطء تنفيذ عملية إعادة الإعمار, إضافة إلى التخريب المتواصل الذي تمارسه عصابات النظام السابق وبعض القوى الإسلامية المتطرفة. كما أن الطفولة السياسية المهيمنة على السيد مقتدى الصدر تزيد الأمر تعقيداً, خاصة وأنه يتطلع إلى السيطرة على السلطة دون أن يعي الخراب المحتمل الذي سيلحق بالعراق والموت الذي سيشمل جمهرة كبيرة من سكان العراق, إضافة إلى تأخير مسيرة البناء الاقتصادي للبلاد. ومع الفارق بين الضحية والجلاد, بين مقتدى الصدر وصدام حسين, فأن ضحية الأمس يطرح بوضوح لا لبس فيه, كما طرح المستبد بأمره مقولته الشهيرة بأنه سوف لن يترك العراق إلا على أنقاض وخرائب وجثث القتلى. إذ يبدو حتى الآن أن مقتدى الصدر يسعى إلى تحويل النجف والكوفة إلى ساحة معارك, كما حصل في الفلوجة وغلى خرائب ودمار وموتى, وهو ما لا يتمناه أي إنسان شريف لهذه المدن ذات العتبات المقدسة, وعليه أن لا يحتمي بها بعد أن عزل عن غالبية المرجعيات في النجف وكربلاء وفي غيرها في ما عدا مرجعيته التي يحتمي بها, ونعنب بها السيد الحائري المقيم في إيران. وإذا ما تم فعلاً تسليم السلطة إلى العراقيات والعراقيين, فهل سيتمتع هذا الشعب بالاستقلال والسيادة الوطنية حقاً؟ يمكن الإجابة الافتراضية عن هذا السؤال بعد الإشارة إلى عدد من النقاط:
إلى حين تاريخ تسلم السلطة يفترض أن تتحق ثلاث مهمات أساسية, وهي:
1. مهمة إعادة الأمن والاستقرار للبلاد, وهي المهمة التي تقع على عاتق قوات الاحتلال وفق قرارات مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر العراق بلداً محتلاً من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وهي مهمة صعبة وكبيرة في آن واحد, وصعوبتها تأتي من تشابك في القوى العاملة ضد الوضع الراهن, وهي متباينة في أهدافها ومراميها ومتفقة في اساليب وأدوات عملها وراغبة في منع تسليم السلطة في الوقت المحدد وتأخير عملية إعادة الإعمار من أجل زيادة الهيجان وتنامي القوى التي تتحول إلى جانبها, إذ أنه يراهن على كسب الوقت وإدامة الفوضى وأعمال العنف. وصعوبتها تأتي أيضاً من تشابك الجانب القومي بالجانب الديني والعشائري ومحاولة هذه القوى تسمية قوات الاحتلال أو اتهامها بكونها "نجسة وكافرة" التي يراد بها إثارة حفيظة الناس البسطاء المتمسكين بالإسلام, وهي بالتالي تلعب على العواطف بعيداً عن الحديث مع عقل الإنسان. وهذه المهمة عسيرة بسبب أن الأفراد العراقيين الذين التحقوا بالجيش العراقي الذي تشكل في الآونة الأخيرة قد تسربت إليه قوى طائفية حقاً لأنه بني على اساس ديني وطائفي من حيث التكوين وليس على أساس المواطنة, وهو ما يزيد المهمة تعقيداً. كما أن المشكلة ترتبط برفض الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن التقدم إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد ينهي بموجبه احتلال العراق ويقر تشكيل قوة دولية واسعة تحل محل قوات الاحتلال وتكون مهمتها حفظ الأمن واستقلال البلاد. وهذه القوة الدولية ستشتمل بطبيعة الحال على قوى من أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. وسبب رفض الولايات المتحدة لمثل هذه الوجهة مرتبط بالاستراتيج الذي شنت بسببه الحرب ودخلت العراق, وعدم رغبتها في التخلي عن هذا الاستراتيج, إذ أنها لا تريد للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مركزياً ورئيسياً في العراق بعد أن همشته خلال السنوات الأخيرة, وهي ليست جادة تماماً في دعواتها للأمم المتحدة إلى دخول العراق والعمل هناك. ومن هنا تأتي أهمية الضغط الذي لا بد أن تمارسه أوروبا والدول العربية والمجتمع العراقي ومجلس الحكم الانتقالي للوصول إلى إقناع الولايات المتحدة بأهمية أن تلعب الأمم المتحدة الدور الرئيسي في عملية التغيير الجارية في العراق.
2. مهمة قيام مجلس الحكم الانتقالي بتقديم مشروع قرار لتشكيل مجلس وطني مؤقت يأخذ على عاتقه عملية تسلم السلطة وتشكيل حكومة للفترة الانتقالية التي أمدها يتراوح بين سنة وسنتين, حيث يتم فيها إعداد مسودة الدستور الدائم ...الخ. وهذه المهمة ليست في كل الأحوال صعبة, بسبب الطريقة السيئة التي عالجت بها إدارة وسلطة الاحتلال الوضع في العراق في أعقاب سقوط صدام حسين ونظامه واعتمادها مبدأ الطائفية في توزيع السلطة في العراق والطريقة التي شكل فيها هذا المجلس وإبعاد قوى عنه وإدخال قوى ليس لها دور وتأثير في الساحة السياسية العراقية, بسبب كونهم يعبرون عن مصالح الولايات المتحدة في المجلس مباشرة. ويفترض أن يتشكل المجلس من عدد يتراوح بين 60-90 عضواً يمثلون القوى والشرائح التالية في المجتمع: الأحزاب والقوى السياسية الممثلة للفئات الاجتماعية, سواء أكان ذلك على اساس قومي أم على أساس فكري وسياسي؛ قوى المجتمع المدني الممثلة بمنظمات كثيرة تعمل في هذا المجال؛ عدداً من أبرز المثقفين العراقيين أو ممن يمثلون المنظمات المهنية والنقابات في العراق؛ إضافة إلى ممثلين عن إقليم كردستان ومحافظاته وبقية المحافظات في وسط وجنوب العراق وشماله, أي ممثلين عن مجالس المحافظات العراقية. إنها لمهمة عسيرة حقاً ولكن لا بد منها. وسوف لن تكون أية تشكيلة مقبلة مقبولة بالضرورة من جميع أوساط الشعب العراقي, ولكن الجهد يفترض أن يبذل باتجاه أوسع تمثيل أو تعبير ممكن عن مصالح تلك الفئات والشرائح والقوى في المجتمع. وتبدو لي صعوبة القضية في حقيقة أن بعض القوى في المجلس, إن لم نقل كلها تحاول الاستفادة من الفوضى الراهنة في فرض مواقفها على الآخرين مما يصطدم بإرادة الشعب ومستقبل العراق الديمقراطي. وفي هذا لا بد من التحري عن قواسم مشتركة تسمح بالبدء الفعلي بالمسيرة الديمقراطية التي توقفت تماماً في العراق منذ نهاية عام 1958 وبداية عام 1959. والمشكلة لا تكمن في إرادة العراقيين وحدهم في حل هذه المشكلة, بل في تأثير القوى العربية والإقليمية والدولية على أسس تشكيل المجلس الوطني المؤقت, إذ أن لها جميعاً مصالحها ومن يمثلها بهذا القدر أو ذاك في مجلس الحكم الانتقالي أم في الوزارة أم في خارجه حيث يمكن إشاعة الفوضى والعنف, كما هو حاصل في الفلوجة ومحافظة الأنبار عموماً وفي محافظتي الجف وكربلاء, على سبيل المثال لا الحصر. ويصعب إبعاد هذه التأثيرات حالياً أو حتى في المستقبل, خاصة وأن الولايات المتحدة ذاتها تلعب دوراً سلبياً في منطقة الشرق الأوسط يبرز بوضوح في الموقف من القضية الفلسطينية وانتقالها الصريح والميطلق إلى جانب إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية بحيث لا يبقى للشعب الفلسطيني سوى قطاع غزة بعد التهام الضفة الغربية من قبل المستوطنات اليهودية. وهي حالة تجعل المجتمعات العربية تفكر جدياً بوجود تحالف يهودي – مسيحي أمريكي وجزئياً أوروبي في مواجهة المسلمين وفرض السيطرة الكاملة على فلسطين, أي أنها تذكرهم بالحروب الصليبية حيث كان هدفها السيطرة على القدس وفلسطين بشكل عام, وهي التي ستثير المزيد من المتاعب في المنطقة وعلى الصعيد الدولي. فإدارة بوش إدارة متحيزة بالكامل لصالح إسرائيل وضد عرب فلسطين ولا يمكن برقعتها بشعارات زائفة, وهي جزء من استراتيجية الولايات المتحدة من الحرب في العراق. ومن هنا تنشأ ايضاً المصاعب التي تواجه مجلس الحكم الانتقالي حيث أن سياسة بوش في الشرق الأوسط لا تساعد على تعجيل تحقيق الهدوء والاستقرار والسلام في العراق.
3. مهمة إعادة القوى السياسية الديمقراطية العراقية العاملة في مجلس الحكم الانتقالي وخارجه النظر في واقعها وبنيتها التنظيمية وبرامجها وخطابها السياسي وتحالفاتها وعلاقتها بالمجتمع العراقي, إذ بدون ذلك سوف يستحيل عليها أن تلعب الدور المطلوب لها في هذه الفترة والفترة القادمة. إنها المهمة الأصعب, إذ أن مهمة تغيير ما في النفس, أو الأحزاب, صعبة للغاية ومعقدة جداً في آن.
لقد استطاعت قوى الإسلام السياسي المتطرفة أن تسيطر على الشارع في بعض مناطق العراق, ولكن هذه السيطرة شكلية ومؤقتة وستنحسر بسرعة أن أمكن ممارسة السياسة الواقعية في العراق من قبل سلطات الاحتلال ومن قبل مجلس الحكم الانتقالي ومن خلال تعزيز العلاقة بالشارع والواقع والمجتمع العراقي. إن الطريقة التي تمارس بها هذه القوى عملها السياسي لا يسمح لنا بالتفاول من إمكانية تغيير ما في نفسها وعملها, خاصة من خلال ملاحظتنا وملاحظة الغالبية العظمى من المجتمع على تهافتها على المناصب وإهمالها الطويل للشارع والجماهير الشعبية, إذ تركت ذلك لقوى أخرى استطاعت الهيمنة النسبية, خاصة وأن سلوك قوات الاحتلال مشجع لها على ذلك.
إن من الإنصاف أن نقول بأن مهمة وإمكانية القوى السياسية العراقية, وخاصة الديمقراطية منها, على تغيير واقعها وتعميق علاقتها بالجماهير الشعبية بالسرعة المطلوبة سوف لن تكون مهمة سهلة ولا واقعية, كما أن استعداد الولايات المتحدة على التخلي عن استراتيجيتها في المنطقة وفي العراق لا يمكن التفاؤل بها خلال الفترة المحددة, إضافة إلى أن القوى المهددة للأمن والاستقرار في العراق غير مستعدة للتراجع عن مخططاتها في إشاعة الفوضى والعمف والتخريب والموت في العراق. ولهذا سوف يتعذر علينا أن نقول بأن تسلم السلطة من قبل مجلس وطني مؤقت سيعني في الوقت نفسه استعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية. أنه سوف يعني الخطوة الأولى على هذا الطريق, ومن استمع إلى تصريح بريمر في يوم 19/4/2004, الذي أشار فيه إلى أ، العراق سيحتاج إلى عون "قوات التحالف" بعد تسلم السلطة, يؤكد ما أشرنا إليه, وهي حقيقة, ولكن يفترض أن تكون لصالح تكوين ودخول القوى الدولية التابعة للأمم المتحدة.
ولكن الخطوة الثانية التي يفترض أن تسعى إليها القوى العراقية التي سوف تتسلم السلطة هي إصرارها على تنفيذ خمس مهمات جوهرية, وهي:
1. صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يعلن استعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية.
2. تشكيل قوة عسكرية دولية من ذوي الخوذ الزرقاء تأخذ على عاتقها مع قوى الجيش العراقي الجديد حماية الحدود العراقية والتعاون مع قوى الأمن الداخلي على مطاردة القوى المخربة ومنعها من ولوج العراق وتنفيذ مخططاتها الإجرامية بحق الشعب.
3. التسلم الكامل لملف الأمن الداخلي والتعامل معه وفق متطلبات المرحلة الجديدة.
4. رفض التدخل من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الشئون السيساسة للحكومة المؤقتة ومحاولة جعل قراراتها غير قابلة للنقض أو حق الفيتو. وهذا لا يمنع من التنسيق في هذا الصدد مع قوى مجلس الأمن الدولي والدول المشاركة في تشكيل القوة الدولية.
5. البدء بتنفيذ مشروع متكامل لإعادة إعمار العراق وتسليم هذا الملف للحكومة العراقية المؤقتة الذي يفترض أن يفكر أولاً وقبل كل شيء بتشغيل العاطلين عن العمل وتأمين مصدر رزق لهم وحمايتهم من العطالة والجوع والحرمان والسقوط في أحضان عصابات التخريب والإرهاب في العراق.
وهذه الإجراءات ستكون الخطوة الثانية على طريق استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية.
إن المهمة الأكثر تعقيداً التي ستواجه المجتمع العراقي بعد تسلم السلطة هي منع القوى المتطرفة من مختلف قوى الإسلام السياسي ومن فلول نظام صدام حسين من العبث بالحياة السياسية والشارع العراقي ومن محاولة العودة إلى السلطة السياسية, فالصراع في العراق يدور حول السلطة فعلاً,
يتمنى الإنسان على مجلس الحكم الانتقالي أن يتعامل مع الواقع الراهن, وفي ما تبقى له من وقت, بإخلاص وهمة عالية وبعيداً عن النظرة الحزبية الضيقة إلى المهمات الكبيرة التي تجابه الوطن, ومنها سبل التعامل مع قوى مقتدى الصدر المتطرفة ومع أولئك الذين التحقوا به من فلول مختلف القوى الصدامية والظلامية وكذلك جمهرة غير قليلة من الكادحين الذي يعتمدون في رزقهم على ما يدفعه لهم من نقود وأرزاق عينية, لكي يحظى بمصداقية لدى الشعب العراقي بعد أن اهتزت في الآونة الأخيرة بشكل خاص. ينبغي أن يعمل المجلس على رفض بقاء جيش المهدي, بل لا بد من حله وسحب اسلحته ومنع تشكيله ثانية, فأن لم تنته العملية الآن فأنها ستتفجر في كل لحظة وستقود إلى حرب أهلية مدمرة على صعيد البلاد كلها وهو ما يفترض منع وقوعها منذ الآن وحماية المجتمع منها.
برلين في 20/4/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟